قضايا وآراء

الثوب المريح «لننسج ثوبنا بأيدينا»

| السويد – سهام يوسف

حريٌ بمن يتابع تنوع فصول الحرب الظالمة على سورية وتقلبها وما يحاك ضدها وما يدبر وينسج لها على طاولة الاجتماعات واللقاءات الدولية التي تعقد بشأنها أن يستشعر الخطر ولا يفقد الأمل، فالخطر الذي يجب ألا تغفل العيون والعقول عنه يكمن في جوابٍ عن سؤال يجول في الأذهان وهو: ماذا يجب فعله لمواجهة استحقاقات لابد منها في حال نجحت الجهود الدولية في التوصل إلى وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة تنفيذاً لما تم الإعلان عنه في فيينا؟
وأما مسألة التعلق بالأمل فهذا حق لنا نحن السوريين حتى نرى ونسمع ونقرأ جواب السؤال آنف الذكر… فإما نفقده وإما نتمسك به ليصبح واقعاً ننشده.
وأعتقد بأن حالنا لن يكون حال ذلك الذي أراد جيرانه أن يلبسوه ثوباً جديداً فاجتمعوا عند الخياط ليختاروا له قماش ثوبه وشكله لكنهم اختلفوا فيما بينهم، فبعضهم يريده قصيراً وآخر يريده طويلاً وثالث يفضله فضفاضاً ورابع يحبه ضيقاً.. فقد اجتمعت الآراء على تفصيل الثوب لكنها اختلفت على مقاسه ونوع قماشه وتوزيع أزراره وعراه.
فماذا عساه أن يفعل صاحبه..؟ أليس من حقه أن يختار نوع القماش وشكل الثوب ليكون مريحاً ومناسباً ولائقاً؟
بالتأكيد من حقه أن يبدي رأيه ويبادر إلى تحديد ما يريده ويتمسك بخياره لأنه هو من سيظهر به بين أهله وأقرانه وجيرانه.
سورية لن تكون صاحبة الثوب الذي يُراد نسجه وحياكته وتفصيله لها بأيدٍ عملت جهدها لتقطيع أوصالها وقتلت وخطفت وأكلت أكباد أبنائها.. سورية هي التي نسجت على نولها الحلل البديعة للبشرية عبر تاريخها، ومن أبجديتها وعلومها وفنونها وتراثها وشمس رمالها أشعت نوراً أضاء للعقل البشري في مغارب الأرض ومشارقها دروب السلوك الاجتماعي القويم وأدب الخطاب، وقدمت للإنسانية سلم الارتقاء المجتمعي لمختلف مناحي الحياة وجوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونظم الحكم والديمقراطية، فصوت زنوبيا لا يزال صداه يتردد بين أعمدة تدمر الأثرية ومسرحها ومعبدها برغم أنف قوى الظلام وجهلة العصر الذين حاولوا إسكاته مؤخراً بما أقدموا عليه من أعمال التفجير والتخريب.
سورية لن تغفل عن حشد إمكاناتها وقواها لاستقبال القادم بشأنها من استحقاقات يسعى المتآمرون إلى أن يثبتوا أنها كانت غائبة عنها من حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية وتطور علمي وثقافي ونمو اقتصادي وتنمية مستدامة.. فالمتآمرون عليها يعلمون الفارق الكبير الذي يفصلهم عن اللحاق بما وصلت إليه من تقدم وتطور فخططوا وعملوا على وقف انطلاقتها الحضارية وعمدوا إلى حشد قوى الظلام والجهل لتدمير ما بنته، وتخريب ما أنجزته، كي لا تبقى قدوة ونموذجاً للعيش المشترك وكي لا تكون شاهداً على تخلفهم عن ركب الحضارة أو مثلاً لشعوبهم المقهورة التي مازالت مغيبة عن أدنى مفاهيم الحرية والديمقراطية وقبول الآخر.. تلك الشعوب التي لا تزال تتغنى بدشداشة الملك وكلب الأمير وتنفق الأموال الطائلة لاختيار أجمل تيسٍ وأسرع بعير.
هذا بعض الخطر الذي كانت تمثله سورية عليهم وهذا ما دفعهم للانغماس في مؤامرة لتخريبها وتدميرها وتقسيمها.
سورية وكما هي عبر تاريخها تنبهت لمؤامرتهم وحذرت القريب والبعيد من مخاطر الإرهاب وداعميه وبأنها ضحية مؤامرة تقودها وتغذيها وتدعمها قوى الجهل والظلام، فوقفت في وجه هذه المؤامرة وتصدت لها وأقسم شعبها الأبي وجيشها الوفي وفرسانها الشرفاء على الذود عنها وحمايتها وصون وحدتها وتكريس استقلالها وسيادتها، وها هي تقدم للعالم أجمع دروساً في الصمود والثبات والتمسك بالحقوق.
لاشك في أن سورية لن تقبل ولن تسمح ولن تساوم على الطاولة بإعطاء الإرهابيين وداعميهم ما عجزوا عن الحصول عليه في الميدان ولن تقبل أن يفرض عليها ما لا يقبله شعبها وجيشها وقائدها، فالوطن لمن يدافع عنه والوطن لمن يفتديه بالأرواح الطاهرة والدماء الزكية.. ولن يكون يوماً لمن خان وغدر وتآمر واستحضر قطعان القتل والتخريب إلى ربوعه.
جميعنا يتمنى ويرغب ويصلي ليرى ويشهد الأمن والسلام وانتهاء هذا العدوان الظالم والحرب القذرة المعلنة على سورية، وهذا لن يتحقق ولن تأتِي به جلسات واجتماعات ومؤتمرات فيينا وجنيف وغيرهما ما لم يهزم الإرهاب بأدواته ورعاته ومشغليه ومموليه.
وإن ما يساعد ويسهم في تحقيق الانتصار على معسكر الإرهاب هو اجتماع الإرادات الوطنية لمختلف القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والثقافية والدينية على اختلاف مشاربهم حول طاولةٍ.. وطنية الهوية.. سورية الانتماء.. والاتفاق على مخارج.. ألفها- محاربة الإرهاب وهزيمته- وباؤها صياغة مستقبل مشرق لسورية الموحدة أرضاً وشعباً تحت شعار الدين لله والوطن للجميع.
فجميع المؤشرات تدل على أن بوصلة الانتصار حددت اتجاه الشمال، كاشفةً عن بجعة بيضاء تحمل على جناحيها تباشير الانتصار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن