قضايا وآراء

بين ترتيب عرش «آل سعود» وتسوية مبطنة للحرب على سورية: أميركـــــا والتعـــــامل مع الواقـــــــع

| فرنسا – فراس عزيز ديب 

بالأمس، وخلال تظاهرة للتنديد بما سموه «إطلاق سراح ميشيل سماحة»، قال أحد عاهات «السيادة والاستقلال»: إن أمر إطلاق سراح «ميشيل سماحة» جاء من «حافظ الأسد» و«علي مملوك».
أنصار «السيادة والاستقلال» في مجال، ولا نقول في بلد «القمامة الطائفية» -لبنان الحقيقي رسالة نحترمها- كادوا أن يكونوا نسياً منسياً، لكنهم منتشون حالياً بإعلان «آل سعود» بدء تطبيق الهبة المتعلقة بدعم الجيش اللبناني بالسلاح والعتاد الفرنسي، بشروط فرنسية قبل أن تكون «سعودية»: نحن من يقرر حاجة الجيش.
عندما لا يزال القائد الراحل قادراً أن يلعثم خطاباتهم ويبعثر مداركهم، فلماذا الاستغراب أن يصر أسيادهم في مشيخات النفط على «رحيل بشار الأسد»؟ هم يقرؤون المستقبل، والمثال واضح أمامنا: غيبوبة القيادي الآذاري امتدت لأكثر من 15 عاماً منذ رحيل «حافظ الأسد»، أما غيبوبة مشيخات النفط فلا نعلم كم ستبقى؟ لكننا ندرك تماماً أن الكابوس واحد.. «أسد».
في هذا السياق لم يكن مثيراً للاستغراب أن يعلن معهد واشنطن لشؤون الخليج نية ملك «آل سعود» التخلي عن العرش لمصلحة ابنه وزير الدفاع، وعزل ولي العهد الحالي «محمد بن نايف». الأمر كان متوقعاً بالأساس منذ تعيين الأمير الأرعن ولياً لولي العهد، أي إن الملك الحالي يعيش هذه الأيام مرحلة «شراء القرار» من المعارضين المحتملين داخل «آل سعود»، والاستفادة من الطريقة الأردنية بانتقال السلطة عمودياً من الأب للأبناء، كما فعل ملك شرقي نهر الأردن «الحسين» بعزل شقيقه «الحسن» وتعيين ابنه الملك الحالي، لكن هل سيمر قرار انتقال السلطة بسلاسة، أم إن صراعاً ما سيبدأ ليطيح بالأسرة الحاكمة؟
تجمع العديد من المصادر الأمنية الأوروبية أن «محمد بن نايف» هو من قام بتسريع عملية إعدام المعارض «نمر النمر»، بمعنى آخر، هو نوع من الصراع الخفي بين الأمراء، هذا لا يعني أن «ابن سلمان» كان سيفرج عنه، لكنه كان يعي أن قراراً كهذا في هذا التوقيت ليس في مصلحة ما يسعى له هو ووالده.
تبدو هذه المعلومات منطقية؛ «ابن نايف» أراد من قرار الإعدام تمرير الوقت، لأن وفاة الملك «المتهالك» -أو قتله- تعني حكماً ضياع طموحات «ابن سلمان»، هو يعي تماماً أن كل ما سيجري في قادمات الأيام داخل الطبقة الحاكمة لمملكة «آل سعود» سيتم برضا أميركي كامل، والأهم أن الأميركيين يسبقون «ابن نايف» بخطوة، بمعنى؛ هم يدركون أن تسلم «ابن سلمان» مقاليد الحكم سيبقى أهون من موت الملك وضياع حلم ولده، لأن الأمر عندها سيخرج من يد الجميع، فلماذا يسارع الأميركيون والأوروبيون إلى تطويق هذا السيناريو؟
قلنا في أكثر من مناسبة إن انفجار الوضع في المنطقة الشرقية -إن حدث- لا يعني أبداً انفجاراً على كامل تراب الحجاز المحتل، لأنه لن يلقى أي تعاطف لأسباب كثيرة، كما أن انفجار الوضع في المناطق الأخرى هو أمر مستبعد، فالشعب الحجازي مخدر بـ«البلاي ستيشن» ومناظر الخراب والدمار والتشرد في دول ربيع الدم العربي. تبقى الفرضية الأخيرة وهي تفجير الأسرة الحاكمة من الداخل.
هناك مَن يعتقد فعلياً أن هناك (عقلاء) في «آل سعود» وأنهم ضاقوا ذرعاً بما وصلت إليه الأمور، حتى منهم من يتحدث عن «ابن نايف» نفسه بأنه ينتمي لهذه الطبقة. ربما الأمر مجرد وهم، «نهج الملوك» لا يمكن أن يأتي بعاقل، «نهج الملوك» لن يأتينا إلا بمتعطش لمزيد من القتل والدمار، لذلك أياً كان الملك فالنتيجة واحدة. كذلك الأمر، لنخرِج من أذهاننا فرضية تخلي الأميركيين عن «آل سعود»، الأدق أن الأميركيين يحاولون الآن العودة إلى مشروع تم الحديث عنه منذ موت الملك «فهد» وترهل ورثة العرش، وهي إيجاد آلية سلمية لحل مشكلة (تجديد الدماء في الطبقة الحاكمة)، وهو ما يحدث بالتفصيل، لكن هل أن إعادة ترتيب البيت الداخلي لـ«آل سعود» هو جزء من ترتيبات على مستوى المنطقة والإقليم؟
شكل تاريخ 25 الشهر الجاري هاجساً لمصداقية الأمم المتحدة في عقد اجتماع جنيف بين الحكومة السورية وما تيسر من معارضات، أرادوا إظهار احترام لقرار مجلس الأمن 2254 المتعلق بالحل السياسي الذي نص حرفياً على عقد الاجتماع قبل نهاية الشهر، لكن لم يسألوا أنفسهم، ترى هل تم احترام باقي بنود القرار حتى نبحث عن احترام تاريخ عقد الاجتماع؟ هل توقفت تركيا ومشيخات النفط مثلاً عن دعم وتمويل الجماعات الإرهابية، حتى ملك «شرقي نهر الأردن» أتحفنا بأن اجتماعات جنيف ستفضي إلى رحيل الأسد، أي إنه أنهى مهام التسول المعتادة في أميركا ولم يعد لديه إلا مشكلة «رحيل الأسد»، ثم هل توقفت «إسرائيل الشمال» عن تسهيل عبور النفط السوري المسروق إلى سلطة أردوغان كما نص القرار 2253؟ كل هذا لم يتحقق، فهل من مخارج مقنعة لهذا المأزق السياسي تم الاتفاق عليها ضمنياً بين الروس والأميركيين بمعزل عن الاجتماعات والتصريحات السياسية سواء عقد جنيف أم لم ينعقد؟
يرى الروس أن قدوم المعارضة بوفد الرياض لن ينتج حواراً حقيقياً وسط تغييب قطاع واسع من المعارضة السورية، والسماح بولوج قادة تنظيمات إرهابية للحوار، كما أن ضم شخصيات كـ«هيثم مناع» و«قدري جميل» أمر لا بد أن يحدث لأنه يغطي طيفاً واسعاً من المعارضة السورية «وليس الشعب السوري؛ هناك فرق».
على هذا الأساس قام «هيثم مناع» برفع السقف كثيراً خلال حديثه الأخير لإحدى المحطات الإخبارية، هو يدرك تماماً أن هناك صراعاً لقوى المعارضة لاختيار رئيس الوزراء، على اعتبار أنهم يمنون النفس بأن يفضي الحوار إلى تشكيل هيئة انتقالية أو حكومة بكامل الصلاحيات. يرى المناع أن فرص «قدري جميل» معدومة كونه «روسي الهوى» ولن تقبل به باقي الدول، أما المناع فهو إضافة إلى كونه سيحوز على الرضا الفرنسي وإقناع «آل سعود» به فهو يقدم نفسه كوسطي. لكن المحاولة بالتأكيد فاشلة لأنه لم يدرك بعد العقلية القبلية التي يتعاطى بها «آل سعود»، هم كانوا يصفون «الجربا» بـ«السيد الرئيس»، ومع ذلك لم يستطع في النهاية أن يكون أكثر من مجرد رقم في عداد المعارضين السوريين، ألم يتعظ هؤلاء من الذين سبقهم في رئاسة «الهيئات المعارضة وما أكثرها»؟ أما الحديث عن تحديد الجماعات الإرهابية فهو أكثر تعقيداً، فالروس يصرون على مواقفهم تحديداً من «جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، تلك الحركة كان آخر إنجازاتها «المعتدلة» قيام هيئتها الشرعية بجلد مواطن في حلب أمام المارة بتهمة «البيع والشراء وقت الصلاة يوم الجمعة»، فإلى أين نتجه؟
لكي نفهم أين نتجه، علينا أن نعود بالذاكرة إلى الفيتو (الروسي الصيني) الأول في مجلس الأمن، يومها علم الجميع أن الفيتو (الروسي الصيني) كان متوقعاً من الولايات المتحدة الأميركية، أكثر من ذلك هي كانت تجزم بأن الروس لن يسمحوا بتمرير أي قرار، لكن الولايات المتحدة كسبت أمراً مهماً أمام حلفائها بأنها دعمت مشروعهم. في الإسقاط نفسها، يبدو أن الأميركيين يعلمون تماماً أن الروس لن يقبلوا أبداً بأي تنظيمات إرهابية في المفاوضات، ولن يقبلوا كذلك الأمر باختصار الاجتماع على المعارضة التي تريدها «آل سعود»، ولن يقبلوا -بعد كل هذا الحضور العسكري- إلا بما تقبل به القيادة السورية الممثلة للشعب. قد يكون الأمر تكتيكاً أميركياً جديداً يرضي الحلفاء من جهة ببيعهم المواقف، ويمتص الروس من جهة أخرى، وفي النهاية ليحكمنا الميدان، تحديداً أن ما تم نشره عن نص الاتفاقية العسكرية (السورية الروسية) يعني بأن قرار التحالف العسكري سيذهب بعيداً. أما على المستوى السياسي، فقد يجدون البديل بحكومة وحدة وطنية موسعة تضم أطيافاً من معارضة الداخل ومن يقبل من معارضة الخارج، بحيث يتم العمل على الاتجاهين في آن معاً حتى تحرير كامل التراب السوري، أما من لا يرد اللحاق بركب هذه التسوية «المبطنة»، ولا يدرك حتى الآن حجم ما يتم تحقيقه من إنجازات على الأرض، فإن الولايات المتحدة ستطبق بحقهم الحكمة القائلة:
لكي تتخلص من الكلب، عليك أن تتهمه بالسعار… فهل هناك من يشك عندما نقول: علينا فقط أن نصغي للميدان؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن