قضايا وآراء

انتصار القوة الناعمة الروسية… وفشل التهديدات الأميركية…

د. قحطان السيوفي: 

 

تعتبر زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية (كيري) لروسيا واجتماعه مع الرئيس الروسي (بوتين) حدثاً سياسياً عالمياً لكونه جاء مع أول زيارة لمسؤول أميركي رفيع بعد توتر العلاقات بين موسكو وواشنطن منذ سنتين؛ عقب أزمة أوكرانيا ؛ حيث وصلت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة. وقد حفلت زيارة كيري بخطوات رمزية ؛ منها وصول لافروف لاستقبال كيري بسيارة بيضاء فاخرة من أحدث ما أنتجته المصانع الروسية وأسمها يعني (النصر) باللغة الروسية ولذلك دلالته الرمزية.
الواقع أن العلاقات الروسية الأميركية شهدت مداً وجزراً؛ مع بداية ولاية الرئيس أوباما الأولى، حيث أعلن أن أحد شعاراته الأساسية تحسين العلاقات الأميركية الروسية بعد تدهورها في عهد بوش الابن… ورغم توقيع اتفاقية (ستارت– 2) لتقليص الأسلحة الإستراتيجية الهجومية… إلا أن أوباما بدأ سياسات هجومية مماثلة لسياسات سلفه بوش الابن، وزاد من تدخلاته في دول أخرى على خلفية ما سمي (الربيع العربي)، بينما عارضت روسيا هذه السياسات … كما قامت روسيا والصين باستخدام حق النقض الفيتو، في مجلس الأمن، ضد قرارات تدعمها أميركا… واتهمت موسكو واشنطن بانتهاك اتفاقية الدرع الصاروخية، وتطوير أسلحة جديدة في إطار برنامج الضربة العالمية الخاطفة… ثم جاءت قضية رجل الاستخبارات الأميركية (ادوار سنودن)… الذي منحته روسيا حق اللجوء… وألغى أوباما زيارته لروسيا في حينه… بعدها جاءت أزمة أوكرانيا لتجعل العلاقات الأميركية – الروسية مماثلة لما كانت عليه في الحرب الباردة، وفرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات اقتصادية على روسيا… بالإضافة لتهديدات باستخدام القوة العسكرية، إلا أن الرد الروسي كان حازماً، وجاء الاستعراض العسكري الروسي الضخم في ذكرى هزيمة النازية بمنزلة رد حاسم على التهديدات الأميركية.
الواقع يشير إلى أن زيارة كيري واجتماعه مع الرئيس بوتين تعتبر إشارة واضحة إلى تعديل ما في موقف واشنطن حيث بحثت ملفات دولية وشرق أوسطية ساخنة منها سورية، اليمن، ليبيا، الملف النووي الإيراني… ترى ما الأسباب التي تقف وراء هذا التحول في الموقف الأميركي؟ التاريخ يشير إلى أنه سبق للإدارة الأميركية أن استخدمت أساليب مختلفة للضغط على الشعوب والدول؛ سواء باستخدام القوة الاقتصادية (العقوبات) أو القوة العسكرية (الصلبة) بالتهديد أم بالتدخل العسكري المباشر؛ بدءاً من كوبا إلى فيتنام… والعراق، أفغانستان ، إيران وسورية. وحتى لم تستثن روسيا بالعقوبات الاقتصادية… وقد أثبتت الوقائع إخفاق كل هذه الأساليب الأميركية العدوانية على الدول والشعوب… ويبدو أن أوباما اكتشف في ولايته الثانية عقم وفشل هذه الأساليب… وربما استفاد من حماقات وأخطاء الإدارات الأميركية السابقة.. لجعل أميركا تتعامل مع القضايا العالمية بأساليب أكثر واقعية، ومحاولة استخدام القوة (الناعمة) الدبلوماسية.
إن أهمية زيارة كيري لروسيا ذكرها هذا الأخير على صفحته بـ(تويتر) (أجرينا مناقشات صريحة بشأن مسائل أساسية إيران، سورية، أوكرانيا، وأكدنا إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة لمعالجة القضايا العالمية الملحة…) وقال كيري «إنه متفق مع نظيره الروسي على ضرورة محاربة الجماعات المتطرفة المختلفة مثل (تنظيم الدولة– داعش..) لأنها لا تهدد نظام الأسد وحده ، بل المنطقة بأسرها، وأضاف إنه اتفق مع لافروف على بحث الرؤى الملموسة ومواصلة الحوار في الأسابيع المقبلة». لافروف قال في ختام محادثاته مع كيري إن محادثاته مع كيري كانت (رائعة) وأضاف (تقارب المواقف بين موسكو وواشنطن حول سبل تسوية الأزمة السورية، وإن العملية السلمية يجب أن يقوم بها السوريون…) بالمقابل شجعت إدارة أوباما حكام السعودية على الوقوع في مستنقع الحرب على اليمن… كما هرول حكام دول الخليج للاجتماع لدى الرئيس أوباما في كامب ديفيد… وخفف أوباما من قلقهم وخوفهم وأعطاهم (حقنة طمأنة)، وتحول اجتماع القمة إلى ما يشبه (معرض بيع لشركات السلاح الأميركية) حيث وعدهم الرئيس أوباما بمنظومات دفاع متطورة تستنزف كماً كبيراً من فوائض أموال النفط.
لقد أثبتت زيارة كيري واجتماعاته مع القادة الروس في (سوتشي) فشل الأساليب الأميركية باستخدام القوة الاقتصادية (العقوبات)، وأيضاً القوة العسكرية (الصلبة)… وها هو الرئيس أوباما يجري صلحاً مع كوبا بعد ستة عقود من العقوبات الاقتصادية والتهديدات العسكرية… ويتجه ليوقع بعد أسابيع مع دول (5+1) الاتفاق النووي مع إيران، بعد خمسة وثلاثين عاماً من العقوبات الاقتصادية والضغوط العسكرية غير المجدية… ونتيجة لهذا الفشل والإحباط … يتراجع أوباما ليعيد مد الجسور مع القوة العظمى الأخرى في العالم (الاتحاد الروسي) ويرسل رئيس الدبلوماسية الأميركية إلى قادة الكريملين… وهذا اعتراف واضح بفشل السياسة الأميركية القائمة على الضغوط الاقتصادية والعسكرية… كما أنه انتصار واضح للدبلوماسية الروسية وقوتها الناعمة.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن