قضايا وآراء

أوباما والأشهر الأخيرة … حروب بالوكالة لإطالة عمر الإرهاب

| د. قحطان السيوفي

الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) بقي لديه أشهر لمغادرة منصبه، والأرجح أن ليس لديه الكثير لُيقدمه ؛ داخلياً وعالمياً…
ماذا ترك أوباما لخليفته؛ مهمة أصعب أو أسهل مما ورثه عن جورج بوش الابن؟
الخطاب الأخير للرئيس أوباما، حول حالة الاتحاد أمام الكونغرس، جاء باهتاً، ومختلفاً عن خطابه يوم دخل البيت الأبيض أول مرة…
أوباما يعترف بأن المجتمع الأمريكي أكثر انقساماً مما كان عليه عندما تولى الرئاسة…
أوباما بدا مغروراً وكأنه لا يعترف بوجود القطب الثاني في العالم (روسيا والصين) قائلاً: عند وجود مشكلة دولية، إن شعوب العالم تتصل بنا… تحدث عن التحالف الأميركي لمحاربة ألإرهاب؛ وكأنه تحالف أقره مجلس الأمن الدولي متناسياً أنه ليس كذلك…وأن الضربات الجوية لتحالفه لا تعدو كونها إجراءات استعراضية..
بدا مقتنعاً بأنه أنقذ الولايات المتحدة من الحروب وطوى صفحة العداء مع إيران، وأعاد العلاقات مع كوبا، ونسي أنه قام بتقزيم دور ونفوذ الولايات المتحدة وتلقى أكبر إهانة لرئيس أمريكي من نتنياهو الصهيوني في قلب الكونجرس…
بالمقابل، المشهد الجيوسياسي العالمي يظهر أوباما وكأنه أحد المارة على الهامش، سواء كان صعود «داعش»، أم خطر الإرهاب الداخلي والعالمي، أو التحديات الكبيرة التي تفرضها روسيا والصين، ما يجعل أوباما وكأنه في انكفاء.
أوباما عمل لإصلاح الرعاية الصحية، وسن برنامج التحفيز المالي الذي أنقذ الولايات المتحدة من حالة ركود اقتصادي عميق، وخفض نسبة البطالة، لكنه لم يفعل شيئاً بعد ذلك…، مؤيدو أوباما يرون أنه أحسن قراءة مزاج الرأي العام الأميركي بالانسحاب من الحروب التي خاضها بوش الابن بعد أحداث أيلول 2001 (أفغانستان، والعراق). لأن الأكثرية الأميركية كشفت أن غزو العراق كان بناءً على أدلة مزورة… وتبنى أوباما عقيدة القيادة من الخلف والحروب بالوكالة… ورمى الثقل والتكاليف على حلفائه التقليديين… وظهر أوباما كأنه داعية سلام، لعدم وجود جثث أميركية عائدة على متن الطائرات. ترى ألم يفكر أوباما!!؛ أنه حان الوقت للتخلص من علاقات تقليدية مع دول الشرق الأوسط، ولا سيما النفطية، إذ لا حاجة لنفطها بعد الاكتشافات الأمريكية النفطية الضخمة؟
ينظر أوباما للعلاقة مع الصين، كمصالح متبادلة، بعيدة عن المواجهة بين الأصدقاء الأعداء…
العلاقة مع الرئيس بوتين القوي في إطار التشاور، لمعالجة الخلافات الجذرية أو لإقامة نوع من التنسيق، والتفاهمات الأمريكية – الروسية لمعالجة الأزمات في سورية وجورجيا، وأوكرانيا… على الرغم من العقوبات الغربية الكيدية على روسيا.
الوقائع التي فرضت نفسها تشير إلى أن إدارة أوباما غير قادرة على أن تعارض وجود تحالف روسي – إيراني مع الدولة السورية و«حزب الله» ما دامت الولايات المتحدة ليست متورطة في الأزمة السورية – كما يدعون – بغض النظر عن التغيير الجذري في موازين القوى الدولية والإقليمية…كما أن إدارة أوباما لا ترى عيباً فيما حصل أو سيحصل بالتراجع عن الخطوط الحمر…في إطار الواقعية.
ما ورد في خطاب أوباما في جامعة القاهرة الذي دعا فيه لسياسات جريئة كحل النزاع العربي – الإسرائيلي والمشكلة الفلسطينية….لم ينفذ منها شيئاً، وذلك خدمة لمصلحة إسرائيل.
منتقدو أوباما يقولون إنه مزّق التآلف الأميركي. فإذا كان بوش أطلق الانقسامات، فإن أوباما متّنها.
يضيف منتقدو أوباما إنه حوَل الولايات المتحدة من دولة عظمى إلى نمر من ورق، ويرون في «القيادة من الخلف» والحروب بالوكالة أنها تتم على حساب المصالح والقيم الأميركية… بعض المُنتقدين لسياسات أوباما يرون إن الانكفاء والتخلي عن الحلفاء في الشرق الأوسط ستكون باهظة وترسّخ سمعة التخلي عن الأصدقاء والحلفاء وخيانتهم… كما أن السياسة الأمريكية تغذي وتؤجج الصراع المذهبي في المنطقة… بالمقابل ستتكرس زعامة روسيا القوية إقليمياً، وسيُدعَم موقف إيران..
بعض استطلاعات الرأي تشير إلى أن أول رئيس أسود في أمريكا يبدو من المرجح أن تأتي بعده أول امرأة (هيلاري كلينتون) ومن المرجح ألا يحقق برنامجها نتائج أفضل مما حققه أوباما.
وأقول هنا لن تنسى الذاكرة الوطنية العربية أن قرارات الولايات المتحدة في عهد بوش الابن، وباراك أوباما كانت الأساس في استهداف وضرب بعض الدول العربية ذات الأنظمة الجمهورية ؛ العراق وسورية وليبيا واليمن وحتى مصر؛ لتدميرها وتفتيتها، وشارك في ذلك حلفاء أمريكا دعماً، وتمويلاً للربيع الأسود.. ومنتجاته من الإرهاب…
أخيراً سيمضي الرئيس أوباما الأشهر الأخيرة من رئاسته في حالة الانكفاء، والتردد في المقعد الخلفي يشجع بشكل مباشر وغير مباشر الحروب بالوكالة، ولن تؤدي تحالفاته الاستعراضية لمحاربة الإرهاب إلا إلى إطالة عمر هذه الآفة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن