قضايا وآراء

الأزمة الإيرانية – السعودية حسابات في العمق

| عبد المنعم علي عيسى

أن تذهب الرياض نحو قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران كما فعلت مساء الأحد 4/1/2016 فإن ذلك شأن داخلي خاضع للرؤية السياسية التي تنتهجها المملكة، وهو في مطلق الأحوال أمر تبيحه الأعراف والمواثيق الدولية تحت أي ظرف كان، لكن من المهم أن يكون ذلك الفعل خاضعاً لحسابات سياسية دقيقة تبدأ بالذرائع وتمر بتقديرات الربح والخسارة ولا تنتهي بإعطاء أجوبة شافية عما إذا كانت تلك الخطوة صادرة من موقع ضعف أم قوة؟ ثم ماهية التداعيات التي تترتب عليها وهل تصب تلك التداعيات في خانة الإيجاب أم في خانة السلب الوطنية؟ لا أظن أن الكثير مما سبق قد مر على ذهنية صانع القرار السياسي السعودي قبيل أن يذهب إلى ما ذهب إليه بل من الممكن أن أجازف فأقول: إن ما مرّ على تلك الذهنية لم يكن سوى ردة فعل نابعة عن أحقاد قديمة ومعاصرة ولطالما كان الحقد أكبر موجه سيئ للسياسة وتلك قناعة ليس من الصعب الدفاع عنها إذ يكفي لذلك إجراء جردة حساب سريعة.
هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على ترهل الجسد السعودي الذي بدا في الآونة الأخيرة عاجزاً أمام مداواة أمراضه السرطانية وأكثر عجزاً أمام مداواة جراح المحيط المؤثرة بشكل مباشر في الداخل السعودي، وقد أفضى ذلك الحال إلى وضع سعودي داخلي هش للغاية فعلى مدى 83 سنة هي عمر الدولة السعودية الحالية (هي الثالثة وقد قامت في عام 1932) لم تستطع الأسرة الحاكمة فيها أن تقوم بعملية تطوير شاملة لبناها الاقتصادية العميقة على الرغم من امتلاكها لثروة نفطية هائلة وسيولة نقدية أسطورية (قياساً على حجمها) قبل أن تنفد هذه الأخيرة من الخزائن السعودية جراء البذخ المصروف على الأزمتين السورية واليمنية بشكل خاص كما لم تستطع (تلك الأسرة) أن تنشئ نظاماً اجتماعياً قادراً على القيام بالعملية الأساس في مشروع النهوض الوطني أي بإعادة توزيع الثروة التي كان من الممكن أن تشكل لاصقاً قسرياً لمختلف شرائح المجتمع السعودي، وهي لم تستطع مقاربتها حتى ولو بأسلوب رعوي قبلي انطلاقاً من أن تلك المرحلة هي الغالبة في المجتمعات السعودية إلى الآن، كما لم تستطع بناء مؤسسات الدولة ولا بناها السياسية التي يمكن أن تعزز من وجود نظام داخلي وطني تعترضها في ذلك الوهابية الفكرية التي باتت تشكل سيفاً قاطعاً يفوق في حدته السيف الذي تقطع به رقاب السعوديين، كما أنها (الوهابية) تمثل الخزان الذي تتحدد فيه أفق الأفكار والمدى الذي يمكن أن تصل إليه المداولات الفكرية التي باتت أكثر انغلاقاً مما سبق الأمر الذي أدى إلى تحويل المجتمع السعودي إلى أرض خصبة لنمو ونشوء التنظيمات المتطرفة والإرهابية حتى إن هذه الأخيرة قد باتت تمثل السمة الأساسية الأبرز للبلاد.
في المشهد الإيراني سنستند على تقرير طومسون الذي نشرته رويترز (كانون الأول 2015) وهو تقرير غربي بمعنى أنه ليس صادراً عن حلفاء طهران، يقول التقرير إن إيران باتت تحتل المركز 17 عالمياً في إنتاج العلوم والبحث العلمي، وهي –يضيف التقرير- قد أنتجت منذ العام 2013 ما يزيد على 2925 مقالاً علمياً متخصصاً الأمر الذي يعني زيادة نسبتها 20% على إنتاجها العلمي في العام 1996، كما أنها تنتج سنوياً ما يزيد على 40 مليون كتاب.
يبقى هناك أمر مهم يبدو أنه كان غافلاً عن صانع القرار السياسي السعودي وهو أن النظرة الغربية- الأميركية فيما يخص المملكة ودورها في المنطقة والعالم تمر بمرحلة انقلاب جذري (من الإيجاب إلى السلب) بالتزامن مع تغير جذري آخر في تلك النظرة تجاه إيران أقله منذ توقيع اتفاق فيينا 14/7/2015 الذي نظر إليه الغرب على أنه قرار إيراني بالانخراط في المجتمع الدولي الذي يرسم (هذا الغرب) خطوطه وألوانه وزركشاته.
لم تستطع الوهابية السياسية أن تستقرئ المزاج الغربي الذاهب نحو مزيد من الليبرالية والمزيد من حرية الرأي والتعبير على الرغم من وجود نموذج صارخ على تماهي الغرب في ذلك المسار هو «إسرائيل» التي تفوق أهميتها (بنظر الغرب) أضعاف أهمية السعودية.
أخطر ما في السعودية الآن هو أن جيل الأحفاد الذي بات عملياً ممسكاً بزمام القرار في الرياض كما يبدو غير ملم بأسباب القوة وكيفية التعامل معها لجني مكاسب سياسية منها وهذا الجيل- يضيف المفكر محمد حسنين هيكل في مقابلة مع جريدة السفير 20/7/2015- هو اليوم في حالة صراع مع البرجوازية السعودية الناشئة في البلاد منذ فترة قصيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن