قضايا وآراء

إيران و«آل سعود».. لا حرب: هل من إستراتيجيةٍ جديدةٍ لأميركا في سورية؟

| فرنسا – فراس عزيز ديب

لم يكن «محمد بن سلمان» بحاجةٍ ليدلي بحديثه لصحيفة «الإيكونوميست»، لكي نعرف أن مملكة «آل سعود» لن تذهب للحرب المباشرة مع إيران. في المقلب الآخر، لم تكن إيران بحاجةٍ لتقديم اعتذار عما جرى حول سفارة «آل سعود» لنعرف أنها لا تسعى للحرب معهم. يمكننا القول إن هذه البديهية كانت واضحةً منذ العام الأخير في عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد، والنظرة العامة لما سميناه «ربيع الدم العربي»، والموقف من دخول قوات درع الجزيرة لتحتل البحرين، بمعنى آخر: ساحات الاشتباك لا تُعد ولا تُحصى، أما الاشتباك المباشر فهو خطٌّ أحمر.
كل من يتحدث أو يكتب دفاعاً عن هذا الطرف أو ذاك، جهدَ لإفهام ما تبقى له من جمهور القرَّاء أن ما أنجزته هذه الدولة أو تلك المشيخة بحربهما الكلامية هو انتصارٌ حقيقي، ويتناسى الجميع أن الخاسر الوحيد هو الأبرياء في هذه الأمة.
أنصار المقالات المسبقة الدفع والممولة من «البترودولار»، اعتبروا أن ما تفعله مملكة «آل سعود» هو دليل قوتها. قد تبدو وجهة النظر تلك مدعومةً بمجريات الواقع، فـ«آل سعود» احتلوا البحرين، ويخوضون حرباً مباشرة في اليمن، وغير مباشرة في سورية، دمروا البشر والحجر، ولم يمنعهم أحد، بل هناك من انتخبهم كممثلين للجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان في مجلس الأمن، حتى تقارير «هيومان رايتس» التي تحدثت عن استخدام «آل سعود» لسلاح أميركي في ارتكاب مجازر في اليمن مرَّ مرور الكرام، علماً أن استخدام سلاح كهذا غير ممكن من دون موافقةٍ أميركيةٍ. لكن دائماً مايغيب عن ذهن هؤلاء إجابتنا عن سؤالٍ أساسي:
إذاً، كيف ستمنعون الخطر الإيراني من التمدد، هل منع الخطر الإيراني هو فقط بتدمير اليمن والعراق وسورية؟
كذلك الأمر ومنذ مقتل المعارض النمر ومعه أربعون معارضاً آخر، حاول «آل سعود» التغطية على الجريمة، ليس بابتداع «مجاعة مضايا» فحسب، لكن بتعويم قيام داعش بتهديد «آل سعود» انتصاراً لإخوتهم الذين تم إعدامهم. أرادوا بصورةٍ غير مباشرةٍ تسويق فرضية أنهم أيضاً «ضحايا لداعش»، وليسوا «الوجه الأبيض لداعش». حاولوا أيضاً رفع العبء عنهم بادعاء أن من تم إعدامهم «داعشيون»، والدليل أن داعش توعدت بالرد، فهل سنشهد في القريب الآتي حدثاً أمنياً يهز مملكة العائلة؟
في الطرف الآخر، جهد الكتَّاب والمحللون للتوضيح أن إيران لن تنجر نحو استفزاز «آل سعود»، ولن تذهب للحرب. يستند هؤلاء إلى ظروفٍ موضوعيةٍ باتوا يكررونها بشكلٍ مملٍ بأن «آل سعود» في هذه اللحظات مفلسون، ولن نعطيهم الفرصة للخروج من عنق الزجاجة، لكنهم كذلك الأمر لم يجيبونا عن سؤالٍ أساسي: إذاً كيف سيسقط «آل سعود»؟
هل علينا مثلاً أن نصدق تنبؤات «نوري المالكي» بأن دماء النمر ستُسقط «آل سعود» كما أسقطت دماء «الصدر» نظام «صدام حسين». إذا كان المالكي تجاهل حقيقة أن «صدام حسين» كما «القذافي» سقطوا بحربٍ مباشرةٍ من الناتو أو من «قوى الاستكبار العالمي» كما يحب البعض أن يسميها، وليست بدماء أحد فإننا لا نستطيع أن نتجاهل بديهيةً أساسيةً: من سينتصر لدماء الملايين في هذه الأمة منذ سقوط فلسطين مروراً باحتلال العراق وتدمير ليبيا وسورية واليمن؟
في خطابه الأخير، كان كلام السيد حسن واضحاً بأن أهالي المنطقة الشرقية رفضوا عرضاً أميركياً بالاستقلال، لكن يبقى السؤال: لماذا تم الرفض؟
إذا كنا متفقين على أن «آل سعود» هم الشر المطلق في المنطقة، فلماذا رفض أبناء هذه المنطقة الانقسام، هذا الكلام يتطابق مع ما كنا نؤكده دائماً بأن قرار إسقاط «آل سعود» هو قرارٌ أميركي حصري، لا يستطيع أحد ادّعاء إمكانية القيام به، ثم إذا كان أبناء هذه المنطقة وما يعانونه من ظلمٍ واضطهادٍ قد رفضوا الانقسام، فهل تنتظرون من أبناء الداخل في الحجاز أن ينتفضوا على «آل سعود». قد لايكون الأمر هو قبولهم بحكم «آل سعود»، لكن الجميع بات يعي أن لا شيء اسمه ثورات عربية، حتى الدول التي تمتلك شعوباً بعيدة عن الفكر المتطرف وتستند إلى إرثٍ حضاري قوي باتت على شفير الهاوية مما يُسمى الربيع والثورات، فماذا عن مملكةٍ أقدم أثر في متاحفها هو «شاروخ الملك المؤسس»؟ إذاً على ماذا تستندون في فرضية أن «آل سعود» سينهارون من الداخل؟! هذا يعني أن الاشتباك الحقيقي بين إيران و«آل سعود» هو سورية واليمن والعراق، فهل حقاً أن ما جرى سينعكس على مسارات الحلول -إن وجدت-؟!
حقيقة الأمر أن الأميركيين وجدوا الخلاف المتصاعد فرصةً لجعله شمَّاعةً لاستباق إخفاق مفاوضات الحل السياسي في سورية. الجميع الآن بات يصارع لإنقاذ الاجتماع القادم في نهاية الشهر الجاري، تحديداً أن المعارضة السورية لم تنجز حتى الآن وفدها الذي سيتفاوض مع الحكومة السورية، حتى زيارة «ديمستورا» قد يُفهم منها محاولةً للتنسيق مع معارضة الداخل لإنجاز الوفد النهائي قبل تاريخ الاجتماع، فمن غير المنطقي أن نعتبر زيارة «ديمستورا» هي فقط ليستمع إلى تأكيداتٍ من وليد المعلم بأن سورية ستشارك في الاجتماع القادم، تحديداً أن الحكومة السورية أعلنت أنها جاهزةٌ للتعاطي مع أي مبادرة في إطار حماية السيادة السورية.
لا يبدو أن المشكلة فقط هي في وفد المعارضات غير المكتمل، لكن تبدو المشكلة أن الأتراك ومعهم «آل سعود» أفشلوا المؤتمر قبل أن ينعقد، ليس باستمرار سياسة دعم الإرهاب فحسب، لكن حتى في سياق التصريحات السياسية التي تصر على وضع شروطٍ مسبقةٍ لأي حلٍ قادم. هذا يعني أيضاً أن كل مقررات مجلس الأمن وفيينا، كما توقعنا باتت حبراً على ورق، لأنها مثلاً لم تمنع التركي من مواصلة تسهيل مرور الإرهابيين عبر الحدود، وإلا فما معنى أن يتم وقف العمل بدخول السوري بلا تأشيرةٍ جواً وبحراً، بينما يستمر العمل بها براً، من الذي يسيطر على المعابر البرية مع تركيا من الجانب السوري؟ هذا السؤال يجب أن يوجّه للأوروبيين الذين ابتزهم أردوغان بالمال بحجة وقف تدفق اللاجئين، ومن دون أن ننسى الحديث عن استمرار تدفق النفط السوري من داعش عبر كردستان، نحو الأراضي التركية. كذلك الأمر عاد «الجبير» في مؤتمره الصحفي الأخير ليؤكد أن مملكة العائلة ستواصل دعم الإرهاب بكل الوسائل حتى آخر ضحية سوري، لكن هل حقاً أن الأميركيين باتوا عاجزين لهذا الحد؟
في حديثه يوم أمس لإحدى الصحف اللبنانية، أكد قائد ميليشيا ما يُسمى وحدات «حماية الشعب» والتي هي مكونٌ أساسي لما يُسمى «قوات سورية الديمقراطية»، على أولوية الحرب ضد قوى الإرهاب التي ترفض الانفتاح والتعددية في المجتمع السوري، بل إنه ساوى بين «النصرة» و«داعش». حديثٌ يؤكد لنا فرضية أن الولايات المتحدة حاولت من خلال دعم هذه الميليشيا إصلاح جميع أخطائها وأخطاء حلفائها في تسويق فكرة «المعارضة المعتدلة». كلام قائد ميليشيا ما يسمى وحدات «حماية الشعب» كان أشبه بحديث بعض «الأكراد» في آذار 2011 بأن جلَّ مطالِبهم يتجسد بإعطاء الجنسية لبعض المكتومين، لتتطور هذه الأمور وتصبح بعض المناطق في الشمال الشرقي لسورية نواة «حكمٍ ذاتي». هم يحاولون بطريقةٍ ما اللعب على المفردات، إن كان لجهة وحدة سورية وغيرها، والاستمرار بكذبة إن هذه القوات تمثل «جميع مكونات الشعب السوري».
يبدو أن الولايات المتحدة لم تعد تريد استخدام هذه الميليشيا كشكلٍ من أشكال وجود «مربط فرس» دائمٍ لها في سورية؛ لكنها تريد إشهارها كسلاحٍ في وجه حلفائها، فالأتراك يعارضون بشكلٍ مطلق هذه الميليشيا، أما «آل سعود» فهم تجاهلوا حتى الجناح السياسي -إن جاز التعبير- لهذه الميليسشيا من مفاوضات تشكيل وفد المعارضة السورية. بذات الوقت حاولت الولايات المتحدة الغمز مجدداً من قناة الجيش السوري، فهل الولايات المتحدة باتت تحاول -كما قلنا منذ أسبوعين- اللحاق بركب حلٍّ ما قبل الدخول في معمعة الانتخابات؟
إن قيام الولايات المتحدة بالاعتراف ضمنياً بأهمية بقاء الجيش العربي السوري، هذا يعني فيما يعنيه أن هذا الجيش لم يعد اسمه «قوات الأسد»، اللافت في الأمر هنا أن التصريحات الأميركية جاءت متزامنةً مع ما تم تسريبه من وثيقةٍ للرؤية الأميركية للحل وما حُكي عن «رحيل الأسد في 2017». قد يُفهم من الحديث الأميركي عن الجيش العربي السوري وأنه ليس من أولوياتها توقيت رحيل الأسد كنوعٍ من تكذيب هذه الوثيقة قبل أن يقوم الروس بتكذيبها، لكن الأهم من ذلك هو ما صدر من ردٍ عن وزارة الخارجية السورية، بأن «رحيل الأسد سيكون وفق الرؤية السورية». هذه العبارة ليست رداً على كل التصريحات والتسريبات التي سبقتها، ربما هي رسالةٌ أيضاً لأطراف أخرى تظن أنها قادرةٌ أن «تمون» على القرار السوري. الرؤية السورية للحل واضحةٌ، هي بواقعيةٍ تامةٍ تتجاوز كل الأحداث في الشرق الملتهب، هي لا تنظر أبداً لما يمكننا تسميته «المهاترات» بين هذا وذاك، هي تتطلع لفرضيةٍ أساسيةٍ بأن الحل السياسي هو بالقضاء على الإرهاب. إذاً عودٌ على بدء، والاجتماع القادم بين الحكومة السورية و«المعارضات» «إن عُقد» لن يخرج عن إطار المجاملات والصور التذكارية، لنعود كما العادة ونصغي فقط للميدان، لكن جديد هذا الميدان هو مايريده الأميركيون تماماً من ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية»، فهل يقلب الأميركيون الطاولة على الأتراك و«آل سعود»؟.. لننتظر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن