قضايا وآراء

لن يغفر التاريخ لأوباما.. فماذا عنكم؟!!

| د. بسام أبو عبد الله 

تتساقط الأقنعة عن الوجوه الكالحة، المتآمرة على شعبها، وبلدها وتاريخها، وهويتها، وتغيب وجوه، وتظهر وجوه جديدة فيما يسمى (معارضة سورية)، إذ لم نعد نعرف، ونميز كيف ينتحل هؤلاء الصفة وينتزعونها، ومن يمنحهم إياها…. هل تاريخهم السياسي مثلاً، أم نفاقهم لعقود داخل النظام السياسي السوري، وتعبئة جيوبهم لسنوات طويلة، ثم فرارهم حيث البترودولار، وحيث الإمكانية لوجود قضية جديدة يمارسون من خلالها لغة النفاق، والدجل التي اعتادوا عليها لسنوات طويلة، ولكن هذه المرة باسم (الديمقراطية) و(الحريات) والدفاع عن حقوق الشعب، بعد أن كانوا في الصفوف الأولى باسم (التقدمية) و(المقاومة) و(الاشتراكية)..
لا غرابة في ذلك فمعادن الرجال تُكتشف في الملمات، والصعاب، والأزمات، وتاريخ أيٍّ من هؤلاء لا يذكرنا بالرجولة، وصفاتها إنما بالانتهازية، وخطاياها التي تُوصِلُ شخصيات إلى حيث لا يستحقون، وتاريخ الأمم والشعوب مملوء بمثل هذه الأنماط، والنماذج التي تسللت إلى مراكز السلطة المختلفة لتلعب أدواراً خبيثة، وقذرة في مراحل تاريخية حساسة على مبدأ «كلمة حق يراد بها باطل».
مناسبة هذه المقدمة، وهذا الحديث هو ما حملته الحرب على سورية من تبدلات، وتغيرات، وهروبٍ، وانشقاقات لشخصيات كانت في مرحلة ما تزايد على الجميع بالشعارات البراقة، ولكنها بالممارسة من أسوأ ما يكون- خذوا مثلاً: «عبد الحليم خدام، رياض حجاب، رياض نعسان آغا، مناف طلاس، وغيرهم كثيرون» كي لا يقال إننا نحصر الحديث بهؤلاء.. والطريف في الأمر أن أياً من هؤلاء، وغيرهم عندما كان يتنعم بالسلطة، ومزاياها لم يكن مستعداً للانتقاد، أو احترام الرأي الآخر، أو القبول بمعارضة لرأيه بل كان يمارس ديكتاتوريته على مقاسه، وفي موقعه وعندما يمتعض من شيء ما فإنه كان يُشير إليه من باب التنظير في أوقات الفراغ من دون أن يجد ذلك أي تغيير في ممارساته وأخلاقياته، أو انعكاساً على المجتمع، وطريقة التعاطي مع الناس.
وللأسف فإن هذه النماذج لا تزال موجودة، وفاعلة في نظامنا السياسي حتى تاريخه على الرغم من مضي خمس سنوات من الحرب العدوانية- الضارية على سورية، وشعبها، وهويتها، وجذورها، إذ لا يزال البعض يقيس ولاءه بحجم المزايا التي يحصل عليها، فإذا نقصت أو نزعت فإنه يتحول مباشرة إلى معارض من الطراز الأول، ولهذا فإن ما يسمى «المعارضة السورية» تحوي ما يمكن تسميته «صندوق القمامة» من فاسدين سابقين، إلى انتهازيين، إلى مذهبيين وحاقدين، وزعماء عصابات، ومهربين، ورجال أعمال، ورجال دين… إلخ، وللإنصاف تضم أيضاً شخصيات كرتونية، أو كاراكوزات تصلح لمسرح العرائس.
قد يقول قائل: إن هذه هي صناعتكم، وبضاعتكم فلماذا تنتقدون الناس على مواقفها عندما تتغير، فأنتم من علم هؤلاء لغة النفاق ومن كنتم تعجبون دائماً بهم، ولم تكونوا تحبون لغة النقد، ولا حتى المعارضة، وكنتم تعملون على استبعاد أي نفسٍ معارض حتى داخل حزب البعث الحاكم.. وللإجابة الموضوعية قد يبدو هذا الطرح صحيحاً ظاهرياً، ولكن قراءة دقيقة، وتحليلية لمؤتمرات حزب البعث تشير إلى وجود اتجاهات ناقدة، ومعارضة للعديد من السياسات التي قادها في مرحلة ما أولئك الذين هربوا في مرحلة ما، أو انتقلوا إلى صفوف المعارضة بعد أن كانوا يمنعون أي إمكانية إصلاحية تبدأ من الحزب نفسه، ومن ناحية أخرى فإن مجمل هذا الحديث يطرح مسألة حساسة ترتبط بالطريقة التي يتم بها اختيار الأشخاص، وبالآلية التي تتم محاسبتهم بها- قبل أن نكتشف أنهم انتهازيون- وساقطون أخلاقياً.
هنا من الطبيعي أن أي شخص يمكن أن يُبدل تصوراته، وقناعاته نتيجة الممارسة من ناحية، أو فشل النظرية خلال عملية التطبيق، ولكن ما لا أفهمه- ولا أستطيع تصوره مثلاً- أن تكون مسؤولاً بعثياً، أو ماركسياً، أو علمانياً في السابق فتتحول فجأة إلى داعية وهابي، أو مُنظِّرٍ إخواني، أو شيخٍ سلفي، وتبرر قتل الأبرياء، وجهاد النكاح، وشرب بول البعير، وسبي النساء، وإنشاء سوق للنخاسة، كما أنه لا يمكن فهم أن تكون ديمقراطياً وتعتقد للحظة ما أن سلمان بن عبد العزيز، أو محمد بن سلمان سوف يبنيها لك حجراً- حجراً، أو أن باراك أوباما، أو أي مسؤول أميركي هو جمعية خيرية لنشر القيم الإنسانية، ونصرة الشعوب المظلومة، والمضطهدة، والساعية لحريتها!!!!
لهذا فإن كلام «رياض حجاب» رئيس الهيئة العليا للتفاوض باسم «الوهابية، والإخوان»- والناطق باسمها «رياض نعسان آغا» [لا أدري إن كان انتقاء الاسمين جاء ليتناسب مع مكان الإقامة أي عاصمة السعودية (الرياض)] حول أن التاريخ لن يغفر للرئيس باراك أوباما تراجعه عن دعم هذه المعارضة، يوحي بحجم الهزيمة التي مُني بها هؤلاء، وحسرتهم على حظهم السيئ بعدم الحصول على ما كانوا يُمنون النفس به، أي قيام الولايات المتحدة الأميركية بجلبهم إلى الكراسي على متن طائرات أميركية خاصة ليبنوا لنا ديمقراطية على نمط ديمقراطية (حجاب، ونعسان آغا) وأمثالهم، ديمقراطية تقوم على الأمر الملكي السامي، وعلى إعدام شاعر على قصيدة، وحبس كاتب على مقالة، وقطع رأس معارض سلمي.
التاريخ أيها السادة لن يغفر لهؤلاء الانتهازيين، والساقطين أخلاقياً عهرهم السياسي، وأمراضهم النفسية، وخياراتهم الواهمة وجلوسهم في حضن الوهابية، والإخوان لينظروا علينا في كيفية بناء ديمقراطيات من خلال الحروب المذهبية، و«داعش» و«النصرة» و«جيش الإسلام، و«أشرار الشام» ومن خلال تحالفات سياسية مشبوهة، ومكشوفة تخدم في النهاية كيان الاحتلال الصهيوني، وأجنداته، وتصوراته عن المنطقة.
التاريخ سيكتب عن أوباما أنه رئيس للولايات المتحدة الأميركية عَمِلَ على تحقيق مصالح بلاده الاستراتيجية، ليُبقي أميركا قوة عظمى ضمن قوى أخرى في العالم، ولكنه سيكتب عن شخصيات سورية عديدة وكثيرة أنها خائنة، ومتآمرة وانتهازية، وهزيلة تحالفت مع أشباه الرجال ضد وطنها، وشعبها، وجيشها، وهويتها، وتاريخها، وأنها اخترعت نظرية سياسية جديدة تقول «خذوا الديمقراطية، ولو في الرياض!!!) وابنوا الديمقراطية عن طريق ثورة عفنة تقوم على كراهية، وبغض الآخر- أي آخر….. فهذا زمن ثورات برنارد هنري ليفي، واللبواني، والمحيسني، والقرضاوي، وأردوغان، وحجاب، ونعسان آغا، وصبرا… و…. و…
سيكتب التاريخ أن الثورة الحقيقية ستنبت من شقائق النعمان من أرض سورية، من دماء الشهداء، وآلام الجرحى، وقتال الأبطال، ومن فكر سوري مستنير، مرتبط بالأرض والجذور والتاريخ المشرف…. ثورة تحقق مصالح أغلبية السوريين، وآمالهم، وتطلعاتهم في حياة حرة، كريمة، مشرفة، وليس ثورة تُقسم سورية إلى طوائف، ومذاهب، وإلى عقارات ونسب مئوية، فالوطن أكبر منكم جميعاً إنها سورية أيها الحمقى…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن