قضايا وآراء

خطوة واشنطن التالية.. هل تقتل الممكن بالمستحيل..!؟

| عبد السلام حجاب

يبدو مرجحاً أن المبعوث الأممي إلى سورية دي ميستورا، كان يدرك مقدار العراقيل والعقبات الكامنة خلف إعلانه للصحفيين بدبلوماسية ناعمة في مؤتمر صحفي مشترك قبل نحو شهر مع وزيري خارجية روسيا وأميركا بأنه انتقل من المستحيل إلى الممكن في ضوء صيغة فيينا وقراري مجلس الأمن 2253 و2254.
ومن تابع تطورات الأحداث وتداعياتها المتدحرجة نحو الانفجار يتبين له:
1- إن المستحيل فعل عجز سياسي وتخبط في أجندات افتراضية واهمة لا تخرج في مآلاتها عن انتعاش الإرهاب واتساع رقعة نيرانه التي أصبحت تهدد الجميع في المنطقة وخارجها؟.
2- إن الممكن يصطدم بما يتطلبه تنفيذ صيغة فيينا وقراري مجلس الأمن الدولي المشار اليهما من التزام مفترض يفقد أطراف حلف واشنطن مكاسب جيوسياسية بأدوات إرهابية جرى التخطيط لها.
ولعل قراءة للمشهد السياسي والميداني في سورية وما حولها تشي بأن إدارة الرئيس الأميركي أوباما تسعى بدبلوماسية مشبوهة وسياسة مزدوجة المعايير إلى قتل الممكن بالمستحيل عبر أطراف مثلث الإرهاب المؤلف من العثماني السفاح أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر، أملاً بتحقيق مكاسب جيوسياسية يمكن توظيفها حتى نهاية سنة الانتخابات على قاعدة أطلقها الجنرال الأميركي تومي فرانكس «دعهم يقتلوا بعضهم بعضاً» بما يصب في خدمة الإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية واحتياجاتها التي تركز على عدة نقاط بينها:
1- تجنب الصدام السياسي والعسكري المباشر مع موسكو وإسناد الأدوار القذرة إلى دول من «ناتو» كفرنسا وبريطانيا وتركيا، خضعت بسياساتها للأجندة الأميركية الفاشية ضد سورية والعراق واليمن وتتوجه حالياً للاستثمار في ليبيا بذريعة محاربة الإرهاب الذي عملت على إنشائه وتغذيته.
2- الرهان على تدحرج الأزمات وتسييس الإرهاب مع حرص على تحويلها إلى صراعات دائمة في المنطقة تقتل أي ممكن لا يلبي مصالحها كما تجعل المستحيل فرصة ثمينة لتحقيق أهداف بعيدة المدى أميركية وإسرائيلية في المنطقة وتصعيد المواقف ضد طهران نموذجاً وطغيان عدوان بني سعود على اليمن وتداعياته شاهداً!؟
3- السعي لتعطيل الالتزامات بصيغة فيينا وقرارات مجلس الأمن بتفريغها من مضامينها عبر محاولات تعطيل التوافقات الدولية بشأن لوائح تضم تنظيمات إرهابية تضاف إلى لوائح الإرهاب كتنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين وتجيير عدد من الملفات الخاصة بالأزمات الحالية، مثل الأزمة في سورية ومحاربة الإرهاب إلى مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية الأمر الذي نبه إليه الوزير الروسي لافروف بقوله: إن حل الأزمة في سورية منصوص عليه في قرار مجلس الأمن رقم 2254 وهذا الحل ليس رهناً بالانتخابات الأميركية: ومن المؤكد أنه ليس غريباً على السياسة الأميركية التراجع عن قرارات دولية أو تعطيلها ما دامت لا تصب في خدمة مصالحها الأمنية والإستراتيجية، وسجلها حافل!؟
4- محاولة استكمال تقرير «المحطة التالية» الذي أعدته مجموعة من السياسيين الضالعين بالمؤامرة على سورية بوثائق مسربة عبر الإعلام الأميركي ما يثير الريبة بشأن أداء دولة عظمى تعمد إلى تزوير الحقائق والعبث بدماء السوريين وحقوقهم الوطنية السيادية بأن تتلطى وراء ما يسمى وثائق تشكل دخاناً لطمس الحقائق لفرض أجندات إرهابية تلبي مصالح أطراف جعلت الإرهاب سياسة معتمدة ووسيلة لتنفيذ أحلامها الطوباوية!؟
5- خلق عوائق وعراقيل أمام النجاحات الميدانية الإستراتيجية بدعم سياسي وميداني روسي وإيراني ومن المقاومة اللبنانية للتقليل من تأثيراتها على الواقع السياسي المتدحرج باتجاهات لا تلبي حاجة الرهانات أمام قرارات مجلس الأمن وحق السوريين في تقرير مستقبلهم بقيادة سورية ومن دون أي تدخل خارجي وخيارهم الوطني في محاربة الإرهاب بكل مسمياته حتى دحره والقضاء عليه.
في ضوء ذلك يمكن القول إن أميركا وما تنتهجه سياسياً وعسكرياً عبر مثلث الإرهاب المعروف والموصوف على سورية والمنطقة، تفرش أمام المبعوث الأممي دي ميستورا ومهمته بإيجاد حل سياسي للأزمة في سورية، أرضية مشحونة بالعقبات والعراقيل الدامية لتشكل المسافة الفاصلة بين الممكن والمستحيل، وليصبح إعلانه عن بدء اجتماعات محتملة في 25 الشهر الجاري لتكون طاولة جنيف 3 حركة على صفيح ساخن لإغراق مهمته، وتفجير شياطينها الإرهابية التي تتربص بأي حل سياسي يقرره السوريون، لا يقبل مساومة أو عبثاً أو خضوعاً لشروط قوة مهما طغت وتجبرت!؟
ولعله لم يعد خافياً أن ما تبطنه إدارة أوباما بسياساتها مزدوجة المعايير مغاير لما تعلنه في الاجتماعات والتصريحات، باعتبار أن مشاريعها المثقلة بالفشل والارتباك جراء عدم توازنها مع منطق الواقع والوقائع السياسية والميدانية، أصبحت عبئاً يثقل كاهلها الانتخابي، يضع السياسة الأميركية في مواجهة الخيارات الصعبة وغير الأخلاقية للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية، ما يجعل اللجوء إلى خطوة قتل الممكن بالمستحيل، عبر تعطيل مقومات مهمة دي ميستورا ونقاط استنادها الدولية الرئيسية، أسوأ خيار تدفع أميركا باتجاهه لتحميل نتائجه وتداعياته السلبية إلى الرئاسة الأميركية القادمة.
إنه مهما يكن من خطوة واشنطن التالية، وما إذا كان المبعوث الدولي دي ميستورا سوف يرفع صوته في مواجهة ما يخطط له ولمهمته السياسية السلمية، فإن ذلك يتجاوب، كما نرى، مع موقف سورية المبدئي بالترحيب بأي جهد سياسي صادق ونزيه يضع في مقدمة أولوياته الالتزام بحقوق السوريين السيادية، وتمسكهم بحقهم الوطني المثبت بقرارات الشرعية الدولية في تقرير مستقبلهم السياسي والاجتماعي على قاعدة القضاء على الإرهاب والتصدي له بكل مسمياته وأشكاله الاقتصادية القسرية التي لا تزال الأطراف الأوروبية تستثمر فيه على حساب السوريين رغم صدور القرارات الدولية التي طالبت بمحاصرة الإرهاب والتعامل مع ما يسرقه الإرهابيون من نفط سوري وآثار كجريمة لا يمكن السكوت عنها.
وعليه فإن سورية، جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد تواصل تحمل مسؤوليات خيارها الوطني الشجاع في محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه بدعم سياسي وميداني للحلفاء والأصدقاء، ومن يقرأ في تفاصيل الإنجازات الإستراتيجية التي يحققها الجيش العربي السوري في ميادين مواجهة الإرهاب وتجلياتها السياسية والاجتماعية، يدرك أن حتمية الانتصار تتكشف معالمها يوماً إثر آخر، بل إن الانتصار الحاسم على مختلف جبهات المواجهة صار أقرب من حبل الوريد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن