اقتصاد

مخاوف وزير المال غير مبررة

| علي هاشم

ليس من الحكمة في شيء أن يجادل المرء وزيرا للمال في قضايا نقدية، إلا أن كلاما قاله وزيرنا على هامش مؤتمر المصارف قبل أيام، يعزز التشاؤم حيال الإستراتيجيات الحكومية لمعالجة التبدلات العميقة التي طالت البنيان الاجتماعي الوطني من باب الاقتصاد والدخل.
في كلمته خلال المؤتمر، أضاف وزير مالنا «تبشيرة» جديدة أخرى بـ«ولادة قريبة لمؤسسة ضمان القروض» التي ما زلنا نتلقى «تباشير» قدومها المرتقب للعام الثاني على التوالي بينما الآمال العريضة المعلقة عليها لوقف التدهور المستمر في عدالة توزيع الثروة والمداخيل الاجتماعية التي دكتها الحرب في صميمها، ستبقى لردح آخر من الزمن مصلوبة على كلمة «قريبا» التي تحولت- بحكم العادة- إلى مبرر مانع للنقد عن التأخر اللا مسؤول في إنجاز واجب حكومي ما، ورغم ذلك، فليست المشكلة هنا فقط، بل في الشرح الضبابي الذي قدمه الوزير حول أسباب تأخر منح قروض مصرفية استثمارية بما فيها تلك الموجهة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، منحياً باللائمة على «السياسة النقدية التي ينتهجها مصرف سورية المركزي» وتساوق «المنهجية» الاقتصادية الحكومية معها عبر الامتناع عن طرح كتل نقدية كبيرة في السوق «لأنها تؤدي إلى ارتفاع نسب التضخم».. إن كانت «الحجة» التي قدمها وزير المالية مبرراً للامتناع عن إطلاق قروض المشاريع الصغيرة والمتوسطة تعبر فعلا عن مخاوف حكومية نقدية جدية، لا مجرد تكتيك إعلامي يبرر التقاعس الحكومي عن إيجاد مخرج مناسب لتمويلها، فهذا أمر يستوجب النقد، ذلك أن «كنه» المشاريع ذات التصنيف الصغير والمتوسط يتجلى في قدرتها المذهلة على امتصاص قسط من نسب التضخم، لا العكس كما تعتقد الحكومة!.. فمن سمات تمويلات المشاريع الصغيرة أنها تندفع في قنوات جديدة تتجاوز مراكز الأسواق والحركة التجارية التقليدية نحو أسواق جديدة غالبا ما يتم تصنيفها على هامش التداول النقدي لعدم وجود سلع منتجة أو مستهلكة ضمنها، وبطبيعة الحال، ونظراً لظروف الإنتاج التي خلفتها الحرب، فثمة كتلة لا بأس بها من السلع الحية «نظريا» في أسواقنا، لكنها ميتة «عملياً» لعدم القدرة على استهلاكها أو لانتفاء الحاجة إليها، ومنها -على سبيل المثال- العدد الصناعية والحرفية وكذلك المواد الأولية المحلية ذات القابلية للتحويل وتدعيم قيمتها المضافة، فهذه السلع، ورغم إمكانية تصنيفها نظريا كجزء من الكتلة السلعية الموازنة للكتلة النقدية في الأسواق، إلا أن عدم استهلاكها مباشرة أو في سياق عملية إنتاجية أخرى، يفسر جانباً من الخلل القائم بين الكتلتين «النقدية/ السلعية» المسؤول الأول عن اندفاع نسب التضخم صعوداً.
أحد الأدوار الحكومية الممكنة هو في تنشيط استهلاك تلك السلع «الموجودة مع وقف التداول» عبر دعم وتمويل الصناعات الصغيرة.. وبالطبع لا تحتاج الحكومة لمن يرشدها إلى ذلك، بل لمن ينتقد تراخيها في السعي إليه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن