قضايا وآراء

اتفاق «الصخيرات» ومستقبل ليبيا

| صياح عزام 

ليبيا، هذا البلد العربي عانى الكثير ولا يزال يعاني من الفوضى وعدم الاستقرار والاقتتال منذ أن ضربته الرياح السوداء لما يسمى «الربيع العربي» حيث تدخلت دول حلف شمال الأطلسي فيه وقتلت رئيسه، وتركته ميداناً للميليشيات المسلحة المرتبطة بجهات دولية وإقليمية والتي تتقاتل على المكاسب، كل ذلك تم بموافقة وطلب من الجامعة العربية مع كل أسف بعد أن سيطرت عليها دول الخليج العربي ولاسيما قطر والسعودية.
مؤخراً، انطلقت جولات حوار ليبي في مدينة «الصخيرات» في المغرب بإشراف الأمم المتحدة في ظروف عسكرية ملتهبة أضحت ليبيا وسطها منقسمة بين سلطتين تدعي كل منهما الشرعية في حكم البلاد، ومرتعاً لنشاط الجماعات المسلحة والتهريب والهجرة السرية ما شكل خطراً على الدول المحيطة بها وعلى الدول المطلة على البحر المتوسط عموماً.
وبعد جولات من المفاوضات الصعبة، تمكن الفرقاء الليبيون المشاركون فيها من التوصل إلى عقد اتفاق مهم، يقضي بتشكيل حكومة وفاق وطني تدير مرحلة انتقالية يفترض أن تقود إلى تنظيم انتخابات تشريعية، وتوسيع تشكيلة المجلس الرئاسي بما في ذلك نقل الصلاحيات والمهام إليه في مختلف الشؤون المدنية والعسكرية.
وتنبع أهمية الاتفاق من عدة اعتبارات أهمها: سوء الأوضاع الليبية أمنياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وتداعياتها الإقليمية والدولية من حيث تنامي المخاطر الأمنية نتيجة لتسرب السلاح الليبي إلى العديد من الجماعات المسلحة التي انتعشت وسط البلاد، ثم حضور فعاليات رسمية ومدنية دولية وإقليمية فيه، وكذلك الإشراف الأممي على الاجتماع.
إضافة إلى ذلك، تكمن أهمية الاجتماع من خلال المضامين المهمة للاتفاق، لكونه يدعم وحدة الصف الليبي وبناء المؤسسات ولكونه يدعو إلى إنهاء مظاهر العنف والفوضى التي سادت في البلاد على امتداد أكثر من أربع سنوات، ثم الترحيب الليبي والدولي الكبير الذي قوبل به الاتفاق والتفاؤل بمنعكساته المنتظرة على استقرار البلاد والمنطقة بأسرها.
إن توقيع الاتفاق هو تتويج عملي لجهود ومبادرات بناءة لعبت دوراً مهماً في عقد اجتماع الصخيرات الذي قاد إلى هذا الاتفاق.
لا شك أن صعوبات وتحديات مختلفة ستواجه الاتفاق، ولهذا فهو يتطلب لإنجاحه وضع بنوده موضع التنفيذ، تعبئة داخلية، وتركيزاً على الأولويات المشتركة بين مختلف الأطراف الليبية، وتوفير المناخ الإقليمي والدولي اللازم في هذا الصدد.
جدير بالذكر، أن تعزيز الاستقرار في ليبيا هو رهان داخلي بالدرجة الأولى يتطلبه حجم التضحيات التي قدمها الليبيون خلال أكثر من أربع سنوات، حيث سيسمح الاستقرار بالبدء ببناء المؤسسات الدستورية والسياسية واستثمار الإمكانات المختلفة التي تزخر بها البلاد على طريق تحقيق التنمية المنتظرة، كما سينعكس هذا الاستقرار في ليبيا –إن تحقق- على استقرار المنطقة المغاربية بأسرها وبناء مغرب كبير مؤثر وآمن، إضافة إلى ذلك، تأمين محيط آمن لدول الضفة الشمالية من البحر المتوسط التي أصبحت تعاني من تزايد الهجرة القسرية نحوها بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في عدة بلدان إفريقية والدول التي ضربها ما يسمى الربيع العربي في المنطقة، وهشاشة الحماية العسكرية والأمنية للحدود الليبية براً وبحراً والتي حوّلت ليبيا إلى محج مفضل وإلى مستقر للإرهاب ومصدر له، وإلى طريق للهجرة نحو الضفة الشمالية للمتوسط. مازال هناك الكثير من التحديات والصعوبات التي تواجه الاتفاق، منها: غياب أجندة واضحة المعالم لتنفيذه ميدانياً، إذ إن بعض الفرقاء لم يوافقوا على بنوده بعد، ولكن ذلك لا يلغي الاتفاق، ولا يوقفه، وخاصة أن فعاليات سياسية ليبية ودولية وإقليمية متعددة تدعمه.
باختصار، يشكل اتفاق «الصخيرات» أرضية مهمة يفترض أن تعقبها مبادرات أخرى تدعم بناء المؤسسات وتحقيق الأمن الذي يطمح إليه الليبيون، والعمل لاستثمار الإمكانات المتاحة ما يحقق تنمية واعدة، وهو خيار يتطلب دعماً داخلياً يبدأ من جمع الأسلحة من أيدي الميليشيات المسلحة، ودمج هذه الفصائل في سلك الجيش والشرطة، وانخراط الجميع في مرحلة إعادة بناء ليبيا وتعزيز وحدة أراضيها، بعيداً عن أي حسابات ومصالح ضيقة وبعيداً عن التحريض والانقسام والتوترات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن