شؤون محلية

مشروع قانون التشاركية نام طويلاً واستيقظ من جديد … ثلاث وجهات نظر حول التشاركية والبعض ينظر إليه بشك

| محمود الصالح

أثار مشروع قانون التشاركية بين القطاع العام والقطاع الخاص المعروض على مجلس الشعب جدلاً كبيراً بين أوساط المواطنين وبعض الاتحادات والمنظمات الشعبية وفي أروقة مجلس الشعب واختلفت حوله الرؤى وتباينت الاجتهادات والتفسيرات والتأويلات حول مضمون مشروع هذا القانون والهدف منه وخصوصاً أن هذا المشروع يعرض على مجلس الشعب في ظل هذه الظروف العصيبة الاستثنائية التي تمر بها البلاد والتي فرضتها الحرب الكونية المسعورة التي تشن على قطرنا رغم أنه قد تم إعداده في عامي 2008 و2009 لكنه لم يأخذ طريقه للإقرار أو يصدر بشكل قانوني.
ولا بد أن نشير بداية إلى أن مشروع هذا القانون ينصب على إدارة واستثمار المنشآت أو المؤسسات أو المرافق العامة المملوكة للدولة بحيث يشارك القطاع الخاص في إدارة واستثمار واستغلال هذا المرفق العام أو المنشأة أو المؤسسة العامة بموجب عقد يبرم لهذه الغاية بين الطرفين وتحدد بموجبه شروط وحقوق وواجبات كلا الطرفين الإدارة العامة من جهة باعتبارها مالكة للمؤسسة أو المنشأة أو المرفق العام والقطاع الخاص باعتبار أنه يشارك في إدارة المرفق العام والمساهمة في استثماره فيما أعد له لمدة محددة مع الإشارة إلى إمكانية تأسيس شركة في بعض الأحيان بين الطرفين.
عضو اللجنة التشريعية في مجلس الشعب المحامي زياد سكري قال: برزت وجهات نظر ثلاث حول هذا المشروع تتلخص كل منها بما يلي:
وجهة النظر الأولى:
ترى أن هذا المشروع ليس سوى هيكلية جديدة للاقتصاد السوري والنحو التدريجي باتجاه سياسة اقتصاد السوق المفتوح من خلال تطبيق مفاهيم اقتصادية جديدة وبآليات بديلة ستؤدي إلى هزات اقتصادية تكون أشد أثراً في ذوي الدخل المحدود وفئات المجتمع الأكثر فقراً وهو اختصاراً يمثل تخلياً عن الدور الحامي والأبوي للدولة وسيؤدي في نهاية المطاف إلى خصخصة القطاع العام وبيعه للقطاع الخاص إضافة إلى أن مشروع هذا القانون يشكل مخالفة لأحكام المادة الرابعة عشرة من الدستور والتي تنص على ما يلي:
«الثروات الطبيعية والمنشآت والمؤسسات والمرافق العامة هي ملكية عامة تتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لمصلحة مجموع الشعب، وواجب المواطنين حمايتها».
أما وجهة النظر الثانية:
فهي تنظر إلى مشروع هذا القانون بعين الشك والريبة فهي لا ترى ما يمنع من منح القطاع الخاص كل أسباب ووسائل المساهمة في دعم الاقتصاد الوطني واستغلال واستثمار أمواله لكن دون تدخل في المنشأة أو المؤسسة أو المرفق العام والذي هو ملك الشعب وخاصة أن هناك تجربة سابقة في هذا المضمار إذ أنشئ في مرحلة من مراحل تطور الاقتصاد الوطني ما عرف وسمي القطاع المشترك وهو شبيه تماماً بهذا المشروع فأقيمت شركات بين القطاع العام والقطاع الخاص بالعديد من المجالات الاقتصادية وقد أثبتت هذه التجربة بمرور الأيام فشلها التام ولم تلعب أي دور في دفع عملية النمو الاقتصادي والمساهمة في الناتج الوطني إضافة إلى أن القطاع الخاص لم يقدم أي مساهمة جدية في دعم الاقتصاد الوطني من خلال قانون الاستثمار إذ انحصرت معظم مشاريعه في القطاعات التحويلية أو الخدمية قليلة التكلفة وذات مردود وربح مرتفع إضافة إلى أنه ليس بالضرورة أن تقتصر التشاركية على القطاع الخاص فلدينا قطاع تعاوني يعمل بكل أوجه النشاط الاقتصادي وهو يشكل رديفاً قوياً للقطاع العام ويمكن أن يؤدي الهدف المطلوب كالجمعيات التعاونية الفلاحية والإنتاجية والسكنية والاستهلاكية وتعاونيات النقل والمواصلات.
أما وجهة النظر الثالثة:
وهي المؤيدة لهذا المشروع فهي تنظر إلى مشروع هذا القانون من وجهة نظر مختلفة تماماً فالسياسة الاقتصادية التي تنتهجها بلادنا اليوم ليست نهج الاقتصاد المركزي المخطط ولا نهج اقتصاد السوق المفتوح بل الاقتصاد المقاوم الذي يفترض أن تتضافر فيه الجهود كافة بين القطاعات الاقتصادية الثلاثة (العام – الخاص – التعاوني) لذلك لا بد من إيجاد صيغ جديدة تمكن من إجراء تغييرات اقتصادية ورسم سياسات جديدة لردم الفجوة بين الموارد والنفقات وبين الاستيراد والتصدير وبين الإنتاج والتصريف وبين الأجور والأسعار كي يتمكن الاقتصاد السوري من الانطلاق بقوة وثبات ولكن التشاركية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن هناك قطاعات اقتصادية إستراتيجية وطنية مهمة يجب أن تبقى تحت سيطرة وإدارة وإشراف الدولة فقط ولا يجوز لأي كان المشاركة في إدارتها أو استثمارها في ظل أي ظروف لكونها تشكل صمام الأمان للاقتصاد الوطني والضمانة القوية للقرار السوري المستقل وغير الخاضع لأي تأثير من أي كان.
أما في القطاعات الصغيرة والخدمية والتحويلية أو التكميلية فيفضل مشاركة القطاع الخاص في إدارتها واستثمارها إذ بأسلوبه سيعمل للاستغلال الكامل لطاقة هذه الوحدات الاقتصادية والارتقاء بجودة المنتجات بفضل المرونة والحرية التي يملكها في اتخاذ القرارات ويقتصر دور الدولة على رقابة الأداء من خلال المؤشرات الاقتصادية والمالية، وخاصة أن هذه القطاعات والوحدات الاقتصادية الصغيرة لا تحقق عائداً مناسباً وتحمل الموازنة العامة للدولة أعباء متزايدة وستمكن عائديتها الاقتصادية من تقوية القطاعات الاستراتيجية الأساسية.
إضافة إلى عدم وجود أي مخالفة دستورية في مشروع هذا القانون إذ إن المادة المشار إليها قد منحت الدولة الحق باستثمار الثروات الطبيعية والمنشآت والمؤسسات والمرافق العامة والإشراف على إدارتها لمصلحة مجموع الشعب وبالتالي فليس هناك أي مخالفة عندما ينظم عقد بين القطاعين العام والخاص لإدارة واستثمار مرفق عام لمصلحة مجموع المواطنين.
وأكد سكري أن اللجان المتخصصة في مجلس الشعب قد انتهت من مناقشة هذا المشروع مادة مادة ووضعت العديد من الملاحظات عليه والتي ستؤدي مع المداخلات التي ستقدم من السادة أعضاء مجلس الشعب أثناء النظر فيه تحت القبة إلى إزالة كل أوجه الالتباس أو الغموض فيه وسيشكل إقراره إضافة لبنة جديدة إلى منظومة التشريعات التي صدرت عن مجلس الشعب في هذا الدور التشريعي وبما يسهم ويعزز في قوة الاقتصاد الوطني وإيجاد البنية التشريعية الخصبة والضرورية واللازمة في مرحلة إعادة البناء والإعمار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن