قضايا وآراء

على بعد أسبوع من جنيف3

| عبد المنعم علي عيسى

استدعى الوصول إلى نقطة التلاقي الحاصلة في الأزمة السورية الآن المرور من محطات عديدة كان الظاهر منها (جنيف1) 30/6/2012 و(جنيف2) 21/1/2014 و(فيينا1) 30/10/2015 ثم (فيينا2) 14/11/2015 كما كانت السمة الأبرز لتلك المحطات تتمثل في صمود الصخور الروسية في مواجهة أمواج الغرب المتلاطمة والعاتية في آن، كان السلوك الأميركي على مدار ما يقرب من خمس سنوات يقول إن واشنطن لا ترى أنها في عجلة من أمرها بمعنى «دع الآخرين يستوون في مرقهم» العبارة الشهيرة لهنري كيسنجر في تعاطيه مع دمشق، إلا أن ذلك لم يكن بلا نهاية فها هي واشنطن اليوم تبدو الأكثر استعجالاً لانعقاد الجنيف السوري حتى إن صدرها لم يكن ليتسع لأي طروحات تحمل بين طياتها مطالب بتأجيل الموعد الذي تم الإعلان عنه منذ الإعلان عن انتهاء أعمال (فيينا2).
لا نذيع سراً إذا ما قلنا إن الأزمة السورية قد باتت رهينة توازنات دولية وأخرى إقليمية الأمر الذي يفترض ضمناً أن تكون الحلول السياسية- الواقعية- لها متناغمة إلى حد كبير مع تلك التوازنات لا تبعد عنها في موقع حتى تقترب منها في آخر، ولذا فإن محاولات القفز فوق هذا المعطى المهم إنما ينم عن سذاجة سياسية أو صراعات دونكيشوتية لا تغني ولا تثمر.
تبدّت منذ مطلع شهر كانون الأول المنصرم علامات تشير إلى حالة من التقارب الروسي- الأميركي في الملف السوري لم تكن مسبوقة وقد وضعت اللمسات الأخيرة على إخراجها في الزيارة التي قام بها جون كيري إلى موسكو ولقائه الرئيس الروسي 15/12/2015، فيما بعد يمكن لنا لحظ الكثير من التراجم التي خلفتها تلك الحالة فها هو فلاديمير بوتين يعلن من مؤتمره السنوي 17/12/2015 أنه يؤيد المبادرة الأميركية بما فيها الاقتراح الأميركي الذي يقول بوجوب إعداد مشروع دولي حول سورية، ثم جاء «تطابق» نيويورك 18/12/2015 مفسحاً المجال أمام استصدار القرار 2254 (الصادر في 18 كانون الأول 2015) وهو القرار الذي أريد له أن يَجُبّ ما قبله من قرارات ليكون منصة يمكن الانطلاق منها للبحث في حلول توافقية تؤدي إلى تسوية سياسية للأزمة السورية.
حالة التوافق الأميركية- الروسية سابقة الذكر أنتجت نزعاً للعديد من الصواعق التي كان يمكن لها أن تؤدي إلى التفجير قبل أن تبدأ المفاوضات من نوع «بقاء الرئيس الأسد أو تنحيه» أو «شكل الحكم القائم في البلاد» ولذا فإن طرح هذه النقاط (إذا ما طرحت) على طاولة المفاوضات لا يعدو أن يكون أمراً شكلياً لا يؤخر ولا يقدم من حيث النتيجة وهو أمر تؤكده تصريحات المنسق العام لهيئة التفاوض العليا الخاصة بالمعارضة السورية بعد مؤتمر الرياض 9/12/2015 عندما قال: «إن أميركا قد تراجعت في سورية لإرضاء روسيا ولسوف يحاسب التاريخ باراك أوباما على ذلك 12/1/2016» بمعنى أن المعارضة السورية قد تبلغت الموقف الأميركي الجديد فيما يخص الرئيس الأسد رسمياً وعليها أن تتصرف على أساس هذه المستجدات.
في مقابل حالة التوافق الدولية هناك اليوم حالة اشتباك إقليمية حادة صعدت من وتيرتها الأزمة الدبلوماسية الحاصلة بين الرياض وطهران على خلفية إعلان الأولى قطع علاقاتها مع الثانية 4/1/2016 هذه الحالة سوف تكون لها تأثيرات سلبية عديدة على التسوية السورية على الرغم من أن الطرفين كانا قد أعلنا أنهما لن يسمحا لأزمتهما أن تؤثر في المفاوضات السورية، فالأمر ليس بسيطاً إلى هذه الدرجة ثم إن الأزمة السعودية- الإيرانية لها العديد من القنوات التي يمكن أن تنفذ إليها لتصل تداعياتها بأثر رجعي أو عبر قنوات أخرى فتعود عاملاً مؤثراً في تلك المفاوضات، أما ما يمكن أن يخفف من حدة القلق المتولد جراء هذه الأزمة فهو أن هذا التوتر بين الرياض وطهران ليس جديداً ولربما بدأت المواجهة الحقيقية منذ 26 آذار 2015 أما اللبنات الأولى للتوتر السعودي- الإيراني فقد كانت مع إعلان صدام حسين الحرب على طهران أيلول 1980 بدعم وتشجيع وتحريض سعودي بالدرجة الأولى، إلا أن الجديد في المواجهة الحاصلة بين البلدين الآن هو أنها تحدث للمرة الأولى التي يكون تراصف الغرب فيها (+ أميركا) أقرب إلى طهران منه إلى الرياض كما لم يكن في يوم من الأيام السابقة.
نحن اليوم على بعد عشرة أيام من جنيف3 وعشية انطلاق تلك المفاوضات يمكن لنا اختصار المشهد السياسي المحيط بالأزمة السورية على الشكل التالي:
من المؤكد القول إن التقديرات الدولية (الأميركية- والغربية تحديداً) لمآلات الصراع القائم في سورية (أي ما يمكن أن يؤدي إليه) قد تغيرت كما تغير أيضاً التصور الأميركي عن شكل الدولة السورية للمرحلة المقبلة، أما ما لم يتغير فعلاً فهو التقديرات السياسية العربية لتلك المآلات أو التصورات الأمر الذي يعزى إلى تعامي هؤلاء عن لحظ التطورات الحاصلة في الميادين الثلاثة: الداخلي والإقليمي والدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن