ثقافة وفن

إياس الخطيب في مجموعته القصصية الثانية «الرقص على شرفة النهار»

 نضال حيدر:

يصف الناقد الدكتور جابر عصفور «فن القصة القصيرة» بـ«الـفن الصعب» الذي «لا يبرع فيه سوى الأكفياء من الكتاب القادرين على اقتناص اللحظات العابرة قبل انزلاقها على أسطح الذاكرة‏، ‏ وتثبيتها للتأمل الذي يكشف عن كثافتها الشاعرية بقدر ما يكشف عن دلالاتها المشعة في أكثر من اتجاه».
حضر هذا القول أمامي بقوة بعد الانتهاء من قراءة المجموعة القصصية «الرقص على شرفة النهار» للكاتب السوري الشاب إياس الخطيب، الذي عمل في مجموعته القصصية الثانية هذه، على البحث في ما وراء الحدث، وأعمال التفكير، عبر لغةٍ وصفية محفوفة بالشاعرية، عززتها حبكة فنية محكمة، وأسلوب مشوق.

«بيّض الفال» أول الغيث…

القاص السوري الشاب إياس الخطيب أطلَّ لأول مرة على عالم القصة، من خلال مجموعته القصصية الأولى «بيّض الفال» الصادرة عام 2011م التي أتبعها بعد عامين بمجموعته القصصية الثانية هذه والتي نقلب صفحاتها ونقرأ ما بين سطورها بعد ان وسمها بعنوان «الرقص على شرفة النهار» الصادرة عام 2013م والممتدَّة على مئةٍ وثلاثينَ صفحةً منَ القطعِ الوسط.

لغة مشرقة وسلاسة في الأفكار
إياس الخطيب، في مجموعته القصصية الثانية «الرقص على شرفةِ النهار» يخوض غمار القصة القصيرة، بثقةٍ تعززها لغةٌ مشرقة؛ وسلاسة في الأفكار والصور والتخيُّلاتِ التي يصبو إليها، مع الجرأةِ المميَّزَةِ في طرحِها ومعالجتها، وهو في قصصه يعالجُ القضايا التي يعرضها عبر محورين: نفسي وفلسفي، علاوةً على زرعِ النهاياتِ المفتوحة، ليضع القارئ وجهاً لوجه أمام الفكرةِ التي يغلِّفُها بإحساسٍ مرهف في نظرتهِ للتفاصيل، وهذا ما يشيرُ بوضوحٍ إلى عمقِ المخزونِ الفكري والروحي لديهِ، الذي يسكبهُ بأسلوب أدبيٍّ جميل وسياقٍ متناغم.

ليست شرفة.. بل شرفاتٍ للنهار…
يبدأُ الكاتبُ الشاب إياس الخطيب بالإهداء: «إلى جميعِ من غرسوا فيَّ بذور العلم والنصحِ والإبداع.. ولم يبخلوا.. كثيرونَ هم من فرَشوا أمامي طُرُقاً مُعبَّدَةً بالوردِ المخملي كي أرتقي بأفكاري وأسمو بمفرداتي وأُطلِقُها عبر الفضاءِ الأثيري… إلى معلماتي ومعلميَّ.. إلى أصدقائي ورفاقِ دربي جميعاً.. وإلى الينبوع الأول والأخيرِ الذي كلَّما نهلتُ منهُ ازدادَ إغداقاً وتوهُّجاً وعطاءً: أسرتي.. أُهدي.. ليست شرفة.. بل شرفاتٍ للنهار…».

عشرون عنواناً.. عشرون لوحة
من عناوينِ المجموعةِ التي جاوزت العشرينَ عنواناً نقرأ: «اللوحة، الرقص على شرفة النهار، عود وشرفة، أصول الأتيكيت، عيد المدينة، بابا نويل، جريمة بلا عقاب، اعتراف، وردة، هذا ليس قلبي، يومٌ ماطر، انقطاع كهربائي مفاجئ، فرخ البط عوام، كاتب، صرخة، انتظار، قائد المدينة، و: حلم».
من قصة «حلم» نقتطف قول إياس الخطيب: «جلستُ على الكرسي، ورحتُ أذكرُ ذلكَ الحلمَ البشِع، ما يقلقني ويعكِّر مزاجي بأن أحلامي دائماً ما تتحقَّق، لا أذكرُ أن حلماً لي خابَ يوماً، وهذا ما جعلَني أتقوقَعُ على نفسي، غارت عينايَ دموعاً ملتهبة، وعادَ الحلمُ ليراودني من جديد».

أسلوب شائق بعيدٍ عن التعقيد
بقي لنا القول، إن الكاتبُ السوري الشاب إياس الخطيب في مجموعتهِ القصصية الثانية «الرقص على شرفةِ النهار» يبدو واثقاً أكثر، ممتلكاً ببساطة لافتة ومبشِّرة ناصيةَ الفكرة، بأسلوب شائق بعيدٍ عن التعقيد، ما يَعِدُ بقامةٍ أدبيَّةٍ شابة، بدأت تخطُّ اسمها بهدوءٍ ورويَّة، مواصلةً مراكمةَ المزيد من الخبرة، والتي ستسهم من دونَ أدنى شك في صقل الموهبة وتطويرها للأفضل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن