ثقافة وفن

مسرح مدرسي مهجور تمثّل فيه الأشباح والمدارس لا حول ولا قوة

| سوسن صيداوي

ارتباط التمثيل بالطفولة ليس بمصادفة، ففي السنوات الأولى يتوجه الطفل إلى تكوين شخصيته من خلال لعبه ومرحه بين الأهل والأصدقاء، وتظهر قدرته العالية والواضحة على نسج قصص من الوسط المحيط به إضافة إلى تخيلها والتفاعل معها عبر سيناريو يؤلفه ويخرجه ويمثله، وبالنتيجة ومن دون وعي مقصود منه تصبح علاقته بالمسرح اندماجية، ومن هنا ومرورا بالمدرسة ستجد هذا الطفل منطلقا مجتهدا أو العكس.

المسرح المدرسي…. معنى
مؤخرا ظهرت توجهات فنية وتربوية بضرورة ربط المسرح بالتربية، للاستفادة من المسرح كوسيلة تربوية تعليمية، انطلاقا من فكرة أن المسرح المدرسي يقدم عروضا مسرحية تحكي مواقف ومواضيع حياتية تهم التلاميذ تربويا وعلميا وبالطبع ذات صلة بالمنهج العلمي، يقدمها التلاميذ أنفسهم تحت إشراف المدرسين ولكن ضمن أسلوب بهيج ومفرح.

المسرح والتربية في علاقة وثيقة
مادام هناك علاقة جدلية بين المسرح والتربية على اعتبار المسرح من أهم الوسائط الفاعلة فـي بنـاء شخصية الطفل وتنمية قدراته العقلية، ومن خلال تقديم الخبرات الإنسانية، لكونه وسيلة إعلامية وتربوية وتعليمية وترفيهية، جامعا بين عناصر منها الأحداث والأفكار والشخصيات والحوار والزمان والمكان وغيرها، مع توظيفه في الأنشطة التربوية وإقحامه بحيث يصبح جزءاً لا يتجزأ من الخطط والمناهج الدراسية، وذلك بالاعتماد على نشاط التلاميذ ومشاركتهم.

مادّة المسرح بداية خلق للشخصية واستكشاف للحياة
لقد تبنت أهم النظريات النفسية المسرح باعتباره ركناً مهماً في التكوين النفسي للطفل، وبالنسبة للعمل المسرحي المدرسي سواء أكان يمارس داخل الفصل الدراسي أو في قاعات العروض التي توجد داخل المؤسسة التعليمية، فإنه يتطلب تفهماً دقيقاً لنفسية الطفل وظروفه مع إمكاناته من الأساتذة المدرسين والمربين على اعتبار أن أنشطته ليست لترفيه الطفل أو لسد أوقات فراغه، بل هو ناقل للمعلومات العلمية الصحيحة وكل ما هو نافع وناجح، ومن خلال العروض المسرحية المدرسية أو الفصلية يتم دفع التلميذ إما للمشاركة فيها وإما إلى تلقيها، الأمر الذي يعالج انطوائيته، ويبدو هذا واضحا من خلال التفاعل المباشر بين التلاميذ الممثلين على خشبة المسرح من جهة وبين جمهور المشاهدين في المجتمع المدرسي، وأيضاً من خلال تشجيع التلاميذ على النقد والرغبة في النقاش، وخصوصا أن ما يميز الأطفال في فترة التعليم الأساسي بأنهم من فئة عمرية تتمتع بذهنية رطبة، حيث يكون من السهل تأسيسها والتأثير فيها وتقويم السلوك فيها بتعزيز الثقة بالنفس والانفتاح على الآخر مع تشجيع الإبداع والخيال وتقوية التركيز والملاحظة.

المسرح المدرسي ضرورة تعليمية وتربوية
تتميز المدرسة دائما بسعيها الجاد لإكساب تلاميذها صفة الالتزام والانتظام، مع السعي الحثيث في الاجتهاد، وعلى الرغم مما تتمتع به المناهج الدراسية من جودة إلى حد ما، فهي مملة وتحمّل الطفل عبئا كبيراً في المعلومات، هنا ذهب الكثير من الباحثين التربويين سواء السوريون أو العرب وحتى الأجانب، إلى التمسك بأهمية المسرح المدرسي أو بأهمية ما يسمى بالمسرح الفصلي «الصفي» والذي يقوم خلاله معلم المادة التعليمية بعرض تمثيلي بسيط بهدف مساعدة التلاميذ على توضيح المواقف التعليمية التي يتعرض لها أثناء الدراسة سواء أكانت علمية أم تاريخية أم أدبية، وذلك لمساهمة أنشطته في كسر جو الملل والرتابة وأسلوب التلقين، كما ويصبح تقديم المعلومات أكثر حيوية، الأمر الذي يجعل التفاعل الذهني للتلميذ في أعلى مستوياته لاستقبالها.

نحو جيل يعيش التواصل الحضاري
لضرورة خلق جيل واثق متمتع بالمرونة وقادر على مواكبة الانفتاح والتطور مع التواصل بكل ما هو محيط، انطلق الكثير من الباحثين التربويين من فكرة ضرورية وهي تفعيل المسرح في المدارس الرسمية ومن خلال ما يسمى بـ «مسرحة المناهج» كوسيلة تعليمية وتربوية، فـ «المسرحة» تتم من خلال تمارين وتقنيات مسرحية متنوعة كالارتجال مثلا، أو التعبير الجسماني، أو حتى تحويل المعلومات المنهجية إلى مقاطع غنائية بسيطة، وذلك يتطلب بالضرورة تأهيل المعلمين.
صحيح أن الفكرة معقدة وغريبة وهي بالفعل صعبة ولكن ضرورتها لا تمنع من المحاولة والسعي الجاد في التطبيق وخاصة بعد أن تم اعتماد هذا الأسلوب في العالم وبعد أن ثبتت جدارته وأهميته في التأثير على التلاميذ ودفعهم لتطوير تحصيلهم العلمي بعيدا عن رتابة وروتين المناهج.

المسرح المدرسي مشروع حاجة وليس مشروع رفاهية
بعد أن احتل المسرح مكانا مهما في المناهج التربوية العالمية المتقدمة أصبح دعم المسرح «حاجة» في المدارس الرسمية السورية، وفي هذا الإطار لابد من الاستئناس وذكر بعض من توصيات مؤتمر (علاقة المسرح بالتربية وتنمية الذائقة الفنية من الطفولة حتى الشباب)، الذي عقده المجلس الأعلى لرعاية الفنون والأدب والعلوم الاجتماعية في عام 2005 في جامعة دمشق، بمشاركة عدد من الباحثين العرب والفنانين من دول عربية هي (العراق، الجزائر، دولة الامارات، الأردن، سورية)، حيث شدد المؤتمر على إبراز دور المسرح المدرسي في تنمية الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية لدى الأطفال، وضرورة مخاطبة الجهات المختصة باستحداث مادة للتربية المسرحية في المقررات الدراسية، مع السعي لإعداد مشرفين ومعلمين في المسرح التربوي في المعاهد والمؤسسات التعليمية، وأيضاً إقامة مهرجانات سنوية للمسرح التربوي على المستويين: المحلي والعربي.
صحيح أن حركة المسرح المدرسي تحبو بشكل متعثر جدا إلا أن الواقع الذي لا يمكن تجاهله والذي يجدر ذكره أنه في عام 2010 انطلقت فعاليات مهرجان المسرح المدرسي الأول في سورية، بأربعة عروض مقدمة من طلاب مدارس هواة في محافظة دمشق وعلى ثلاثة مسارح مدرسية لينتقل بعدها إلى جميع المحافظات السورية، ضمن مساعي وزارة التربية للعمل على مسرحة المنهاج المدرسي، وفي وقتها أعلنت الوزارة ولأول مرة عن مسابقة لتعيين خريجي التمثيل في مديرية المسارح المدرسية وأيضاً في ذلك الوقت ولصعوبة تجهيز جميع المسارح المدرسية دفعة واحدة، وضعت مديرية المسرح المدرسي خطة للإصلاحات والتجهيزات كي يتم تجهيز مسرح كامل في كل محافظة.

خبرات وإمكانات ضعيفة
هناك معوقات كثيرة تحول دون تطوير المسرح المدرسي أو الفصلي، فوجود قصور فـي برامج الإعداد بالنسبة إلى معلم التعليم الأساسي في المدارس مع التباين بين ما يدرسه المعلم في مرحلة الإعداد مع ما يطبقه، كما أن غياب العمل المسرحي المدرسي في لـوائح التربيـة والتعليم عن الحضور المؤثر والفاعل في المعلومـات المراد نقلها إلى التلاميذ، إضافة إلى فقر المدارس بالمراكز المعدة أو بالوسائل التعليمية للتدريب عليها، والفروقات بين النشاط المسرحي المدرسي وتوعية التلاميـذ بتـراثهم والبيئة المحيطة بهم، مع أهمية الغاية والمتمثلة بضرورة رفع مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ، كلها معوقات سيكون من السهل جدا تجاوزها مع الوقت، ولكن ليس بالصبر والانتظار بل بالسعي الجاد لتنفيذ كل الأفكار والخطط الموضوعة مع التمتع بالجرأة والمرونة لتفعيل كل ما هو ساكن بخصوص المسرح المدرسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن