من دفتر الوطن

تراتيل العام المقبل!

| عصام داري

هي تراتيل من قلوب يسكنها الحب والأمل، ونفوس خاشعة تحلم بأفراح هربت من ديارنا لسنوات خلت وتركت لنا مساحات شاسعة من الأحزان والوجع والتعب الذي أنهك الأرواح.
نبتهل في معابدنا، ساحاتنا، بيوتنا، زوايانا وأزقتنا، وفي البساتين والطرقات كي تشرق شمس الحب، وتنبت المحبة في حقولنا، ويعود الفرح إلى حياتنا التي صارت أغنية حزينة الألحان، وقصيدة بكاء من غير دموع، فقد صارت الدمعة أكبر من مساحة الأجفان، كما تنبأ نزار قباني منذ سنوات كثيرة خلت.
تراتيل العام المقبل تنبع من كل مخلوق في الكون يحمل في صدره قلب إنسان، وعنده المشاعر والأحاسيس التي تميز البشر عن كل المخلوقات، وقد صار بين أشباه البشر من لا يمتلك أياً من هذه المشاعر والأحاسيس.
بداية العام المقبل، عامنا هذا، كانت تراتيل إنسانية رقيقة، رفعت إلى السموات العلا، ورنيم ملائكة غطى غناؤها الأكوان، بين بكاء وتوسل ودعاء، لأجل إنصاف طفلة سرقها الموت قبل أن تعرف معنى كلمة موت، وتعاطفاً مع طفل عرف البحر مرة واحدة ورحل، ابتلعه اليم بلا رحمة، حتى البحر سرق من بعض أشباه البشر مهنة القتل الوحشي.
من يسمع نداءاتنا التي شقت عنان السماء؟ من يشعر بوجع الجراح التي أثخنت الأجساد والأرواح؟من يعطنا خبزنا كفاف يومنا، ويدفع عنا الجوع والعطش وزمهرير السماء، والنفوس؟.
نريد حباً وخصباً وأملاً متجدداً قبل حصاد اليأس الذي لامس القلوب والنفوس، وكاد يسكن الدروب والمساحات الشاسعة، وتغطي سحبه السوداء السماء.
تراتيل العام المقبل صلاة لراحة نفوس أتعبتها الرحلة فغادرت قبل الأوان عنوة، وعلى غير إرادتها، خُطفت أرواح بريئة في لحظة ظلام غطت القلوب السوداء التي لم تعرف الحب والمحبة يوماً.
نستدعي الذكريات الحلوة في يومنا المُغبرّ هذا، كما يعود التاجر الذي أفلس إلى دفاتره العتيقة، فهل أمسينا مفلسين؟، وهل تعني العودة للدفاتر القديمة هروباً من واقع مرير، ومستقبل ضبابي، ومفترق طرق لا أحد يعرف أيها طريق السلامة، وأيها طريق الندامة؟.
هل نستجدي القدر بالتراتيل والدعاء والاتكال على الأمل والعزف على نغمة التفاؤل، ونهيم في الزوايا والتكايا كالدراويش والمجاذيب، وإلى متى نظل نعتمد على الأدعية والأضحية وأحلام اليقظة والتنجيم والسحر الأسود في حياتنا على أمل أن تقوم قوى غيبية بتحقيق أمانينا وطموحاتنا وإعادة حقوقنا المسلوبة والمنهوبة؟.
تراتيلي اليوم ليست استدراراً للعطف، ولا دعوة للتسليم بالقوى القدرية للتدخل لمصلحتنا، فأنا لا أطرق أبواب الأرض والسماء بحثاً عن مفاتيح حل لأزماتنا ومشاكلنا التي نتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عنها، إنما هي تراتيل قلب يغني عذابات ناس ضاقت بها الدنيا، وأظلمت سماؤها، وسدت دروبها، وكادت خطواتها تصل حدود اليأس والقنوط و.. القنوت!.
وإذا كنت أعزف تراتيلي ونغماتي الحزينة عليكم في بداية العام الجديد، فهذا لا يعني استسلامي وأني رفعت الراية البيضاء ودخلت حالة اليأس، وإنما أوزع مخاوفي على الذين يميلون إلى التشاؤم وباتت خطواتهم تقودهم إلى بوابة اليأس.
تراتيل العام الجديد رسالة حب وتفاؤل وأمل، وإن حفلت بالألحان الحزينة، وذكريات الوجع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن