قضايا وآراء

فتاوى المحيسني لواصق جيش الفتح

| عبد المنعم علي عيسى 

أطلق الإرهابي السعودي عبد اللـه المحيسني المسمى «قاضي عام جيش الفتح» دعوة هي في غاية الخطورة والشحن الطائفي وهي من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من الدماء والمزيد من المجازر، وهو إذ أطلقها كان يعبر عن عمق المأزق الذي باتت تعيشه الفصائل المتطرفة ومعها جيش الفتح وما فعله المحيسني لم يكن سوى رش الملح فوق جرح غائر وعميق وليس أكثر.
دعا المحيسني 3/1/2016 إلى «إبادة الفوعة وكفريا» «إذا لم يدخل الطعام إلى مضايا» القريبة من الزبداني، وهي دعوة ظاهرها يمكن أن يكون مبرراً في أوساطه أما باطنها فهو استسقاء للدماء بأقصى درجاته إذ لطالما كان القاصي والداني يعرف أن حركة أحرار الشام هي التي تتحمل المسؤولية الأولى عن حصار مضايا نتيجة ممانعتها لخروج المسلحين من البلدة كما يقضي الاتفاق الذي عرف باتفاق الزبداني- الفوعة (وهو يضم مضايا ضمناً) والذي بدئ بتنفيذه على الأرض منذ الأسبوع الأخير للعام المنصرم.
يتابع المحيسني دعوته واضعاً الآليات التي يرتئيها مناسبة لتحقيقها فيقول: «آن الأوان ليباد أهل الفوعة وكفريا بعشرات الاستشهاديين» طالباً من «أهل الحمية» وتجار السلاح التبرع بمبلغ مليون دولار تكفي لشراء 300 صاروخ نوع (فيل) وهي كافية لمحو البلدتين من الخريطة.
من المهم هنا أن نرصد المناخات التي جاءت عبرها دعوة المحيسني السابقة الذكر وفيها نلحظ العديد من المحطات الزلزالية التي مر- ولا يزال- بها جيش الفتح الذي يعتبر المحيسني الأب الروحي له والمعني الأول (معنوياً) بدوام حاله واستمراره، ومنها (من المحطات الزلزالية) إعلان ميليشيات جند الأقصى الانسحاب من جيش «المحيسني» 24/11/2015 وبعده بخمسة أسابيع فقط أعلن «فيلق الشام» انسحابه أيضاً من هذا الأخير 2/1/2016 ليضيف الفصيل السابق في بيان انسحابه أنه قرر تعليق مشاركته في المعارك الطاحنة التي يشهدها ريف حلب الجنوبي.
هذه الانسحابات لم تكن هي كل تلك المحطات المشار إليها فهناك العديد من الفصائل بدا وكأنه يسير في خيارات أخرى لا يريدها المحيسني كحركة أحرار الشام التي حضرت مؤتمر الرياض 9/12/2015 وفيه أصر لبيب نحاس على تحدي قيادة الحركة التي كانت قد أصدرت بياناً تعلن فيه انسحابها من المؤتمر، ليدير نحاس ظهره لكل ذلك وليكون أحد الموقعين على البيان الصادر عنه 10/12/2015 ومن السهل هنا أن نلاحظ أن المحيسني ليس راضياً عن أداء حركة أحرار الشام ليس بسبب مؤتمر الرياض فقط بل لأسباب أخرى إضافية فالحركة كانت أحد الموقعين على اتفاق الزبداني- الفوعة الذي تم تحت رعاية الأمم المتحدة وإشرافها، هذا بالإضافة إلى أنه لا بد أن يكون قلقاً وهو يرقب حالة الغليان التي تعيشها الحركة في هذه الآونة بينما الخوف هنا (خوف المحيسني) أن تفضي حالة الصراعات الداخلية ذات الطابع الانفجاري إلى حالة تصبح فيها فتاواه وصفات غير ناجعة لإخراجها من تلك الحالة ولذا من الممكن أن نلحظ في ثنايا الدعوة المخفية (وإن لم يكن هذا الأمر رئيسياً بل ثانوي) محاولة لإحراج أحرار الشام عبر دعوته التي ستؤدي إلى فشل الاتفاق، ما يمكن أن يؤثر في مستقبل الحركة السياسي التي تدل جميع تحركاتها على أنها ساعية إليه برجليها ويديها أيضاً.
بات المحيسني في حالة صراع مكشوفة مع لبيب نحاس وهي منازلة لم تنقض فصولها بعد ولا مقدر لها أن تنقضي بسرعة فلا الأول بوارد تغيير قناعاته أو مساره ولا الثاني بفاعل أيضاً حتى إنه (نحاس) ساع بقوة نحو إزاحة وتغييب (بمعنى اغتيال) المناهضين لمشروعه أو من يشكلون خطراً عليه ومن المؤكد أنه كان وراء عزل عبد الله الشامي رئيس الجناح السياسي في الحركة بعد ساعات قليلة من إطلاق المحيسني لدعوته وتكليف القائد العام للحركة أبو يحيى الحموي (اسمه مهند المصري) القيام بالإشراف على ذلك الجناح، الأمر الذي يمثل فرصة سانحة له للمضي قدماً في مشروعه الذي ظهر في «إعادة هيكلة» الحركة فالعديد من التقارير الصادرة من داخل الحركة يؤكد أن هذا الأخير (مهند المصري) واقع تحت تأثيره بشكل تام، أما عملية إعادة الهيكلة هنا فهي تعني بالنسبة إليه خلق تركيبة تتناسب مع مشروعه الذي بات مختلفاً تماماً عما خرج إليه العام 2012 عندما كانت الجيوب فارغة تماماً أما الآن فقد أضحت متخمة وبات بالإمكان مزاحمة كبار أصحاب رؤوس الأموال أو التجار والصناعيين بعيداً عن المغامرات العسكرية التي لا أحد يعلم كيف يمكن أن تنتهي.
ليس من الممكن أن يكون المحيسني قد قام باستشارة الحركة أو التنسيق معها قبيل إطلاق دعوته تلك فهو يدرك أنها لن تلقى آذاناً مصغية في هذه الظروف التي تمر بها هذه الأخيرة، بل إن من الممكن القول إن المحيسني يلحظ من بعيد انسحابها (أحرار الشام) المتدحرج من تحت جناحيه الأمر الذي يفسر محاولته في الالتفاف عليها عبر إحداث هزة عنيفة يمكن أن تؤدي إلى قلب المعادلات العسكرية القائمة بين فصائل المعارضة وهو ما يأمل أن تحققه دعواه كما يأمل أيضاً أن تؤدي هذه الأخيرة إلى تقوية اللاصق الجامع بين فصائل جيش الفتح الذي ما كان ممكناً له أن يوجد لولا ذلك التقارب السعودي التركي الحاصل منذ شباط 2015 على الساحة السورية إذ لطالما احتوى ذلك الجيش على فصائل هي غاية في التنافر العقائدي والأيديولوجي إضافة إلى التناقض البارز بين ارتباطاتها الإقليمية الناجم عن تفاوت المصلحة النفعية للدول الممولة التي تطفو بتأثيراتها على السطح وخصوصاً في المراحل المفصلية التي تمر بها تلك الفصائل، إذ ليس مقنعاً «مثلاً» ما جاء في بيان الانسحاب الذي أعلنه فيلق الشام 2/1/2016 بأنه «الانسحاب» قد حدث نظراً لأن جيش الفتح يحتوي بين جنباته على جبهة النصرة ذات الصلة بتنظيم القاعدة، وكذلك على حركة أحرار الشام الموسومة بالإرهاب في عرف الكثيرين، وكأني بفيلق الشام لم يكن يعرف عندما قرر الالتحاق بجيش الفتح منذ تأسيسه 24 آذار 2015 بأنه يضم كل هؤلاء بين جنباته!!.. أو لم يكن يعرف بصلات أغلبيتهم القاعدية.
ليس مقنعاً ذلك والمقنع أن الانسحاب قد جاء بناء على توصية اقليمية تقضي بوجوب الابتعاد عن المحرمات الدولية «تنظيم القاعدة» إذا ما أرادت «فيلق الشام» أن تحافظ على الدعم المقدم لها بعدما تبين- لدى الداعمين- أن الرياح الدولية تسير بتواتر تصاعدي باتجاه ربما يتوافق مع القرارات الدولية «تحديداً القرار 2253 الصادر قبل يوم واحد فقط من القرار 2254 وإن كان لم يحظ بالأضواء الكافية»، واذا ما أرادت أن تكون جزءاً من مفاوضات التسوية السياسية المفترضة التي يبدو أن المجتمع الدولي عازم على المضي قدماً في دفعها إلى الأمام ما لم تحدث هزة دولية كبرى تتناقض فيها مصالح الأميركان والروس على شاكلة ما حدث في الأزمة الأوكرانية التي اندلعت تشرين الأول 2013، وكانت هي التي حكمت على جنيف 2 «21/1/2014» بالفشل حتى قبل أن يبدأ، باختصار يمكن القول إن الرياح الدولية تسير الآن لمصلحة التسوية السورية، أما الرياح الإقليمية التي عكرتها الأزمة السياسية الحاصلة بين الرياض وطهران على خلفية إعلان الأولى قطع علاقاتها بالثانية 4/1/2016 فلا يبدو أنها ستكون ذات تأثير سلبي على تلك التسوية أقله كما يقول الطرفان حتى الآن إلا أن أحداً لا يعتقد أن ذلك التوتر لن يرخي بظلاله على ردهات جنيف ومنها ستنتقل إلى القاعات بعد أن يجلس المتفاوضون فيها على مقاعدهم بدءاً من 25/1/2016 فصاعداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن