اقتصاد

لنتحدث بصراحة عن الجمارك والتجار والتموين!

علي هاشم:

رجال أعمال.. تجار.. باعة.. ومؤخراً مجالس مدن!!.. جميعاً كان لهم ما يتهمون به عمل الجمارك خلال الأيام الأخيرة.
بالطبع، لا أحد من هؤلاء يتبنى عمليات التهريب التي تنقلب سلعاً متراكمة في أسواقنا.. الجميع ضدها، هم مستاؤون فقط من «بريستيج» عناصر مكتب «الجمارك السري» مع مروجي التهريب في الأسواق، وفي مقدمه منعهم من استخدام موبايلاتهم لإجراء اتصالات «مع من؟» ساعة ضبطهم؟!.
العام الماضي، فضح اتحاد غرف التجارة علاقات فاسدة تجمع منتسبيه ببعض ضابطة جمارك الحدود!.. استلزم الأمر تفاعلا إيجابياً دفع إدارة الجمارك لتسيير دورياتها على الطرقات العامة علها تضبط ما لا يمكن ضبطه على حدود منفلتة في معظمها.. تجاوب «طاقم الدفاع عن التهريب» سريعا عبر انتقاد لاذع لتفتيش الشاحنات بدعوى تعطيل تدفق السلع وترتيب كلف إضافية على الأسواق، فعادت الجمارك خطوة أخرى للوراء وذهبت إلى تتبع المهرّبات لدى «الحلقة الأخيرة» حيث كوى بيعها للمستهلكين.. وكما المتوقع، قامت الدنيا على رأسها، ولم تقعد!!
الملخص المقتضب آنفا، يثير «الغيرة الاقتصادية» بالفعل، فما يحظى به التهريب من أصدقاء أقوياء على أهبة الاستعداد للدفاع عنه كجبهة متراصة، قلما يحصل عليها نشاط اقتصادي آخر.. وعلى غرابة الأمر، ثمة تساؤل جانبي حيال الأسباب التي أبقت السلطات التموينية خارج دائرة الاتهام متظلله بتربيت التجار على كتفها، رغم تقاطع عملها -بشكل أو بآخر- مع عمل الجمارك في مكافحة التهريب ضمن أسواقنا!!
التقاطع بين كلا الطرفين له أوجه عدة، أبرزها: الفواتير، التي تشكل مراقبتها صلب نشاط الضابطة التموينية (المفترض) في تحديد هوامش الربح تجسيدا لسياسة التسعير الإداري!!.. إحجامها عن القيام بعملها هذا، يثير التساؤل حول النجاح الكبير لهذه الضابطة في عدم ملاحظة أكداس المهربات فوق رفوف أسواقنا، وبكل هذا الكم الذي افتضح بمجرد دخول الضابطة الجمركية إليها؟!.. وفي الواقع، فهذا السؤال يثير تشككاً تلقائياً حيال رضى التجار عن التموين، وما إذا كان يستند إلى علاقة طفيلية «مجزية» تتيح للأولين إصدار فواتير تغطي المهربات باعتبارها سلعا محلية، وللآخرين قبولها في سياق مراقبتهم لهوامش ربحها؟!
قد يكون للتشكك السابق إجابات تتجاوز في فضائحيتها السلطات الجمركية.. لكن ما يلفت بحق، هو صمت الحكومة المطبق عن السجال القائم حول فساد الأسواق بكميات كبيرة من المهربات إلى حدود تهدد إستراتيجياتها المعلنة للنهوض بالإنتاج الوطني وتعريض سياساتها النقدية والتشغيلية للفشل، وخاصة مع التقاطع الجلي بين نوعية السلع المهربة وبين السلع التي تحاول الحكومة الاتكاء على إنتاجها لإنقاذ الاقتصاد الوطني من عنق الزجاجة الضاغط.
ليس من الحكمة أن يروق عنصر الجمارك للتاجر، المهم ألا ينحج الثاني في «قطع دابر» الأول لدى سعيه لقطع «دابر التهريب»، وإن كان ثمة مقبولية من نوع ما لضبط كثافة حضور الضابطة الجمركية في الأسواق، فما لا يحظى بتلك المقبولية هو التصالح المريب بين الحضور الكثيف للمهربات وبين دوريات الضابطة التموينية الجوالة، حتى ليثير الأمر التساؤل حول مقصد رئيس مجلس الوزراء بقوله أول من أمس: «ثمة عقوبات رادعة تنتظر كل جهة مقصرة في أداء عملها لمعالجة لضبط الأسواق».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن