الأولى

دي ميستورا بين جنيف وفيينا

| بيروت – محمد عبيد 

يوم زار المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا وفريق عمله للمرة الأولى سورية بعد تكليفه من الرئيس الدكتور بشار الأسد، فوجئوا بالمرونة التي أبداها الرئيس الأسد في مقاربته للمسعى الدولي في صياغة حل سياسي للأزمة في سورية ورغبته في حقن دماء السوريين ووقف آلة القتل والدمار التي أحاقت بهم نتيجة التدخلات الدولية والإقليمية المعادية.
لكن الرئيس الأسد وضع منذ هذه الزيارة معادلة وطنية ثابتة تشكل أساساً لأي حل سياسي مستقبلي مطروح وهي: الحوار السوري – السوري، وهو بذلك كان ومازال يؤكد عدم السماح لأي طرف إقليمي أو دولي معادٍ بالاستثمار في مسار هذا الحوار ونتائجه من جهة رسم مستقبل سورية ونظامها السياسي وتموضعها القومي والإستراتيجي خصوصاً فيما يعني موقعها كرأس حربة في محور المواجهة والمقاومة ضد العدو الإسرائيلي والمشاريع الأميركية في العالمين العربي والإسلامي.
في مقابل هذه المرونة التي ترجمتها القيادة السورية تسهيلات ميدانية لعمل فريق دي ميستورا على صعيد إيجاد حلول إنسانية تخفف آلام السوريين وتوفر دماءهم، حاول بعض الأطراف الإقليمية وفي مقدمها تركيا وقطر والسعودية تحوير مهمة المبعوث الدولي عند طرحه لفكرة تجميد القتال في مدينة حلب ومحيطها وذلك بوضع مجموعة شروط تؤدي في حال القبول بها إلى فرض وقائع ميدانية جديدة ليس أقلها تحويل هذا التجميد إلى وقف لإطلاق النار يُثبِت خطوط تماس دائمة ويُقسِم هذه المدينة والمناطق السورية الأخرى تباعاً إلى كانتونات متلاصقة، واحدة بيد السلطة الشرعية وأخرى تحت سلطة ونفوذ المجموعات الإرهابية المسلحة على أن تتعايش بفعل الواقع وحاجة الناس إلى تيسير أمورهم الحياتية والمعيشية. تجاوزت القيادة السورية هذا الفخ الذي كان كامناً في تفاصيل الاتصالات حول هذه الفكرة التي لم تقتصر على عواصم هذه الأطراف بل شملت أيضاً زيارات لدي ميستورا إلى معاقل قيادة ما يسمى «المعارضة المسلحة» في غازي عينتاب التركية وغيرها.
اعتقدت تلك الأطراف الإقليمية آنذاك ومن خلفها واشنطن وباريس أن ميزان القوة والسيطرة العسكرية يميل لمصلحة هذه المعارضة، فاندفعت أكثر باتجاه تثبيت هذا الاعتقاد سياسياً في اجتماعي جنيف عبر وضع خريطة طريق مرحلية تُلزِم القيادة السورية وحلفاءها بالتقيد بها وتمكنها من خطف القرار السوري تحت الضغط، في وقت كانت فيه إيران مستبعدة عن الاجتماعين إضافة إلى انشغالها بتسوية ملفها النووي، كذلك لم يكن قرار المشاركة الروسية في مواجهة الإرهاب في سورية قد نضج بعد.
لاشك أن عقل القيادة السورية البارد ورهانها التقليدي على الوقت الكفيل بإنضاج ظروف مختلفة طبعاً بناءً على ثباتها على مواقفها وصمودها مع شعبها وجيشها وحلفائها، كل ذلك مكّنها من استيعاب «مؤامرة» جنيف وتجاوزها والانتقال إلى فرض معطيات ميدانية نوعية أخرى من دون إسقاط مسار الحل السياسي والتجاوب معه، ولكن وفق توازنات دولية وإقليمية جديدة تم تكريسها من خلال نتائج اجتماعي فيينا وقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254 والتي باتت تشكل مجتمعة الأرضية المقبولة من دمشق وحلفائها كأساس للحل السياسي.
وعد دي ميستورا الأطراف المعنية كافة أن يقدم في السادس عشر من الشهر الجاري تصوره للقاءات الموعودة بين وفدي الحكومة السورية وما سيُصطلح على تسميتها «معارضة سياسية» كذلك قوائمه التي بناءً عليها تم تصنيف هذه المعارضة على أنها سياسية، وهو أمر لن يخلو من محاولات الكثيرين من الأطراف المعادية لسورية التدخل لتلغيم وفد المعارضة، إضافة إلى عودة بعض هذه الأطراف إلى المناداة باعتماد ما يسمونه مقررات جنيف1 وجنيف2 كأساسٍ لجدول أعمال جنيف3 في الخامس والعشرين من الجاري وليس باعتباره استكمالاً لتفاهمات فيينا.
نجح ستيفان دي ميستورا وفريق عمله حتى الآن في إدارة خطوط التواصل ولو بالوساطة بين سورية وحلفائها من جهة والمتدخلين المعادين لها من جهة أخرى وقد يكون الحفاظ على هذا التواصل والاكتفاء به حالياً إنجازاً بحد ذاته، لأن التضاد بين مقررات جنيف وتفاهمات فيينا وعدم إمكانية الجمع بينهما ستكون معضلته التي ربما لن يتمكن من النجاح في حلها في جنيف3 الذي يبدو انعقاده رهن مقابلة الإيجابية السورية بتسهيلات إقليمية ودولية ودونها حسابات تتعلق بموسكو وطهران وحزب الله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن