اقتصادالأخبار البارزة

احتكار القلّة.. تجارة المبشّرين بالأرباح في زمن الحرب … القلاع: وزارة الاقتصاد هي التي تختار أسماء المستوردين والكميات والنوعيات … معاون الوزير: نتشاور مع التجار والتمويل مرتبط بإمكانية المصرف المركزي

| علي محمود سليمان

مع استمرار حالة ارتفاع الأسعار غير المسبوقة للسلع والبضائع كافة في الأسواق، بات من الضروري طرح تساؤل عن عدد التجار الذين يقومون بتوريد السلع والبضائع إلى الأسواق كونهم الجهة المستفيدة من ارتفاع الأسعار، وهنا يتبادر إلى الذهن مصطلح «احتكار القلة» الذي اعترفت بوجوده في أسواقنا وسوغته قانونياً!
رئيس اتحاد غرف التجارة غسان القلاع اعتبر أن مصطلح احتكار القلة غير دقيق وهو لا يقرّ به أبداً، موضحاً في تصريح لـ«الوطن» بأن الجهة المسؤولة عن منح إجازات الاستيراد هي التي تتحكم بتوريد السلع والبضائع إلى الأسواق، مشيراً إلى أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية هي صاحبة الصلاحية بمنح إجازات الاستيراد، إذاً هي التي تختار الأسماء والكميات والنوعيات والبنود الجمركية والقيم، ومن ثم فإن كان هناك كثرة أو قلة بالتجار المستوردين فهو من خارج عمل غرفة التجارة التي لا يؤخذ برأيها في منح إجازات الاستيراد من وزارة الاقتصاد.
وبيّن القلاع أن التجارة منذ الأزل قائمة على اختصاص فكل تاجر يختص بتجارة معينة وهو أمر طبيعي، ولذلك من الطبيعي أن نجد تجاراً يختصون باستيراد سلعة معينة، مضيفاً: إن التجار يسعون إلى تأمين المواد بأسعار معقولة للمستهلك، معيداً ارتفاع الأسعار بشكل أساسي إلى ارتفاع أسعار القطع الأجنبي، حيث إن كمية القطع الأجنبي في المصرف المركزي لها حدود فهي ليس بإيراد لا ينضب، إضافة إلى ما بات معروفاً للجميع من تراجع الإنتاج وتراجع الصادرات، وما آلت إليه حالة قطاع النفط والفوسفات، وكلها خسائر لخزينة الدولة، وهذه الأسباب كلها نراعيها لمصرف سورية المركزي ووزارة الاقتصاد ونقدم لهم الأعذار، وفي الوقت نفسه أن يقوم أحدهم باحتكار مادة أو سلعة لنفسه ليتحكم بأسعارها فهذا أمر غير مقبول ويجب أن نكون متوازنين بإيجاد منافسة في الأسواق لأنها تؤدي إلى انخفاض الأسعار.
مسوغات الاحتكار
وكانت هيئة المنافسة ومنع الاحتكار قد أعلنت في أكثر من مناسبة بوجود احتكار القلة، حيث كان مدير الهيئة قد أوضح لـ«الوطن» أن الهيئة تقر بما يسمى احتكار القلة، وهو جزء من عمل الهيئة ضمن نسبة التركز المسموح بها، والحالة هنا تتعلق بمجموعة فعاليات اقتصادية وتجارية، لها تقاليدها منذ 40 عاماً، ولديها تسهيلات قانونية مشرعنة، ولا يمكن أن تكسر إلا من خلال مؤسسات التدخل الإيجابي الحكومية، عبر تجارة الجملة لا المفرق.
وأوضح المدير العام لهيئة المنافسة ومنع الاحتكار الدكتور أنور علي أن الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار لا تسمح بأن تتجاوز نسبة السيطرة على السوق 30%، والمحددة بحكم القانون، مبيناً أنه في حال استغلال هؤلاء القلة لحالة احتكار معينة، واتفاقهم على عمليات التسعير أو على تزويد السوق بالسلعة وتقطيرها من أجل رفع سعرها، فالقانون الناظم لعلم الهيئة يجيز لها التدخل ومحاسبة هؤلاء المحتكرين، مع حقها في إثبات هذه الحالات سواء كانت مكتوبة أو غير مكتوبة. ‏
نقطة من أول السطر
من جانبه أوضح الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش لـ«الوطن» أن قانون المنافسة ومنع الاحتكار واضح وصريح جداً، وما صرح به مؤخراً رئيس الحكومة عن وجود 25 تاجراً فقط يستوردون لسورية، فإنه يعني بأن كل 3 تجار يستوردون مادة معينة، وهي ممارسة احتكار واضحة، ومنحهم صفة الوطنية لاستمرارهم بالاستيراد وشكرهم على جهودهم لا يعني أن يسمح لهم بالاحتكار.
وهنا يتساءل عربش عن المعيار الذي اعتمد لانتقاء هؤلاء التجار ومنحهم مفاتيح الاستيراد لتأمين مستلزمات الإنتاج ومستلزمات الأسواق للبلد؟ وهذا سؤال يطرح إشارة استفهام كبيرة فلماذا لا يتم الإفصاح عن أسمائهم، والسؤال الجوهري هل فعلاً هؤلاء التجار يسددون التزاماتهم الضريبية والمالية للدولة بالشكل الذي يتناسب مع حجم أعمالهم أم إنهم أيضاً من الـ25 المبشرين بالإعفاء؟
ويوضح عربش أن هذه الأمور تساهم إلى حد كبير بتزويد الأسواق «بالقطارة» على حسب هوى التجار ما يخلق ضغطاً على المواطن من جهة تحكم احتكار القلة بالأسعار من خلال كمية المواد المطروحة، مشيراً إلى أن التصريحات الدائمة لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بأنها تقوم بأفضل ما لديهم لتأمين السلع والمواد للأسواق، يثير التساءل عن أسباب الأزمة إن كان ما تقومون به هو الأفضل، لافتاً إلى أن هناك احتكار قلة من التجار واحتكار الحكومة للقرار الاقتصادي بما يناسب مصلحة أشخاص وحدهم، مضيفاً: إنه إذا كان لدينا هذا الكم الكبير من التجار فلماذا لا تدعو الحكومة إلى تشكيل شركات للاستيراد من هؤلاء التجار وتكون شركات قابضة ومساهمة ومحدودة المسؤولية وهي من تقوم بالاستيراد بإشراف مؤسسات الدولة، بدلاً من منح إجازات الاستيراد لعدد محدود من التجار.
وكان رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي قد كشف في وقت سابق بأن أن عدد التجار الذين يؤمنون احتياجات البلاد لا يتجاوز 25 تاجراً، مؤكداً أن الحكومة لا تستطيع توفير احتياجات البلاد بشكل مباشر بسبب العقوبات والحصار المفروض عليها، مبيناً أن الحكومة تعمل على تجزئة العقود وإجازات الاستيراد حتى يحصل جميع التجار على العطاءات ولا تكون محصورة بعدد قليل منهم.
وبدوره أكد معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية عبد السلام علي لـ«الوطن» أن نسب تمويل إجازات الاستيراد تتناسب مع قدرة المصرف المركزي على التمويل، ولذلك تعمل وزارة الاقتصاد والمصرف المركزي بتنسيق يومي ما بين حجم الطلبات والقدرة لدى المركزي على تمويل المستوردات للحفاظ على القطع، لافتاً إلى أنه بات معروفاً أن أي مستورد لا يحصل على تمويل لمستورداته من المركزي فإنه سيتجه إلى السوق السوداء ولذلك تتم مراعاة إمكانية السوق السوداء على استيعاب هذه الطلبات، بما لا يشكل ضغطاً يؤدي إلى رفع سعر الصرف.
إضافة إلى التواصل مع غرف التجارة للتأكد من ملاءة بعض المستوردين بسبب ظهور حالات كثيرة من المستوردين الوهميين وقد أشار إليهم وزير الاقتصاد في وقت سابق، ويتم التنسيق مع غرفة التجارة عندما نجد أن طلبات أحد التجار تثير الريبة والشك كأن يتقدم بطلب استيراد لعدة أنواع من السلع ولمصلحة أسماء مختلفة، إضافة إلى أن هناك اتفاقاً في الوزارة لوضع تقييم للكميات المسموح بها لمواد معينة، بحيث تتم تجزئة الكميات بين التجار المستوردين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن