ثقافة وفن

الحاسة السادسة وخفاياها عند الإنسان .. من «هاجس» و«المعرفة» … السينما العالمية كيف عالجتها؟

| ديالا غنطوس

رجفة في القلب، قشعريرة تسري في الجسد، نبضات غير منتظمة تطرق باب قلبنا وعقلنا لتخبرنا بقرب حدوث أمر ما، لا ندري ما هو، لكنه يقترب، إصرار داخلي على الشعور بأن طارئاً ما قادماً لا محالة، ذلك ما يسمى الحاسة السادسة، وهي الحاسة الخفية التي يتميز البعض بامتلاكها أو بقوَّتها من دون عن غيرهم من البشر، قد يطلق عليها البعض صفة الحدس، ويقول عنها آخرون إنها بعد في الرؤية، ولكن من المؤكد أن العلم يصدق ويؤكد وجودها رغم نفي البعض بحجة أن لا أحد يعلم بالغيب سوى الله، لكن الحاسة السادسة ليست علماً بالغيب بقدر ما هي إحساس لا يمكن نفيه، ومن يستطيع نفي الإحساس…؟

وطبقاً لمقولة إنه «لا دخان بلا نار»، نجد كماً لا بأس به من الأفلام العظيمة التي تبنَّت فكرة امتلاك بعض الناس لهذه الحاسة الخارقة، أفلام لاقت انتشاراً وشعبية وترحيباً من الجمهور كونها لامست ما يشعر به طيف واسع من الناس دون قدرتهم على تشخيص وإثبات هذه المصادفات التنبؤية المحققة، من أهم تلك الأفلام وأكثرها غرابة كان فيلم «هاجس Premonition» الذي أبصر الضوء عام 2007 وحاول من خلاله المخرج مينان يابو أن يعكس رؤيته حول إمكانية استشعار أحداث المستقبل والإحساس بدنو الخطر، بل تعدّى ذلك إلى القدرة على التفاعل مع تلك الأحداث والسعي لتغيير مجراها عبر التنقل عبر الأزمان، ذلك بالتحديد كان يدور في عقل بطلة الفيلم ما حالَ دون الدخول في مواجهة حادة مع المنطق، الفيلم بطولة البارعة ساندرا بولوك وجوليان مكماهون، يؤديان دور زوجين من الطبقة المتوسطة، ليندا وجيم، علاقتهما العاطفية روتينية إذ يبدأ البرود بالتسلل إليهما، يعيشان في منزل مريح في أحد الضواحي مع طفلتيهما، تتلقى ليندا خبراً في صباح أحد الأيام عبر رجل شرطة مفاده أن زوجها جيم قد لقي حتفه في حادث سيارة، تتخبط بين تصديق الخبر وتكذيبه وتصاب بالذهول، يزداد ذهولها حين تستيقظ صباح اليوم التالي لتجد زوجها حياً يرزق يتناول الفطور، ظنت أنها تحلم وأن كابوساً يراودها، لكن أيهما الكابوس؟ موته أم عودته للحياة؟ ازداد تخبطها واضطرابها حين تأكد نبأ وفاة زوجها وحضرت مراسم الجنازة، لكنها ذهبت إلى مكان عمله ووجدته هناك واكتشفت تفاصيل في حياته كانت تجهلها، كالعلاقة التي تربط بينه وبين السكرتيرة، يمضي اليوم بوجوده حياً لكنها تفيق في اليوم التالي لتجد المنزل يتشح بالسواد حزناً على فقدان جيم، وتزداد اضطراباً فيظن الجميع أن الجنون نال من عقلها، لكنها تكتشف مع الوقت أن هذا التخبط نتجَ عن اختلالٍ في ترتيب تواتر الأحداث في ذهنها، حيث أصبح اليوم هو البارحة وأتى الغد قبل اليوم وهكذا، ولخشيتها على حياتها التي باتت قاب قوسين من الانهيار، نجدها تسعى إلى إعادة ترتيب الأيام في عقلها من أجل فهم ما يجري وترميم حياتها الزوجية الفاشلة والحيلولة دون وقوع الحادث الذي سيودي بحياة زوجها الخائن، لنرى بأن سعيها الحثيث مبني على اقتناعها ويقينها بأن كل ما يحدث ما هو إلا حدس ورؤيا تُنبئها بما سيحصل قبل حدوثه.
وفي السياق ذاته إنما بمضمون مكثف وإيمان صريح بفكرة القدرة على التنبؤ، قدم المخرج أليكس بروياس فيلمه «المعرفة Knowing» عام 2009 من بطولة النجم نيكولاس كيج الذي جسَّد دور بروفسور الفيزياء الفضائية جون كيسيل، تبدأ أحداث الفيلم عام 1959 خلال حفلِ نظمته مدرسة ابتدائية طُلب خلاله من التلاميذ أن يكتبوا أو يرسموا تخيلاتهم حيال المستقبل ومن ثم دفنها في كبسولة معدنية في ساحة المدرسة، على أن يتم فتحها بعد خمسين عاماً، وعند انقضاء تلك المدة، حصل البروفسور جون كيسيل بالمصادفة على الورقة التي تعود للطفلة الغريبة الأطوار لوسيندا، وقد احتوت على أرقام عشوائية يتبين فيما بعد أنها تحدد من خلالها تواريخ لكوارث تحققَ بعض منها والبعض الآخر على وشَك الحدوث في المستقبل القريب، تمكنت لوسيندا من معرفة عدد الضحايا مع تحديد أماكن وقوعها عبر أرقام تُشكِّل إحداثيات، فكانت هذه الورقة محور الفيلم، حيث يسعى البروفسور كيسيل لفك تلك الشفرات والرموز، على الرغم من إيمانه سابقاً بأن الحياة عبارة عن سلسلة أحداث وأخطاء عشوائية، لكن تأكده من صحة تحذيرات وتنبؤات الطفلة لوسيندا ومعرفتها لنهايات كل شيء سبَّب له صراعاً داخلياً دفعه للتيقن من قدرة البعض على التنبؤ وأن كل شيء يجري كما هو مقرر له أن يحصل، وخصوصاً بعد أن شهدَ حادث تحطم طائرة وإنقاذ الناس من حادث غريب في مترو أنفاق نيويورك، وكانت معلومات الحادثين ووقت وقوعهما ومكانهما مدوّنة مسبقاً في تلك الورقة، فيأخذ على عاتقه مسؤولية حماية سكان الأرض من الكارثة التالية والأخيرة المذكورة في قائمة التنبؤات الواردة في الورقة، وهي دمار طبقة الأوزون الذي سيحدث جراء إشعاع شمسي عظيم سيجتاح الأرض وقد يؤدي لنهاية العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن