رياضة

نقاط على حروف كرة القدم السورية … لماذا كرتنا تقع دائماً تحت رحمة الحسابات؟

| ناصر النجار

مع منتخبنا الأولمبي ليست المرة الأولى التي تقع كرتنا تحت رحمة الحسابات، وننتظر المساعدات من نتائج المنتخبات الأخرى لنظفر بالتأهل والانتقال إلى الأدوار الأخرى، وإذا كان المنتخب الأولمبي عاش هذه التفاصيل، فإن منتخب الرجال سيعيشها بعد شهرين حيث سيلعب مباراتيه المتبقيتين في التصفيات الآسيو مونديالية، وما لا شك فيه أنه ينتظر خدمات عديدة من منتخبات عديدة ليضمن التأهل كأفضل منتخب يحتل المركز الثاني من مجموعة أربعة منتخبات لها حظوظها بالتأهل من المجموعات الثماني.
والقضية ليست أرشيفية نستطلع من خلالها المرات العديدة التي كانت فيها منتخباتنا وفرقنا ضحية هذه الحسابات، إنما نحاول وضع النقاط على الحروف لنعرف الأسباب والمسببات، ولنضع الحلول التي تجعل كرتنا في موقف يجنبها هذه الدوامة وإلى التفاصيل.

مصادفة
لعبة الحسابات في البطولة القارية والدولية، أمر واقعي ومشروع قد يقع في براثنها أقوى وأعتى الفرق والمنتخبات، وهذا ليس عيباً في العموم، إنما يدل بطريقة أو أخرى على تقصير معين أوصل هذه الفرق إلى هذه النتيجة، ومشكلة كرتنا أنها تقع فيها بشكل دائم على حين تقع فيها الكثير من الفرق والمنتخبات الأخرى مصادفة، وهذا يعني أن كرتنا لها حدود من الصعب أن تتخطاها بسهولة، ولا بد من مساعدات وحظوظ خارجية، وهذا الأمر نلمسه بشكل واضح في كل البطولات الآسيوية والدولية التي نشارك بها على صعيد الفرق والمنتخبات، وسبب ذلك أننا نلعب كرة القدم بشكل عشوائي ونديرها بشكل ارتجالي، على حين أن كرة القدم في العالم صارت علماً ولها أساليبها ومفاهيمها وأمورها التنظيمية الخاصة.
كرة القدم هي لعبة جماعية، وهي حصيلة عمل جماعي وجهود مشتركة تبدأ من الفرد إلى مجموعات العمل، ونتائجها تظهر في المنتخبات الوطنية التي هي ذروة كرة القدم وحصيلة العمل، والصورة الحقيقية التي تعكس المستوى الحقيقي لكرة القدم في هذا البلد أو ذاك.
العوامل

كرة القدم الحديثة بحاجة إلى عوامل متعددة لتسير نحو الأمام، فكرة القدم المحترفة لا يمكن أن تستغني عن هذه العوامل إن أرادت التقدم والتطور وبلوغ المراكز المتقدمة وأهم هذه العوامل هي المال والمنشآت والكوادر المحترفة، فتطور كرة القدم لا يقوم إلا بتوافر المال الذي يوفر لك كل مستلزمات اللعبة الضرورية، والملاعب لها ضروراتها القصوى وهي حاجة إستراتيجية لقيام التمارين والتدريبات عليها، والكوادر المحترفة بمختلف اختصاصها أمر مهم للغاية، لأن التطوير بحاجة إلى هذه الكوادر المتعلمة والمتطورة لنرفع من مستوى اللاعب وبالتالي من مستوى الفرق والمنتخبات.
للأسف فإن كرتنا تفتقد العوامل الثلاثة، لذلك ستبقى خارج منظومة الدول المتطورة كروياً، وستبقى رهينة الحسابات في كل مشاركاتها، فالمال الذي هو عصب كرة القدم وعامل مهم في التطوير والنهوض والبناء، غير متوافر كما هو مفترض في كرتنا سواء على صعيد الأندية أم المنتخبات بسبب الشح ومقولة الإمكانات المتاحة، والقاعدة الكروية تقول: (كرة القدم تعطيك على قدر ما تعطيها) لذلك فإن موقعنا في أحسن الأحوال لم يصل إلى المستوى الأول على الصعيد الآسيوي ودوماً يتراوح موقع كرتنا بين المستويين الثاني والثالث حسب البطولة وتصنيفاتها.
أما الملاعب فحدث ولا حرج، فملاعبنا ما زالت دون المأمول (تدريباً) ومنتخباتنا الوطنية ليست لها ملاعب خاصة، وتمريناتها تجري في الملاعب العامة التي تتقاسمها مع الأندية تدريباً ولعباً، وأهمية الملاعب كبيرة في عالم كرة القدم فأغلب الدول تملك منشآت خاصة بالمنتخبات الوطنية متوافر فيها كل مستلزمات التدريب من أدوات وتجهيزات وصالات خاصة باللياقة البدنية إضافة للمسابح والجاكوزي وغيرهما.
والكوادر لها قصة مؤلمة في كرتنا، فأغلب كوادرنا الفنية وصلت إلى ما وصلت إليه بجهودها الخاصة الذاتية، واتحاد كرة القدم لا يقدّم لكوادرنا أكثر من الدورات المتعارف عليها التي صارت لا تسمن ولا تغني من جوع، لذلك فإن كرة القدم في أنديتنا تبقى محدودة فنياً لأنها تسير وفق الحدود التي وصل إليها المدربون، أما بقية الاختصاصات فأغلبها غائب، ورغم أهميتها فإن العاملين فيها يعملون وفق اجتهاداتهم الشخصية ومعلوماتهم الذاتية.
هذه العوامل التي نتكلم عنها هي من أبسط العوامل لأنها من بديهيات كرة القدم، ولا يمكن الاستغناء عنها، وهناك عوامل احترافية أخرى نشاهدها في الكثير من الفرق والمنتخبات المتطورة، لا نجد داعياً لذكرها لأننا بعيدون كل البعد عن تنفيذها، ومع ذلك فإن الأهم من هذا وذاك هو العقلية التي تدير كرتنا، ونظرة القيادة الرياضية إلى كرة القدم كلعبة مهمة، وعلينا أن نتذكر أنها تحتاج إلى دعم خاص ورعاية استثنائيين.

التطوير
تطوير كرة القدم يحتاج إلى بحث خاص قد لا يكون له مجال في هذه الأوضاع وخصوصاً أننا لم نحقق بند العوامل الرئيسي بعد، وكلما كانت المسابقات جدّية ومجدية خطت كرة القدم خطواتها نحو التطوير.
فالمباريات الرسمية تصقل لاعب كرة القدم كما تطور مهاراته، وهي مطوّرة أيضاً لكل الكوادر من حكام ومدربين وإداريين وغيرهم، وهذا التطوير ينعكس إيجاباً على المنتخبات الوطنية على صعيد الجهوزية البدنية والفنية والنفسية.
وكرة القدم كما يحدد خبراؤها تحتاج إلى أداء خمسين مباراة رسمية على الأقل في الموسم الواحد، وهذا الأمر نفتقده في ملاعبنا لأن اتحاد كرة القدم لا يوفر مثل هذا الكم من المباريات، بل هو يعمد إلى ضغط المسابقات الرسمية وتقليص عدد مبارياتها وأيامها الكروية، لدرجة أن أغلب أنديتنا في الدرجة الأولى تلعب أقل من عشرين مباراة، ومن تأهل إلى النهائيات قد يصل إلى الخمس وعشرين مباراة بما فيها مباريات كأس الجمهورية.
بالمحصلة العامة فإن واقعنا الكروي والمقومات التي وضعناها لبناء كرة القدم في كل مراحلها لا تسهم بتحقيق التطور الكروي المنشود الذي يؤهلها لتكون في الصف الأول ويجنبنا لعبة الحسابات ومساعدة الأصدقاء وانتظار الحظوظ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن