قضايا وآراء

سياسات فرض الأمر الواقع في الإقليم الكردي

| أحمد ضيف الله

عندما أنهى نائب رئيس حكومة إقليم كردستان قوباد الطالباني مقاطعته جلسات الحكومة، بلقائه رئيسها مسرور البارزاني في الـ8 من أيار 2023، و«الاتفاق على حل جميع المشاكل من خلال الحوار والتعاون»، منهياً بذلك حالة التوتر والاحتقان بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، «الحزب الديمقراطي الكردستاني» برئاسة مسعود البارزاني و«الاتحاد الوطني الكردستاني» برئاسة بافل الطالباني التي امتدت نحو ستة أشهر، بضغط مباشر على الطرفين من مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربارا ليف التي زارت العراق في الأول من أيار 2023 لأيام ثلاثة.

لم يكن أحد يتوقع أن حالة الهدوء والوئام والاتفاق على «إيقاف الحملات الإعلامية» بين الحزبين الكرديين المتخاصمين، تمهيداً «لاستئناف الاجتماعات لبحث موضوع الانتخابات البرلمانية في الإقليم»، أنها لن تصمد أكثر من أسبوعين.

في مقالتي «عودة (فضائي) الإقليم» المنشورة في صحيفة «الوطن» في الـ16 من أيار الجاري، أشرت إلى أن إنهاء نائب رئيس حكومة الإقليم مقاطعة اجتماعات الحكومة، وإيقاف الحملات الإعلامية المضادة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين «لا ينهي حالة التنافر بينهما، والتي تعمقت مؤخراً بسبب اختلاف الرؤى بشأن انتخابات الدورة السادسة لبرلمان إقليم كردستان المقبلة، حول جملة من الملفات، كقانون الانتخابات، وسجلات الناخبين، وانتخاب مجلس جديد لمفوضية الانتخابات، وحصة (كوتا) المكونات»، وهذا ما حصل.

ففي الـ22 من أيار الجاري، تحولت جلسة برلمان إقليم كردستان إلى حلبة قتال وعراك ولكمات بالأيدي وركل بالأرجل، وتراشق بعبوات المياه، وبقطع المقاعد الخشبية، بين نواب الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، محطمين كل ما يمكن أن يصل إلى أيديهم داخل القاعة البرلمانية ليتضاربوا به، وليمتد الشجار ويتوسع إلى تضارب بالأيدي بين حمايات النواب وإعلاميي الطرفين خارج القاعة.

كل ذلك وقع نتيجة إعلان رئيسة البرلمان ريواز فائق عن الاتحاد الوطني الكردستاني تعليق أعمال الجلسة، بسبب الخلاف على أدرج بند إعادة تفعيل عمل المفوضية المستقلة للانتخابات المنتهية ولايتها في إقليم كردستان والمعنية بتنظيم انتخابات الإقليم المقررة في 18 تشرين الثاني 2023، ضمن جدولة أعمال الجلسة، حيث يرى نواب الاتحاد الوطني الكردستاني وآخرون، أن البند أضيف إلى جدول الأعمال في الساعات الأخيرة، من دون موافقة رئيسة البرلمان، وبشكل مغاير للنظام الداخلي الذي يلزم رئاسة البرلمان إعلام النواب بجدول أعمال الجلسة قبل 24 ساعة.

نائب رئيس برلمان الإقليم عن الحزب الديمقراطي الكردستاني هيمن هورامي، وسكرتيرة البرلمان ونائب رئيس حزب الإصلاح التركماني منى قهوجي رفضا إعلان تعليق الجلسة، داعين النواب بعد «جولة العراك» إلى مواصلة أعمال الجلسة، حيث مرر قرار تفعيل عمل المفوضية المستقلة للانتخابات في الإقليم، بـ58 صوتاً من أصل 80 نائباً ظل في قاعة المجلس.

برلمان إقليم كردستان الممدة ولايته الذي جرى انتخابه على أساس أن الإقليم دائرة انتخابية واحدة في الـ30 من أيلول 2018، مكون من 111 نائباً، منهم 45 نائباً للحزب الديمقراطي الكردستاني، و21 نائباً للاتحاد الوطني الكردستاني، و12 نائباً لحركة التغيير، و8 نواب لحراك الجيل الجديد، و7 نواب للجماعة الإسلامية، و5 نواب لقائمة «نحو الإصلاح»، بينما توزع باقي نواب البرلمان على باقي القوى المشاركة بمعدل نائب واحد إلى نائبين من بينهم 11 نائباً لـ«كوتا» الأقليات غير الكردية.

وفي ظل السجال السياسي الكردي بشأن نظام الحكم الرئاسي وصلاحياته، وانكسار حالة التوازن في سياسة تقاسم المناصب بين الثقلين الرئيسيين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، والاتهام بتزوير النتائج الانتخابية البرلمانية، شُل عمل البرلمان بالمقاطعة.

وضمن أجواء المقاطعة، مرر الحزب الديمقراطي الكردستاني مرشحه لرئاسة الإقليم نيجرفان إدريس البارزاني في الـ28 من أيار 2019 بأغلبية 68 صوتاً من أصل 84 نائباً حضروا الجلسة البرلمانية، كما أنه لم يتمكن من تمرير تشكيلة مسرور مسعود البارزاني الوزارية إلا في الـ10 من تموز 2019، بعد 300 يوم من تاريخ إجراء الانتخابات البرلمانية.

اجتماع الحزبين الكرديين الرئيسيين الذي جرى في أربيل في الـ21 من أيار 2023، أي قبل يوم من جلسة «العراك» البرلمانية الأخيرة، انتهى من دون حل جميع القضايا الخلافية بينهما، إذ أشار البيان المشترك أن «بعض القضايا الأخرى التي تتطلب مزيداً من المناقشة سيتم البت فيها في اجتماعات مقبلة»، من دون توضيح ماهيتها.

وبغض النظر عن السجال الدائر الآن بشأن شرعية استمرار الجلسة الأخيرة، فإن سياسات فرض الأمر الواقع، وضرب التوافقات السياسية عرض الحائط التي سبق أن اعتمدها الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني في تمرير كل قراراته السابقة رغم المقاطعات النيابية، لا يتوقع أن تمر وقائع ما جرى، هذه المرة بسلام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن