قضايا وآراء

الكيان الإسرائيلي وآخر أوهام قدرته على الردع

| تحسين حلبي

فرضت التطورات في السنوات الماضية على المنطقة مسلمات موضوعية لا يمكن تجاهل مضاعفاتها السلبية على الكيان الإسرائيلي وحليفه الأميركي، وأهم هذه المسلمات:

أولاًـ تزايد القدرات الإجمالية لأطراف محور المقاومة بعد إحباط المخطط الإسرائيلي – الغربي للتخلص منه وتفتيته.

ثانياًـ انتقال المنطقة إلى بداية انفراج سياسي واقتصادي بين أطراف المحور وبقية الدول العربية والإسلامية في المنطقة.

ثالثاًـ تزايد الدور المؤثر لدول المنطقة العربية والإسلامية في النظام العالمي الذي سيشق طريقه نحو نظام متعدد الأقطاب يتراجع فيه الدور الأحادي الأميركي المهيمن على الساحة الدولية.

وظهر جلياً أن الخاسر الأكبر من هذه المسلمات الثابتة هو مصالح الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة وبخاصة بعد الحرب الغربية– الأميركية على روسيا في أوكرانيا وبوادر هزيمة الغرب فيها على الساحة العالمية.

كان من الطبيعي أن تبذل تل أبيب كل قدراتها العسكرية والتحالفية والتخريبية لإيقاف عجلة هذه التطورات ومنع تثبيت نتائجها السلبية عليها، ولكنها لم تستطع تحقيق هذا الهدف طوال اثني عشر عاماً من الحرب التي شنتها بكل الأشكال ضد محور المقاومة وخاصة بشكل مباشر ضد قاعدته الرئيسة سورية، ويبدو أن مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي اضطر إلى الاعتراف في تحليل حول تقدير الوضع الإسرائيلي نشره في الـ21 من آذار الماضي تحت عنوان: «تحذير إستراتيجي.. الانقسام الداخلي الإسرائيلي يهدد الأمن القومي»، جاء فيه: إن «إسرائيل تجد نفسها أمام مجموعة أخطار فادحة تتعلق بأمنها القومي فهي تشهد مساوئ اقتصادية في ظل أزمة اقتصادية عالمية وتصدعات متسعة في العلاقات مع الولايات المتحدة ويواجه فيها المجتمع الإسرائيلي صراعاً داخلياً غير مسبوق بسبب الخلاف على الإصلاح القضائي الذي يراد منه فرض تغيير بعيد المدى على قواعد اللعبة الخاصة بطبيعة النظام والقضاء، ويضاف إلى ذلك أن إسرائيل أُجبرت على مواجهة أزمات فادحة في جبهات أمنية، من الانتفاضة ومن إيران وسورية».

ويضيف التقرير الإسرائيلي بأن «هذه التطورات تثير قلقاً متزايداً في ظل الخطر الأمني المركزي الذي تشكله إيران وهذا ما جعلنا نصبح بحاجة غير مسبوقة للدعم القوي من الولايات المتحدة، بل إن دعمها في غاية الأهمية للمحافظة على تفوق إسرائيل النوعي وعلى حماية إسرائيل وسياستها الخارجية في المؤسسات الأممية».

وبالمقارنة مع العقيدة الإستراتيجية للأمن القومي الإسرائيلي التي لم يبق منها شيءً قابل للتنفيذ وبخاصة ما تطلق عليه اسم مبادرة «الحرب الاستباقية الشاملة» لفرض «الردع» يعترف مركز أبحاث الأمن القومي في تقريره بالوضع «الحرج» لكيانه، و«بضيق هامش المناورة» في هذه الظروف التي يشهدها الكيان والتي مر بها بعد الهزيمة التي تكبدها في عدوان تموز 2006 على يد المقاومة اللبنانية وحلفائها في دمشق وطهران طوال 34 يوماً من القصف الصاروخي والحرب البرية على أرض الجنوب، ففي ظروف تلك الهزيمة لم يجد رئيس حكومة الكيان إيهود أولميرت أي مؤشر يستخدمه للردع سوى الإعلان لأول مرة وبشكل مباشر عن أن «إسرائيل دولة عضو في نادي الدول النووية»، وذلك في 12-12-2006 لقناة تلفزيونية ألمانية ونشرتها وكالة «أسوشيتيد برس» العالمية، ولأن هذا التصريح أثار ردود فعل سلبية على الكيان، سارع ناطق باسم حكومته إلى الإعلان في اليوم التالي عن أنه كان «زلة لسان من قبل أولميرت».

في يومنا هذا ورغم الغارات التي يشنها الكيان بين فترة وأخرى من دون أن يصرح بمسؤوليته عنها ضد الأراضي السورية، يبدو أن ظروف الأزمات والضعف التي يشهدها الكيان في هذا الوقت دفعت هذه المرة رئيس حكومة ورئيس أركان ووزير الدفاع السابق الجنرال ايهود باراك إلى الإعلان في موقع «تويتر» الخاص به بوجود سلاح نووي إسرائيلي، فقد كتب نصاً بالعبرية «ربما يبدو هذا غريباً بالنسبة لنا لكنني وجدت من أحاديث الإسرائيليين مع أطراف سياسية غربية شعوراً بالقلق من هذه الأطراف من إمكانية أن يؤدي نجاح الانقلاب في النظام القضائي في إسرائيل إلى نشوء دولة دكتاتورية دينية يهودية لديها السلاح النووي الإسرائيلي ويريد المتعصبون فيها خلق مجابهة مع الإسلام مركزها المسجد الأقصى، وهذا بنظر الغرب مخيف، لن يحدث»، وبعد ظهور هذه العبارات باسم باراك، جرى اختفاء هذا النص بعد أن نقلته وسائل الإعلام بما فيها المجلة الإلكترونية «أنتي وور» في الرابع من نيسان الجاري بقلم ديف ديكامب الذي نشره بنصه العبري وكذلك بترجمة للإنكليزية، ويبدو أن حذفه جاء باتفاق إسرائيلي رغم أن باراك نشره بهذا الشكل لكي يخيف العرب من السلاح النووي ويستعين بالغرب من خلال ذلك في إزاحة حكومة بنيامين نتنياهو ومطالبته بعدم تغيير النظام القضائي الذي أثار الانقسام الداخلي.

يثبت التاريخ أن كل أشكال المقاومة التي تصدى فيها محور المقاومة للكيان، لم تحسب أي حساب لهذا «السلاح» في حرب تشرين 1973 ولا في حرب التصدي للاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ولا في حرب تموز 2006، وفي كل هذه الحروب هزمت أطراف المقاومة جيش الاحتلال وحققت أهدافهـا ولا تزال تزداد قوة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن