قضايا وآراء

داعش أولويات واشنطن القابلة للتغيير

| تحسين الحلبي 

إذا كانت المجموعات الإسلامية المتشددة الأفغانية قد انقلبت باسم «طالبان» ضد حليفها الأمريكي بعد تسلمها الحكم في كابول في نهاية الثمانينيات وأنتجت قاعدة مسلحة لمنظمة «القاعدة» التي قادها بن لادن فإن نظيرتها منظمة داعش وجبهة النصرة وأمثالهما تقوم الآن بشق طريق عملي نحو الانقلاب على كل دولة سمحت لنفسها بتقديم الدعم المالي والعسكري لها بدءاً من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وانتهاء بحلفائهم في الشرق الأوسط، وهذا ما تثبته العمليات الإرهابية التي جرى تنفيذها من داعش والقاعدة في فرنسا وأوروبا وأخيراً في اسطنبول، فبعد أن تكبدت مجموعات داعش خسائر بشرية وهزائم في سورية والعراق بشكل متسارع في الأشهر القليلة الماضية بدأت الآن تتجه إلى الجوار السوري والعراق في تركيا وقد تتجه نحو دول أخرى مجاورة لسورية ممن وفرت لها ممرات آمنة باتجاه سورية والعراق، فالولايات المتحدة اعتادت على وضع خطة متعددة المراحل تحكمها حسابات تتبدل فيها الأولويات وهذا ما حدث حين وافقت على التخلي عن الرئيس مبارك مقابل إعطاء فرصة توفر استلام الإخوان المسلمين للحكم في مصر ثم عادت وفضلت التوافق مع سقوط مرسي لمصلحة أولوية ثالثة.
وهذا ما فعلته من قبل مع صدام حسين حين وفرت له دعماً أميركياً وخليجياً لخوض حرب على طهران ثم عادت وتبنت سياسة (الاحتواء المزدوج) بعد توقف الحرب للمحافظة على إستراتيجيتها مع صدام وعلى تهديد طهران في الوقت نفسه إلى أن قررت التخلي عن صدام بسبب مصالح إستراتيجية هدفت إلى وضع العراق والمنطقة تحت السيطرة الأميركية، ولذلك يرى عدد من المحللين الأميركيين أن موجبات وعوامل التحالف الأميركي التركي كثيرة لكن هذا لا يعني ألا تتدخل بعض المصالح الأمريكية الإسرائيلية الأحادية وتدفع واشنطن إلى إعطائها أولوية تؤثر على المصالح التركية الأحادية المقابلة.
فحكومة أردوغان تدرك بموجب ما تذكره صحيفة نيويورك تايمز في 8 من الشهر الماضي أن واشنطن تهدف إلى تقسيم العراق وأن مقدمة هذا التقسيم يجب أن تبدأ بموجب الخطة الأميركية في شمال العراق بإنشاء دولة كردية مستقلة عن الاتحاد العراقي، كما تدرك حكومة أردوغان أن واشنطن تشجع دولاً أوروبية كثيرة على المشاركة في هذه الخطة وتبنيها ضمن إستراتيجية تفتيت وتجزئة معظم دول الشرق الأوسط إلى كيانات سياسية صغيرة على غرار إمارات الخليج الصغيرة.. وفيما يخص تركيا يكشف «ميشيل روبين» في آب الماضي في موقع «أميركان انتربرايز» للدراسات أن الغرب قسم معظم دول العالم لأنه وجد مصلحة إستراتيجية من هذا التقسيم وهذا ما جرى في يوغوسلافيا السابقة التي تحولت إلى ست دول وانقسام تشيكيا عن سلوفاكيا، والسودان ومشروع تقسيمها المستمر بعد انشطار دولة جنوب السودان.. ويضيف «روبين» أن تركيا ربما تكون الدولة المقبلة على التقسيم فهي تضم إتينات وطوائف ومذاهب إسلامية متنوعة إضافة إلى وجود سكان من المسيحيين.
وكان «روبين» نفسه قد نشر تحليلاً في 1/7/2014 في المجلة الأميركية الشهيرة واسعة الانتشار «كومينتري ماغازين» تحت عنوان: «أليس من المحتم تقسيم تركيا؟»، يطلب فيها تقسيم تركيا على غرار مخطط تقسيم كل دول المنطقة بما في ذلك السعودية نفسها.
ويشير بوضوح إلى أن واشنطن ستجد من مصلحتها إعادة تقسيم الدول المتحالفة معها أو الصديقة مثل السعودية وتركيا ومصر وليس الاكتفاء بتقسيم الدول المناهضة لسياستها مثل سورية وإيران فالكل بنظر الإستراتيجية الأميركية الجديدة قابل للتقسيم بموجب هذا العنوان.
ويؤكد روبين أن استعداد واشنطن لتنفيذ مخطط تقسيم السعودية إلى إمارات ودول صغيرة لن يستثني تركيا لأن تجربة بريطانيا في تقسيم دول الخليج عام 1971 وفرت لها استقراراً في علاقاتها مع هذه الدول حتى الآن، فهل تدرك أنقرة أن أولويات المصالح الأميركية قابلة للتغيير حتى مع الحلفاء؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن