اقتصاد

أبعد من «التشاركية» الاقتصادية

| علي هاشم

الجاحد وحده من يتنكر للدور الذي لعبه القطاع العام في تكريس العدالة الاجتماعية على مدى الأجيال الخمسة الأخيرة في سورية قبل أن يتحول إلى اتهامه بالبيروقراطية والهدر والفساد. وفق هذا السياق، تتضح أهمية النقاش الوطني على مدى السنوات الأخيرة حول قضية «التشاركية»، إذ إن إقرار قانونها الأسبوع الماضي يعني أن سورية قد فككت «تابوها» الخاص اقتصادياً بحلوه ومره بعدما ساد حياة السوريين على امتداد العقود الماضية.
لم يعد القطاع العام كما كان. ثمة تحولات عميقة طرأت على دوره وفعاليته في الحياة السورية، بعدما أصاب التلف علاقته بالمجتمع والاقتصاد إلى حدود يصعب ترميمها بقدراته الذاتية، لتضاف إلى ذلك التحولات العميقة التي ساقتها معها الحرب التي شنت على سورية.
فقبل الحرب، وفي ظل القدرة التمويلية الحكومية على التصدي لمشاريع عملاقة كما هو حال المرافق العامة، كان للنقاش حول التشاركية معطيات مختلفة عنها اليوم، وكان لوقوف كل منا على مسافة واضحة من الفكرة أن يضفي توازنا نفسيا بين حاجتنا إلى تطوير بنى الاقتصاد وارتباطنا العاطفي المتوارث بالقطاع العام.
ثمة ما هو مختلف اليوم، فالقدرات الذاتية باتت موضع شك في تناسبيتها مع تحديات إعادة الإعمار التي فرضها التدمير الإرهابي الممنهج لمؤسسات الخدمات في مختلف أرجاء سورية، ناهيك عن المتطلبات الاستثنائية التي يتوقع حاجتنا إليها ضمن عامل الزمن الضاغط على تطلعاتنا في إعادة النهوض بالاقتصاد الوطني.
إذ، وتبعاً لقدراتنا الذاتية المحدودة على الإيفاء بمتطلبات إعادة الإعمار، يتحول التأخير الناجم عن تراجع التمويل أو ضعف القدرات الفنية في إنجاز المرافق العامة إلى تهمة قانونية بتفويت العوائد المحتملة التي يمكن تحقيقها في ظل بنى موثوقة قادرة على جذب الاستثمار، ففي الأيام القادمة سيكون لكل يوم تأخير منعكساته الكبيرة على تدفق الاستثمار وتوليد فرص العمل، وهذا أمر يفرض منطقا مختلفا كليا حيال قضية «الحفاظ على ملكية الشعب» التي بات يجب تحقيقها من دون الإخلال بمصلحة «هذا الشعب» وتطلعاته والتخفيف من معاناته الاستثنائية بأسرع الأزمنة الممكنة.
في الواقع، إن قضية التشاركية تمتد إلى ما هو أبعد من الملكية والعوائد، فلربما علينا أن نختلف بشكل جيد حول ما إذا كان إشراك رجال الأعمال الوطنيين والدول الصديقة على حد سواء في إقامة وتشغيل المرافق العامة سيسهم في إضفاء مزيد من التشابك المصلحي الذي يكرس تلاحما مصيريا قد يعزز شبكة الحماية الوطنية والجيوسياسية لسورية وأجيالها القادمة، وهذا أمر لا يقل أهمية عن الإعمار ذاته نظرا لأهميته البالغة في الحفاظ على هذا العمران.
لن ينتهي النقاش حول دور القطاع العام وسلامة أدائه بعد صدور قانون التشاركية، بل يجب تحوله إلى قنوات جديدة في ظل البيئة المغايرة التي سوف يكرسها تطبيقه، وعلى الخبراء الوطنيين والأحزاب والنقابات وغيرهم أن يلامسوا عمق دوره في حياتنا الاقتصادية، إذ لم يعد من الممكن تجاهل الحديث عن جدوى بقاء «الدولة» في صناعات كالأحذية والبسكويت والألبان في الوقت الذي تراهن فيه على دور القطاع الخاص في قطاع الخدمات العامة تشغيلا وتسويقا وإنجازا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن