قضايا وآراء

جنيف3… ولعبة تقاسم الأدوار

| صياح عزام

أخيراً حدد المندوب الأممي «دي مستورا» موعد المفاوضات بين الدولة السورية وما يسمى المعارضة يوم 29/1/2016، نتيجة للإصرار الروسي- الأميركي على ضرورة بدئها قبل نهاية الشهر الجاري بعد أن كان موعد بدئها في الخامس والعشرين منه، ووجه الدعوات للحضور.
ومن الملاحظ أن هوية الوفد السوري المعارض وتركيبته تعكس بشكل جلي تدخل أطراف دولية وإقليمية، وبالتحديد السعودية وقطر وتركيا، في جدل الأسماء والمكونات ولعبة تقاسم الأدوار ووظائفها.
فتشكيلة وفد مؤتمر الرياض ضمنت للمحور السعودي- التركي- القطري حضوراً كثيفاً على مائدة جنيف؛ الأمر الذي يجعل هذه المفاوضات رهن قرار إقليمي بامتياز تحدده أطراف المحور المذكور وخاصة السعودية، وبهذه الطريقة، يمكن ضمان حصة لكل طرف في شكل الحكم والحكومة والمؤسسات في المرحلة القادمة، وبمثل هؤلاء وعبرهم، يمكن التحكم بالوجهة التي ستسلكها سورية بعد انتهاء الأزمة فيها، وتحديد خياراتها وتحالفاتها.
لهذا شهدنا ما يشبه القتال (حتى الطلقة الأخيرة) سياسياً، من قبل المعارضة ومن يوجهها، بل يملي عليها، لضمان الزج بجميع أو معظم عناصر الوفد إلى محادثات فيينا.
التشكيلة راعت تمثيلاً وازناً للأطراف الثلاثة… فقد مثل جيش الإسلام بـ(محمد علوش) وبموقع «مقرر»، ومثل الإخوان المسلمون بأسماء محسوبة عليهم، وحصلت تركيا على حصتها في الوفد، بما في ذلك تغييب الأكراد بناء على طلبها.
أما المعارضات التي لم تتلطخ أيديها بالدماء ولم تحمل السلاح، فقد غيبت، أو قد تسند إليها مواقع هامشية استشارية تقريباً.
بطبيعة الحال لن تقبل روسيا بمثل هذا التغييب المتعمد، وتصر على أن تمثل جميع أطراف المعارضة السورية، إما مناصفة في الوفد الموحد، أو من خلال مائدة تفاوضية ثلاثية الأعضاء تضم وفدين منفصلين للمعارضة مقابل وفد الدولة الرسمي.
المشكلة أن الإدارة الأميركية تبعث برسائل متناقضة حيال هذه المسألة، فهي من جهة، تعتمد إستراتيجية التعاون مع روسيا للوصول إلى حل سلمي في سورية، وهي من جهة أخرى لا تريد أن تخذل حلفاءها في دول المحور الثلاثي، بمعنى أن حساباتها تجعلها قابلة للمساومات والمقايضات، إلى جانب ذلك، تستخدم الورقة الروسية فزاعة للضغط على حلفائها الإقليميين لتليين مواقفهم، وإلا فإن روسيا ستنسف المفاوضات، إن لم يؤخذ بمبدأ «المناصفة» في تشكيل الوفد أو ترتيب طاولة يجلس عليها وفدان معارضان مقابل وفد الحكومة السورية.
إن التوافق الدولي على الحل في سورية موجود، وقد تأسس على الخشية من انهيار سورية ومؤسساتها، وتفشي الإرهاب وتفاقم مشكلة اللجوء، فضلاً عن احتمالات حصول صدام مباشر بين الأطراف الإقليمية والدولية.
والجدير بالذكر أن وفد الرياض قد خابت آماله حول مطالبته بتشكيل هيئة حكم انتقالي، والعودة من جنيف حاملاً مفاتيح السلطة في سورية، حيث أفادت الأنباء أن وزير الخارجية الأميركية «جون كيري» أبلغهم بأن مؤتمر /جنيف3/ سيناقش مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية مشتركة مع النظام القائم في دمشق الآن، وتعديل الدستور وإجراء انتخابات، وأن الأمر المهم الآن هو التركيز على وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، وهذا ما جعل أوساط وفد الرياض تعلن عن امتعاضها من هذا الموقف الأميركي.
على أي حال، يمكن تسجيل بعض الملاحظات المهمة حول جنيف 3 المرتقب منها:
– إن المعارضة ولاسيما منها التابعة للسعودية لا تملك قراراً مستقلاً، بل ستخضع أثناء عملية المفاوضات لإملاءات خارجية، وهذا ما أكدته أنباء وتقارير تحدثت عن أن العديد من الخبراء والمستشارين الغربيين سيقومون بدور «الملقن» لوفد الرياض.
– إن هذه المعارضة تميزت بسلوك عدواني ضد سورية قبل بدء المفاوضات، ومن ثم ، فهذا السلوك سيستمر أثناء التفاوض ويعرقل الوصول إلى حل مقبول.
-ستعمل السعودية على زرع الألغام في طريق التوصل إلى أي حل يقبله جميع الأطراف لكونها تريد حلاً لمصلحتها ثم لمصلحة شركائها.
– هناك تكالب سعودي- تركي- قطري للحصول على حصة من الكعكة السورية، وهذا ما دلت عليه تشكيلة وفد الرياض على أساس المحاصصة بين هذه الأطراف.
على أي حال، الدعوات وجهت من المبعوث الأممي إلى سورية لكونه المفوض بذلك من روسيا وأميركا، ولن يكون المشاركون في اجتماع جنيف المرتقب وفق ما تريده السعودية وحلفاؤها.
يبقى المهم، هو أن الواقع الميداني على الأرض أصبح واضحاً بأنه يميل لمصلحة الجيش السوري وخاصة في ريف اللاذقية وحلب إضافة إلى الجبهة الجنوبية ولاسيما بعد طرد الإرهابيين من مدينة الشيخ مسكين ذات الموقع الاستراتيجي المهم، ومن ثم فإن ما لم يحصل عليه الإرهابيون ومن وراءهم بالقوة، فلن يحصلوا عليه في جنيف 3.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن