قضايا وآراء

المصالحات الإقليمية والتطبيع مع «إسرائيل»

| باسمة حامد

منذ دخول الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ بدأت دول المنطقة تتحرك باتجاهات مختلفة في محاولة منها لتطويق دور إيران الإقليمي المعترف به عالمياً.
الملاحظ في هذا السياق أن الأنظمة العربية مستمرة بالسير خلف النهج السعودي القائم على عنوانين رئيسيين: تضخيم الخطر «الشيعي» والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وباستبعادها لخيار الانفتاح والتحاور مع إيران الجديدة الذي اتخذته واشنطن وشركاؤها الغربيون لتصحيح أخطاء «المقاطعة الدبلوماسية» وتعزيز التواصل معها من أجل «حل قضايا أخرى» تكون قد فوّتت على شعوبها فرصة تاريخية للتعاون الشامل وتبادل المصالح الأمنية والاقتصادية مع دولة لها تأثيرها ووزنها الإقليمي!!
لكن ما يدور في العقل العربي من رهانات لتطبيع العلاقات مع «تل أبيب» أو على نجاح المصالحة المصرية التركية للوقوف بوجه التأثير الإيراني الممتد في سورية واليمن والبحرين ولبنان وفلسطين قد يتغير لاحقاً لأسباب تتعلق بطبيعة الصراع الحاصل وردود أفعال الأطراف المعنية بها.
فمع تبلور محور المقاومة وترسخه كقوة إقليمية أنهت زمن الاستفراد الأميركي بالشرق الأوسط، وعطّلت القدرة السعودية القطرية التركية لرسم ملامحه، وتحارب الإرهاب بوجهه الصهيوني والتكفيري.. من غير الممكن وصول العلاقات العربية «الإسرائيلية» إلى الدرجة التي يحلم بها قادة الكيان الصهيوني وإن كانت القضية الفلسطينية الآن لا تحتل سلم الأولويات لدى الحكام العرب، ولعل انتفاضة السكاكين في الأرض المحتلة وفشل المشاريع الأميركية الرجعية في سورية براهين واضحة على أن للشعوب خيارات أخرى!!
ومع ملاحظة أن مبدأ المصالحة يمثل هدفاً إيجابياً، إلا أن إتمام مصالحة حقيقية بين أنقرة والقاهرة في إطار المساعي السعودية لبناء تحالف «سني» دونه عقبات عدة، فحجم الخلافات والتباينات بين الجانبين أكبر من نقاط الالتقاء والتفاهم بحيث لن تفضي المحاولة إلا لنتائج شكلية في أحسن الحالات رغم رغبتهما بمراجعة مواقفهما بحثاً عن مكانة إقليمية أفضل في ضوء التقدم الإيراني بالمنطقة والتوازنات الدولية الجديدة وقلق مصر على أمنها القومي لكون جارتها ليبيا باتت أكبر بؤرة للإرهاب في العالم.
وبكل الأحوال، فإن مسألة المصالحة تلك قد لا تروق لبعض الدول التي تربطها علاقات مميزة بمصر كالإمارات مثلاً أحد أبرز داعمي ثورة 30 يونيو والقطب الخليجي المنافس للمملكة السعودية.. والأهم من كل ذلك أنه من الصعب التوصل إلى صيغة مرضية بهذا الشأن مع وجود نظام تركي يتبنى سياسات فئوية ضيقة يعبر عنها في كل مناسبة ويستخدم الدين للتدخل في شؤون الآخرين ويوفر للقتلة منابر إعلامية للفتنة والتحريض الطائفي والمذهبي المقيت.
فهذا النظام الذي أشعل الحرائق في سورية وليبيا وفتح أبواب تركيا للمرتزقة والإرهابيين ولعب «بذيله» في العراق ورفض الاعتراف بثورة الشعب المصري منتصف العام 2013 وسعى لتوتير علاقاته الدولية و«تصفير» الجيران.. لن يتنازل بسهولة عن ثوبه «الإخواني» في مصر وخصوصاً أن «الإخوان» متجذرون في المجتمع المصري، وما زال أردوغان يعوّل عليهم كجزء من مشروعه العثماني متجاهلاً تصنيف الدولة المصرية لهم كجماعة إرهابية وهنا مربط الفرس، إذ ستبقى هذه النقطة الخلافية بلا حل على الأرجح، وبناء عليه ليس من المستبعد انخراط القاهرة –حفاظاً على مصالحها الأمنية- بمحور حقيقي لمحاربة الإرهاب تشكل إيران أحد أضلاعه الرئيسية وهي الدولة المستعدة دائماً لمساعدة «أي دولة تطلب مساعدتها لمواجهة الإرهابيين».. وما يجعل هذا الاحتمال منطقياً الاختلاف المصري السعودي الواضح حيال ملف التسوية في سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن