قضايا وآراء

مواجهة رهانات «الرياض»

| مازن بلال 

ينقل تأجيل التفاوض في جنيف وجهة نظر سعودية حصراً، فأزمة تشكيل الوفد المعارض تخرج عن سياق مضمون قرار مجلس الأمن 2254، والتمسك بالوفد المنبثق عن مؤتمر الرياض يتناقض وبشكل واضح مع مبدأ «التمثيل الأوسع» للمعارضة السورية، والتحرك ما بين موسكو وواشنطن لم يبدل الكثير من الأمور، بل على العكس فإن لقاء وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة خرج بأن «الموعد ليس مقدساً»؛ مع الإصرار على عقد المؤتمر قبل نهاية الشهر الحالي، وهذا التصريح يسعى لعدم التطرق لعمق الصعوبات التي تواجه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، فعرقلة التفاوض الذي فرضته السعودية لا يعاكس الإرادة الدولية فقط بل يُظهر عدم القدرة على ترتيب الوضع الإقليمي، وهذا الواقع ربما يؤدي لانهيار أي تفاوض قادم.
في المقابل فإن الرياض تمارس دوراً على المستوى «الجيوستراتيجي» إن صح التعبير، فهي تسهم منذ شهرين في انهيار أسعار النفط، ورفضت سابقاً دعوات الـ«أوبك» للاجتماع من أجل تحديد الحصص في سوق النفط، وهذه السياسة في حرب الأسعار مارستها السعودية خلال حرب أفغانستان لانهاك اقتصاد الاتحاد السسوفييتي السابق، فأي رهانات تحملها الرياض تجاه الصراع الإقليمي المتمركز في سورية؟ ربما علينا النظر إلى الزمن المتبقي لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، فالأشهر القادمة لا تمنح فرصاً لتحولات واضحة، وهو ما يجعل الرياض غير مكترثة بإمكانية الضغط تجاهها لتغير مواقفها، في وقت تدرك فيه الإدارة الأميركية أن معركتها الحالية حساسة لأنها ربما تؤثر على فرص الديمقراطيين في الانتخابات القادمة.
عملياً فإن الزمن الذي منحه قرار مجلس الأمن لتسوية الأزمة السورية يخضع لإستراتيجية الرياض، فهي تريد إدخال القرار في حالة تجميد نتيجة تفاقم الخلافات حول آليات تنفيذه، وهو ما قامت به «إسرائيل» أكثر من مرة وعلى الأخص في القرار 242، وتراهن السعودية على أمرين:
– الأول عملية الاستنزاف التي تقوم بها في أسواق النفط، وذلك في تكرار لما حدث في أفغانستان بغية التأثير على القرار الروسي، ورغم التباين الواضح بين الوجود الروسي في سورية، والوجود السوفييتي في أفغانستان، فالسعودية تنتظر موقفاً أميركياً جديداً بعد عام تقريباً يستفيد من انهيار الاقتصاد الروسي نتيجة حرب الأسعار في أسواق النفط.
– الثاني حدوث تحولات «دراماتيكية» في إيران تجعلها تنكفئ على نفسها، ومثل هذا الأمر لا يمكن حدوثه إلا من خلال مواقف دولية جديدة، وتتوقع الرياض تحولاً في تعامل واشنطن فيما لو فاز الجمهوريون، رغم أن العقوبات على طهران تمت إزالتها بقرار من مجلس الأمن.
رهان السعودية هو انتهاء دورين أساسيين في الأزمة السورية، وتبدو على يقين من أن التحولات القادمة ستخلق انتقالاً يتيح لها دوراً فعالاً في الأزمة السورية، وهي تسعى لتأخير التفاوض إلى منتصف العام الحالي على الأقل، وبعدها تصبح السياسة الأميركية بطيئة نتيجة التحضير للانتخابات ما سيمنح الرياض قدرة أكثر على التحرك، ولكن السؤال هنا لا يتعلق في الرهان على انحسار الدور الروسي والإيراني بشكل متزامن، بل في التأثيرات التي ستتركها الإستراتيجية السعودية على مجمل الخليج بما فيها المملكة، فهي لا تخوض حرباً من أجل دورها في سورية، بل صراع على مبدأ وجودها كجغرافية قادرة على خلق التوازن للسياسات الغربية، وهو دور قامت به منذ تأسيسها لامتلاكها عاملاً دينياً وآخر اقتصادياً، لكن المؤشرات لا تحمل أي إمكانية لمثل هذا الدور التاريخي، فهي أشعلت صراعات خلال السنوات الماضية بدلت موقعها «الجيوستراتيجي» في المنطقة، ورهانها الحالي يبدو مغامرة كبرى لكنها للأسف تحمل حالة تدميرية لمجمل الشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن