ثقافة وفن

في مفردات صورة المسلم في أوروبا

| سَـارة عيسَى

تسببت هجمات تشرين الثاني 2015 الإرهابية في باريس، بالكثير من الحزن في أوساط الشعب الأوروبي، وطرحتْ الحاجة لتفسير ماحدث، ففي مقال للباحث إكساندر كيرك، الذي يدرس دور الأسطورة السياسية والعنف في ردود فعل بريطانيا على التهديد المتوقع من الإسلام المتطرف، يقول: «ما الذي يدفع أفراداً لارتكاب مثل هذه الأعمال البشعة ضد المدنيين؟».
يعتقد كثيرون أنها تعود لمشاكل محددة تتعلق بالإسلام؛ كالتخلف، والإيمان السطحي الذي يتنافى مع قيم المجتمعات الحديثة، على حين يفسرها آخرون على أنها علاقة مختلة بين الأفراد والدّين تؤدي إلى تفسيرات مشوهة له.
عملت الحكومة البريطانية في السنوات الماضية، على ضرورة مواجهة هذا التهديد عن طريق زرع القيم الوطنية الغربية من خلال شكل من أشكال الليبرالية القوية، المشكلة الأساسية أن كل المناهج المتبعة لمواجهة مثل هذه الحركات الإرهابية، تتجاهل الاحتياجات الشخصية للمسلمين وخاصة الصغار والشباب منهم.

المنسوب للإسلام
يزعم الجميع أن الإسلام هو السبب، وأنّ ارتكاب هذه الجرائم يتم باسم الإسلام، من دون النظر إلى عمق المشكلة ومعرفة خلفياتها، كالجهل بظروف الشباب ودوافعهم وأهدافهم للقيام بممارسات إرهابية، والفراغ الذي يعيشونه في أوروبا، هذا الفراغ الذي تسعى الحركات الجهادية العنيفة لملئه، من خلال استخدام المجلات الإلكترونية باللغة الإنكليزية مستهدفةً الشباب المسلم في الغرب.

مظالم الشباب المسلم
صُممت هذه المجلات لتشجيع وإقحام الشباب في أعمال عنف مشابهة لهجمات باريس. يتم إنتاجها بشكل مبدع وطريقة مُغرية تُحاكي العديد من المجلات الغربية الرائجة، بحيث تستجيب لكثير من المظالم التي يعاني منها الشباب المسلم، بغض النظر عما إذا كانوا يتبنون العنف أم لا. توفر هذه المجلات إحساساً بالمغامرة والخيال عن طريق الإلهام والإيحاء.
تغطي وسائل الإعلام بكثافة جميع المظالم والشكاوى ضدّ الحركات الجهادية، بصيغة سهلة مرنة، ولغة عامية، كغيرها من المجلات الغربية السائدة المملوءة بالصور والنكات. المفاجأة الأكبر أن العبارات الدارجة المستخدمة على مواقع التواصل الاجتماعي مثل (LOL) و(ROFL) تعتبر من بين التأويلات التي يستخدمها الإسلاميون مبرراً لذبح المدنيين.
كره تاريخي
لعب غزو العراق وما تلاه من أحداث وصعود كبير للتيارات الجهادية في العالم، إضافة إلى مئات العمليات الإرهابية التي قام بها إسلاميون دوراً كبيراً في ازدياد الممارسات العنصرية ضد المسلمين في المجتمعات الغربية، وكأنّ ما يجري هو حلقة من سلسلة طويلة من الصراع المستمر منذ الحروب الصليبية، فيتم تحميل الإرهابيين وزر الجريمة من دون النظر إلى مسبباتها ودوافعها، والجهات والهيئات الحكومية أو الخاصّة التي تقف وراءها وتدعمها، حتى باتَ الأمر وكأنّ الغرب يحملُ كراهية تاريخية عميقة الجذور للإسلام، كراهية كانت قبل قرون تُقاد باسم المسيحية، وأصبحت اليوم تُقـادُ باسم الديمقراطية.
كما أن المسلمين غير المتطرفين، باتوا يحرضون ويدعمون هذه الحملات الديمقراطية، ومن ثم فهم أيضاً أصبحوا أهدافاً مشروعة.
بعد أن أصبح المسلمون عرضة لهذه الهجمات الظاهرية، أمست استجابتهم الوحيدة، والمنطقية حسب رأيهم، والأخلاقية حسب اعتقادهم، والدينية حسب تفسيرهم، هي الانخراط في العمل الجهادي العنيف والإرهابي.

مجلات جهادية
تقصّ هذه المجلات الجهادية على القراء وبطريقة إبداعية، الشعر وقصائد الراب، وتصوّر لهم بطريقة هوليوودية كيف يصنعون ملاحم البطولة، ويصبحون أساطير تاريخية وهم يدافعون عن الإسلام والمسلمين في أنحاء العالم. وتستخدم أفرداً لتحقيق هذا الهدف، بتعظيمهم على قيامهم بأعمال بسيطة فيصبحون رمزاً للبقية يقتدون به. تغوص المجلات في مستنقع شكوك وقلق المسلمين نتيجة الاغتراب والتمييز الذي يعيشونه، وتقدم لهم الأمل في أن يصبحوا أبطالاً، من خلال وسائل بسيطة، على سبيل المثال، قاموا بثناء روشونارا كودري، عندما طعنت النائب في حزب العمال ستيفين تيمز، على الرغم من أنه نجا وتماثل للشفاء التام. حتى أولئك الذين يفشلون تماماً مثل الانتحاري عمر الفاروق، الذي قام بمحاولة لتفجير طائرة نورث ويست ايرلاينز يوم الميلاد 2009، فلا يزال يُشاد به كأحد الأبطال والأمثلة التي يجب اتباعها. ويُروى للقارئ أنه يتمكن من الوصول لهذه المراحل البطولية بإجراء هجمات إرهابية في الغرب. من أمثلة المواد المنشورة فيها أن غزو العراق وأفغانستان هو اعتداء على جميع المسلمين وليس على دولة ذات سيادة.

ندبة لا تمحى
لا تزال الحروب الصليبية تُمثّلُ للمسلمين ندبة لا تُمحى، ويرونها من خلال كل قضية حتى لو كانت بعيدة الصلة بها، فتُقدّم المجلات للمسلمين المتطرفين صورة مأساوية، وأنّ هذه الحروب هي اشتباك دائم لم ينتهِ بينهم وبين المسلمين غير المتطرفين وحلفائهم الصليبيين من الغرب، ولا مجال للسلام والمصالحة بين الفريقين، وبالتأكيد ليس هناك أي تنازلات، ومن ثمَّ سلوك المتطرفين الدرب الدموي في أوروبا.

دعوة إرهابية
في المقام الأول، يجب التعامل مع الموضوع على أنه خرافة وخيال ووعود كاذبة، ليساهم ذلك في تبسيط الإستراتيجيات المعمول بها، كردودٍ للأفعال الغربية. على الرغم من هذا تمكنت هذه المجلات من إدارة الموضوع والدعوة لتلبية حاجة المسلمين لتحقيق ذواتهم واكتساب الأهمية التي يطمحون لها، بأن يكونوا محور الأحداث من خلال تصوير الأعمال الإرهابية بطريقة درامية وغاية في الإثارة والتشويق والمغامرة، وهي بعيدة تماماً عن قدرة الغرب على رد فعل معاكس.
هناك حاجة ماسة لمكافحة هذه المطبوعات والمجلات المنشورة، كمجلة داعش هذه الأيام والتي تدعى (Dabiq)، كوسيلة مهمة لنبذ العنف ضد المجتمعات الغربية، ويجب أن تتم توعية المجتمع ضد الأفكار التي تشوّهُ السياسة والتاريخ والدين بتصريحاتٍ مطلقة وتمييزية عن الخير والشر، الصواب والخطأ، وصراع الحضارات، يمثل ذلك تحدياً كبيراً للمجتمعات، فترويج فكرة اللاعنف والسلام وتقبّل الآخر، مقابل أوهام البطولة والشجاعة والمغامرة التي تروج لها هذه المجلات والوعود بتحقيق الذات، والشعور بالأهمية وتعبئة الفراغ لدى الشباب المسلم. العملية صعبة وتحتاج إلى جهود كبيرة.

أساس أسطوري
لا يشعرُ الكثير من الشباب بأهمية لحياته ووجوده من دون اللجوء لأعمال عنف وتسويغ هذه الأفعال بوجهات نظر عالمية. القيام بذلك يعتمد بشكل كبير على عواطف الشباب، مصالحهم وتطلعاتهم، على سبيل المثال: ينخرط الشباب بنشاطاتٍ مختلفة، سواء كانت في المساواة بين الجنسين أو بالعمل بمنظمات حقوق الإنسان، وحملات مكافحة العنصرية، الأحزاب، والبعض الآخر في ممارسة الرياضة وعلاقات الصداقة والحب، كلّ هذا يحقق لهم الشعور بالرضى عن ذاتهم، حتى إن بعضهم يجدها في التقاليد الخيّرة لديانتهم، ومع ذلك فإن جميع هذه الأمثلة المذكورة، يمكن أن تقوم على أساس أسطوري أيضاً، ولكنها أسطورة خالية من العنف ونبذ الآخر والتحريض عليه، فما يهم هو مساعدة الناس في العثور على ما يشعرهم بأهميتهم بعيداً عن الانخراط في أعمال العنف والقتل.

بين الفرض والفرضيات
هذه القضايا الصعبة والمعقدة هي التحدي الذي يواجه السياسيين وقادة الدول، ومن المهم التأكد من أن شباب المجتمع قادرون على نقد محتوى هذه المجلات ووعودها الكاذبة ببطولات وشهرة وخلود، وخاصة حقيقة أنهم يتجاهلون التاريخ. للأسف الإجماع العالمي وتعميم المشكلة على جميع المسلمين من وجهة النظر الغربية، يؤدي إلى تجاهل هذه الحكومات لأصوات وشكاوى العديد من المسلمين، وهذا أمر يحتاج للتغيير، أي عليهم ضمان أن يكون لدى المسلمين وسائل للعثور على دروب أقل عنفاً وتدميراً، للحصول على الأهمية التي يريدونها في المجتمع، من دون اكتسابها من أفعال إرهابية قائمة على الشحن والتجييش الطائفي في جوامع وصوامع الغرب. وقد حاولت الحكومات الغربية معالجة كل هذه القضايا بوضع سياسات تهدف إلى دمج المسلمين، وسعت بعض الدول لفرض القيم القومية على الأطفال، في محاولة لتحل محل الخرافات والروايات المتطرفة وغير المرغوب فيها في كل مكان.
هناك توجه في بريطانيا لضمان تعليم الأطفال القيم البريطانية في المدارس، سينتشر هذا التوجه قريباً بين الأطفال دون الخامسة، المشكلة هي أن القيم البريطانية كغيرها من القيم الأوروبية، ليست أكثر فهماً وتميّزاً وعمومية من قيم البلدان الأخرى، لذلك تلقى منافسة شديدة بين جاراتها، كما أنها لاتوفر إحساساً بالمغامرة والبطولة والأهمية التي تصورها الحركات الجهادية المتطرفة في مجلاتها ومنشوراتها.

دفاع عفوي
من المستبعد عالمياً قمع أي رغبة في العنف، أو إزالة أي مظالم سياسية أيضاً، ومحاولات منع التطرف تكون غالباً متجانسة وشاملة بين جميع المسلمين، وتغيب عنها محاولة غربلة مخاوفهم ورغباتهم الأكثر إلحاحاً في غربال الاندماج بالمجتمع الغربي، وهذا يساعد على الحقد بدلاً من الاعتدال.
يقدم الخيال للناس صورة وردية لتغيير العالم البائس من حولهم، والعيش في الخيال هو دفاع عفوي يسلكه الشخص ضد استبداد الواقع، وخاصّة عندما لا يستطيع التأقلم معه، فيعيش بخياله حياةً أخرى تكون عند الإسلاميين حياة الجهاد الإرهابي.
خلِق الدّين لتنظيم الحياة وبناء مجتمعات متحضرة، لتحقيق رسالة اللـه على الأرض، باقتسام خيراتها وتأمين حياة المساواة في الكرامة والحقوق لجميع الأمم والشعوب، أمّا أن يحمل البعض رسالةً مشوهة تحرّض على الأديان الأخرى وتدعو للقتل والإرهاب، فهذا ليس بدين وهذه ليست برسالة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن