ثقافة وفن

يتغوّل البعض اليوم في تكريس ثقافة الدمار من خلال اللوحة التشكيليّة … أكسم طلاع لـ«الوطن»: بياض غامق في بيروت هو إصرار على الحياة والتفاؤل من دمشق

| عامر فؤاد عامر

الحروفيّة هي المنهج الذي يشكّل فيه فكان خطّه وتميّزه، قدّم وشارك في مجموعة كبيرة من المعارض الجماعيّة والفرديّة في سورية والوطن العربي وبلدان أجنبية، لكنه تفرّد خلال سنوات الحرب في جديّة منهجه واستمراريّته على خدمة الجمال والحياة التشكيليّة فكان سفيرها بامتياز ومعبّراً عن ابن الوطن المتوازن في منتجه وريشته ومنهجه وفكره. الفنان أكسم طلاع وبعد عودته من بيروت ومعرضه الفردي الذي سماه بـ«أبيض غامق» معنا من جديد في هذا الحوار:

• لماذا بيروت؟ وقد مرّ أكثر من عامين على عدم مشاركتك في معرض فردي ضمن دمشق، وقد رأيناك في معارض جماعيّة خلالها؟
بحكم أنها عاصمة قريبة، وفيها وجود للمثقفين والتشكيليين من السوريين وغير السوريين، ولي في بيروت أصدقاء قبل الأزمة؛ وكانوا يأتون إلينا، ويشاركوننا في ملتقيات تشكيليّة، وفي عام 2013 كان المعرض الأول لي في بيروت في صالة الأونيسكو في قصر الثقافة، والثاني الذي كان في منتصف شهر كانون الثاني 2016 وقد دعتني إليه الحركة الثقافيّة اللبنانيّة، وهي مجموعة من شعراء وكتّاب لبنانيين لا يجمعهم خط سياسي بل الثقافة محورهم، والحالة الإنسانية اللبنانيّة – همّهم – والثقافيّة، والإنسانية، ودور ذلك في المجتمعات، وعلاقتي معهم جاءت من خلال وجودي في دمشق، وهم شعراء وكتاب وروائيّون وتشكيليّون، وهم أصدقاء لسورية في كلّ ما يحمله البعد الإنساني من معنى.

• «أبيض غامق» كان عنوان معرضك في الأونيسكو ببيروت، ويحمل بعداً جماليّاً فما الذي أردته من هذا الاسم؟
يصيب الفنان نوع من الارتداد حول تعبيرٍ ما، يُخلقُ بسبب مفارقةٍ على المستوى النفسي، والإعلامي، والمجتمعي، ففي الحقيقة لا يوجد أبيض غامق! فالأبيض معناه واحد، ولا يأخذ احتمالاً آخر، لكن جاء التأكيد هنا على دور البياض والتفاؤل في هذه الحياة، فإن تأتِ من مكان فيه حرب، ومكان يعاني، حاملاً رسومك من دمشق وتعرضها في بيروت، فهذا له دلالة كبيرة، وكان من الممكن أن أعرضها في دمشق.
لكنني حملت صورة الفنان السوري الذي يأتي من دمشق إلى بيروت ليعرض أعماله، مختاراً ساحة جديدة وجمهوراً جديداً ثم يعود إلى دمشق مجدداً، بمعنى أنها رسالة من دمشق إلى بيروت، فدمشق ما زالت قادرة على إنتاج الحياة، وصناعتها، وتقديم اللون الأبيض على الرغم من كلّ الأسود المحيط، فكان هذا هو التعبير ورسالة المعرض.

• ما الجديد الذي ميّز معرضك «أبيض غامق» ومن المعلوم أن منهجك المتّبع هو الحروفيّة؟
الموضوع الأساسي حول الحروفيّة بالطبع، ولكن هذا المعرض يحمل اختلافاً من حيث مقاسات الأعمال، والتكنيك، والطرح، فقياسات الأعمال كانت في عدد كبير من الأعمال الصغيرة الحجم دون المتر، لسهولة النقل من مكان لآخر، لكن هناك أعمال كبيرة الحجم أيضاً. أمّا التكنيك فاللون كان أقلّ، وهناك تقشف لوني واضح، والاتجاه نحو الجرافيك كان أكثر هذه المرّة، فمن شاهد المعرض وجد الأبيض ودرجات الرمادي باتجاه الأسود هو الطابع العام للوحات.
حصل انسجام بين التكنيك والفكرة فهناك الشعر الصوفي وكلمات من نصوص محكية وفصحى لها تأثير في القارئ وذاكرة المثقف فاقتطفتها بما يتلاءم مع اللوحة فالمعنى يصبح بلغة أكثر تعبيراً للمتلقي فهناك نص إلى جانب اللوحة والتي تحمل فضاء أوسع وترددات بين كل لوحة ونص فهذا الأسلوب يعني صداقة الشعر واللوحة التشكيلية وعموما الحروفية التي اعتمدها هي هذا المكان بين التصور والتشكيل وأنا معني بهذه المسافة فلا أنا شاعر ولا معني بالصورة مباشرة بل اهتمامي بمساحتي الخاصة من الحروفية بين المنتجين.
شاركت بـ60 لوحة، واستمر المعرض يومين في قاعة الأونيسكو، والحضور دعت إليه الحركة الثقافيّة من أصدقائها، ومجتمعها، فكان المعرض حاشداً بالحضور وفوجئت في الكمّ، وفي الوقت نفسه تزامن معرضي مع معرض آخر حمل اسم «عطر الأطفال» حمل 150 لوحة لفنانين أطفال أشرفت عليهم الفنانة التشكيلية خيرات الزين من خلال الدورات التي كانت تقيمها في الشمال والجنوب اللبناني والبلدات والمخيمات الفلسطينية، وكان المعرض برعاية الحركة الثقافية، وهذا ما أدخل جمهوراً إضافياً إلى معرضي.
وأيضاً يمكنني قول بأنّه كان هناك حوار يومي مع الوسط المثقف إضافة للتفاعل الإعلامي في لبنان حول اللوحة التشكيلية والثقافة وتأثيرها ودورها ومدى صمودها في الحياة والتفاؤل في نهايات هذه الأزمة.

• لاحظنا مؤخراً تشويهاً لثقافة الجمال في الحركة التشكيليّة ما تعليقك في ذلك؟
الجمال يملك رسالة بحدّ ذاته، وهو لا يحتاج محامياً ليدافع عنه، فهو من يحمل بحدّ ذاته تلك الرسالة، فالجميل هو من يجعل من المتلقي مدخولاً إلى حضرته، وبالتالي يهيئه إلى موقف لائقٍ في إنسانيته، فأتفاجأ أن بعض منتجي الفنون يميل للقبح، وأصبح مع مرور الوقت شيء اسمه فنّ القبح، وهو نوع من ردّات الفعل تجاه ما يحدث، وهو أمر شخصي في الفنان ذاته، ولا مشكلة في ذلك، لكن المشكلة تكمن في دعوة الناس لرؤية هذه البشاعة في البيت أو المرسم! فالآخر غير معني بالقبح، حتى يتمّ تعميمه، وأنا مع تعزيز ثقافة الجمال، ومع نشاط توسيع دائرة البياض، ومع تعزيز ثقافة الحياة، فالعنوان هو «فنون جميلة» ولم يقولوا مرّة «فنون قبيحة» أو بشعة، وبالتالي هناك تغوّل عند البعض في تكريس مفهوم القنّاص في الحرب، أو الدّمار، أو الهدم، من خلال اللوحة التشكيليّة، وكلّ ذلك ردّة فعل تجاه الحرب، وما يجري، لكن لا أعتقد أن المجتمعات تقبل في تكريس هذه الحالة، وتمثيلها، وحفظها، لكن من الممكن تلقيها بحكم أنها درسٌ لها فقط، ولا أكثر من ذلك، فهي مؤقتة لأنها ظاهرة استثمار، وهي ظاهرة مبنيّة على خراب، والفنون صفتها الدوام النابع من مدى أثرها في الإنسانية، وتعيش أطول، أمّا الفنّ العارض الذي له علاقة بالموضة، وبالنزعات، وبالاستهلاك، وبالنزعة التدميريّة، أو المتعلقة بالحرب، والقتل، وما شابه، فهذه كلّها تحت أقنعة منها سياسي، ومنها دعائي، وهذا كلّه بعيد عن أخلاق الجمال، وهذه الظاهرة من يتبناها هو المال، فيتمّ الطلب لرسم أشياء محددة، وفيما بعد تتمّ الإشارة إلى أن السوريين هذه لغتهم، فانظروا! ولكن لغة السوريين كبيرة، وأرقى بكثير مما يتطلّعون، فالياسمينة تبقى كما هي، مهما صار من مشاكل حولها، ومهما تغيّرت الهويّات، فالسوري يبقى على سوريّته، ومهما اتجهنا شمالاً غرباً وفي أي اتجاه يبقى الوطن وطناً، ونحن ننتمي لهذا الجمال، ولست مع فنّ القبح المعدوم الرسالة.
يبدو أن قدرنا كسوريين، وكفنانين، أن ننتج من بياضنا الغامق إصراراً منّا على الحياة والتفاؤل مهما كان الأسود داكناً.

• ما الطارئ الذي حصل في الفنون التشكيليّة خلال فترة الحرب برأيك؟
انعدمت بعض الألوان فقط، فالزاهي منها خبا؛ لكن بقي اللون لوناً، والمنتج منتجاً، وبقي المشغول في الفنّ باقياً على انشغاله، فالحياة لم تنعدم ولو انحسرت بعض المفردات، على الرغم من وجود الألم، والكم الكبير منه.
انتشرت المعارض الجماعيّة في دمشق لأن هذه الحالة أوسع، تستقطب جمهوراً كبيراً، والتأثير فيها أكبر، وهذه التظاهرة تزيد من صف المقبلين على الفنّ، وصف المنتجين، ناهيك عن تكلفة المعرض الفردي، والصوت الإفرادي، والحضور الأضعف، ولاسيما أنّ الصالات الخاصّة معدومة التأثير، والدور اليوم، فأصحابها أغلقوا الأبواب، وسافروا مع أموالهم، ليفتحوا صالاتهم خارج البلد، وهم غير معنيين بما يحصل في البلد، وفي الحركة التشكيليّة بل هم معنيون لما يدخل جيوبهم، ولذلك نعرض اليوم في الأماكن العامّة، وفي المراكز الثقافيّة، وفي النوادي الثقافيّة، وفي أي مكان يجمع الناس، وفي كلّ أسبوع نجد معرضاً، وهناك خمس دفعات من خريجي الفنون عبر خمس سنوات سابقة بمؤهلات كافية وقوية تجعلهم قادرين على المشاركة في معارض تشكيليّة.

• هل من نشاطات فنيّة جديدة تخصّك في الفترة القادمة؟
هناك تحضير لمعرض جديد في نهاية عام 2016 وستكون أمور الوطن بخير والتعافي موجود إن شاء الله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن