قضايا وآراء

«المزاج الأميركي الجديد»… يزعج بني سعود

| عبد المنعم علي عيسى

عندما تمّ الإعلان عن فشل الاجتماع الذي عقده ممثلو الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن 13/1/2016 في التوصل إلى اتفاق يقلع به جنيف السوري في موعده المقرر، لم يكن ذلك الفشل ثانوياً ولا عرضياً بل إنه يحمل الكثير من الدلالات والكثير من المؤشرات وخصوصاً أن نقاط الخلاف ما بين المعسكرين لا تزال قائمة على الرغم من أن بعضها قد تمت حلحلته في غضون الأسبوع الفائت.
أن يذكر الموعد الذي ستنطلق فيه مفاوضات التسوية السورية في القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن 18/12/2015 فذاك أمر غير عادي وهو يهدف إلى اعتبار هذا الأخير (الموعد المحدد) جزءاً لا يتجزأ عن باقي البنود التي جاء بها القرار، وبالتالي فإن الالتزام به هو إحدى الخطوات العملية لتنفيذه، إلا أن السؤال المهم هنا هو: إذا كان حجم الاختلاف الذي ظهر مؤخراً كبيراً إلى هذه الدرجة فلماذا ذهب الجميع إلى تحديد 25/1/2016 موعداً للبدء في مفاوضات التسوية السورية؟ الأرجح أن واشنطن هي التي كانت تقف وراء هذا الأمر فهي ترى أن المزيد من الانتظار يعني –كما يشير سياق العمليات العسكرية- المزيد من تساقط الأوراق الرابحة بعدما تأكد أن الجيش السوري (وحلفاءه) قد استطاعوا تغيير السمة التي كانت تميز العمليات العسكرية (الكرّ والفرّ) لتصبح ذات اتجاه واحد هو للأمام دونما خط رجعة وعلى جميع الجبهات دفعة واحدة.
أن نكون على مرمى أسبوع واحد فقط من الموعد المحدد لجنيف السوري وفي الأفق كل هذه النقاط الخلافية المعلن منها والمستتر فهذا أمر غير عادي بالتأكيد، ومن المهم هنا تحديد إذا ما كان هذا الأمر يندرج في إطار التصلب الذي يمارسه المتفاوضون في ربع الساعة الأخير الذي تتهاوى بعده حدود هذا الأخير، أم إن وراء الأكمة الأميركية ما وراءها؟
الآن تتضح وبما لا يقبل الشك المرامي التي هدف مؤتمر الرياض (9+10/12/2015) إليها بدءاً من التفاف استباقي على لوائح الإرهاب الأردنية التي لم يتم الإعلان عنها بعد ما يشير إلى عمليات شدّ وتراخ لم تنته ولا مقدراً لها أن تفعل عما قريب، وصولاً إلى فرض سياسة الأمر الواقع بجعل مؤتمر الرياض جعبة السهام الوحيدة التي تحتوي على ما ستتزود به المعارضة السورية عشية ذهابها إلى جنيف عندما تم الإعلان عن الهيئة العليا للمفاوضات التي انبثقت عن مؤتمر الرياض 10/12/2015 كان السعوديون يدركون بالتأكيد أن تلك التركيبة سوف تلقى اعتراضات كبيرة داخلية من شرائح واسعة من المعارضة التي تجاهلها المؤتمر وخارجية من الروس والإيرانيين كحد أدنى ومع ذلك ذهبت الرياض في منحاها ذاك إلى نهاياته في رهان ينصب على الدعم الأميركي الذي يمكن أن يكون حاسماً إذا ما ظلت المواقف الأميركية على ما هي الآن وهو أمر لا يبدو مرجحاً فـ(وفد الرياض) تجاهل في تركيبته شرائح واسعة من المعارضة السورية لعل في الذروة منها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (صالح مسلم) على اعتبار أن هذا الأخير يملك ذراعاً عسكرياً تمثله وحدات حماية الشعب الكردية، وهذا التجاهل تحديداً ما كان له أن يحدث لولا ضوء أخضر أميركي واسع الطيف انطلاقاً من أن واشنطن تمسك بزمام الورقة الكردية من طرفيها ووسطها أيضاً بمعنى أن الخيار الكردي سوف يكون مع ما تذهب إليه واشنطن التي عمدت إلى إبلاغ القيادات الكردية بأن الغياب الكردي سوف يكون فقط في الجلسات الافتتاحية (الشكلية) في حين إنهم سيكونون حاضرين في المراحل اللاحقة، وهو ما يمثل تضحية أميركية بالحليف الكردي الذي ما انفكت واشنطن تعلن بأنه كان طرفاً فاعلاً وقوياً في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، والغريب ألا تكون هناك ذريعة غير تلك التي تم إبلاغ الأكراد بها (شكلية الجلسة الافتتاحية) فحتى ولو كان هذا الأمر صحيحاً وهو ليس كذلك تماماً وحتى ولو كانت واشنطن ترى في تلك الجلسة شكلية أو هوليودية فلماذا أو ما المانع من حضور الأكراد أقله لإعطائهم فرصة الظهور وسط الأضواء وبالتالي المنافسة إذا ما كان فيهم نجوم تستحق أن تأخذ فرصتها.
حتى اللحظة 18/1/2016 لا تزال المواقف في تمثيل المعارضة السورية على حالها وهي تقوم على إصرار أميركي سعودي بوجوب أن يكون وفد الرياض هو الممثل الوحيد الذي يجب أن يحضر جنيف في حين نرى أن موسكو كانت قد عرضت أفكاراً أخرى تتجاوز في تركيبتها وفد الرياض كأن تكون طاولة جنيف السورية ثلاثية الأضلاع بمعنى أن يكون هناك وفدان للمعارضة السورية أحدهما المدعوم سعودياً والثاني دون أو أن يتم تطعيم وفد الرياض بأسماء من خارجه وهو ما تأكد أن واشنطن لربما تكون قريبة من هذا الطرح بعدما تأكدت لقاءات (مايكل رتني) المبعوث الأميركي إلى سورية مع معارضين سوريين في باريس وجنيف على مدار الأيام القليلة الماضية، على الرغم من أن أمراً كهذا (تطعيم وفد الرياض) سوف تكون له من المحاذير أكثر بكثير من الإيجابيات وهو سيفضي إلى مزيد من المآزق أكثر مما يحل منها نظراً لحجم التباعد الهائل فيما بين (أهل الدار) وبين (الدخيلين) عليها.
اليوم يبدو الموقف الروسي أكثر صلابة بما لا يقاس بما كان عليه في المرحلة التي سبقت انعقاد جنيف 2 (21/1/2014) عندما أبدت موسكو مرونة عالية جداً أتاحت للأميركان التفرد في اختيار وفد المعارضة الذي جاء كله من الائتلافيين، كان ذلك تحت ضغط سياسي هائل كانت تتعرض له موسكو جراء الأزمة الأوكرانية التي كانت قد اندلعت تشرين الأول 2013.
أما الآن فإنها (موسكو) ليست بوارد الدخول في مقايضات مشابهة ليس بسبب هدوء الجبهة الأوكرانية فحسب بلا لأنها لا يمكن أن تفرط بكل هذا الجهد الذي بذلته منذ بدء عاصفة السوخوي 30/9/3015 لتترك لواشنطن قطف ثماره، هذا إضافة إلى أن مرونة جنيف 2 لا تبدو اليوم واقعية على الإطلاق فالانخراط العسكري الروسي في سورية يمنح موسكو مزيداً من خيوط اللعبة السياسية إذ لطالما كانت القوة العسكرية الراجحة والتي تملك القدرة على تغيير وجهة الأحداث تملك القدرة أيضاً على فتح الأقنية السياسية العديدة بما يتناسب مع القدرات السابقة.
من الواضح أن واشنطن هي من يسمك بالقرار السياسي وهي إلى اليوم تتلطى وراء التصلب السعودي لابتزاز موسكو إذ إن من المعروف أن كل ذاك التصلب لا يحتاج إلى أكثر من «غمزة» أميركية لتحيله مرناً كما هو آح البيض، واليوم نحن على مرمى يوم واحد من لقاء زيورخ الذي سيجمع لافروف مع كيري (غداً) وفيه سيكون صانع القرار السياسي الأميركي حاملاً في ذهنيته المستجدات الأخيرة في العلاقة مع طهران والتي مرت خلال اليومين الماضيين بمنعطف لا يقل أهمية ربما عن اتفاق فيينا 14/7/2015 فأن تذهب واشنطن إلى الطلب من طهران لإطلاق صفقة تبادل للأسرى (وهي الصفقة التي تمت في 16/1/2016 فذاك أمر له العديد من الدلالات والعديد من المؤشرات التي تدركها الرياض وهو ما يفسر كل هذا السعار الذي ظهرت عليه الدبلوماسية السعودية خلال الـ«48» ساعة الماضية فهي تدرك أن الحظر الذي رفعته واشنطن 17/1/2016 عن السجاد والكافيار الإيرانيين سيعني «أرضية» جديدة و«مزاجاً» جديداً أميركيين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن