قضايا وآراء

بوغدانوف.. المشاورات حول سورية

مازن بلال:

 

يمكن اعتبار مشاورات موسكو بياناً لافتقار الأزمة السورية إلى أي سيناريو جديد، فالحديث عن جنيف1 والحل السياسي هو المخرج لأي لقاء يعجز عن خلق اختراق حقيقي، وحديث ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، «عمّا يجب القيام به من أجل تطبيق بيان جنيف»؛ ينقل صورة تتجاوز تغير خريطة الإرهاب ما بين سورية والعراق، ونوعية الصراع الإقليمي الذي يحاول فرض واقع مختلف منذ بدء العد التنازلي لتوقيع الاتفاق النووي الإيراني.
ما يحاول الطرفان الروسي والأميركي تقديمه من خلال الاتصالات الدبلوماسية الأخيرة هو مناخ سياسي مختلف، والتعامل مع الأزمات وفق تفاهمات باهتة نتيجة عدم القدرة على تبديل المعطيات الجديدة، أو كسر التوازن الذي تفرضه الأزمتان الأوكرانية والسورية على العلاقات بين البلدين، والاهتمام الأميركي، حسب تعبير بوغدانوف، «باستئناف المشاورات الروسية – الأميركية الدورية على مستوى الخبراء لتسوية الأزمة السورية»، يضعنا أمام مسألتين أساسيتين:
– الأولى هي التوازن الذي يمكن أن يتشكل بعد الاتفاق النووي الإيراني، ومن الممكن أن يقود إلى ظهور علاقات مختلفة ضمن منظومة الشرق الأوسط، فإدارة أوباما تراهن على أن الأزمات في منطقتنا باتت أمام خيار إقليمي أكثر منه دولي، والدور الإيراني القادم يتم التعامل معه من خلال منح دول الخليج هامشا عريضا للتحرك السياسي – العسكري، وهذا على الأقل ما طرحته حرب اليمن بغض النظر عن نتائجها.
تهتم واشنطن بتغير الدور الخليجي الذي كان يقوم على الإسناد الاقتصادي، وهي تسعى إلى الحد من توسع الموقعين التركي والإيراني على خريطة الشرق الأوسط؛ بدفع دول الخليج إلى تحالفات مختلفة، وإلى تشكيل طوق سياسي تبدو سورية في وسطه.
– الثاني هو فصل خريطة الإرهاب في سورية عن السياق الذي يتشكل اليوم، وتبدو فيه داعش نقطة تلاق دولية، فالجانب الأميركي لا يريد الدخول في عملية غير محسوبة تقود إلى سيناريو يمنح الحكومة السورية شرعية دولية في محاربة الإرهاب، فالحذر الأميركي يظهر مع حدود الدور الإيراني القادم، فأي شرعية لسورية ستجعل دمشق وطهران في موقع يتجاوز التوازن الذي تريده واشنطن ما بين الخليج وإيران.
بالنسبة لروسيا فإن مقاربتها تبدو مختلفة نوعيا، وإستراتيجيتها أكثر تعقيدا لأنها تربط مسار الأزمات وفق مسار لتشكل نظام دولي مختلف، وتؤسس العلاقات مع أوروبا على أساس أن القضية الأوكرانية يمكن أن تصبح مسألة أوروبية في ظل تفاهمات دولية جديدة، في حين ترى الأزمة السورية نقطة ارتكاز لنموذج سياسي قادم يمكن عبره حل الأزمات الدولية، فالإرهاب الذي يتطور على الأرض السورية سيدفع في النهاية إلى تحالفات دولية – إقليمية، وإلى التقاء ما بين الحكومة السورية والمعارضة، وهو ما تحاول واشنطن استبعاده بأي طريقة لكنها تسعى للحد من الإرهاب بعمليات عسكرية محدودة.
تتغير خريطة الإرهاب ولكن الصورة النهائية لمسار الأزمة السورية عالقة في الخيارات الإقليمية تحديداً، وهو ما سيجعل أي مؤتمر قادم في جنيف خريطة إقليمية وليس حلا للأزمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن