اقتصادالأخبار البارزة

التشاركية في زمن الحرب.. كي لاتكون فرصة لتبييض أموال تجار الدم … فضليةلـ«الوطن»: القانون تحضير لإعادة الإعمار ويجب الحذر من تجار الأزمة .. عربش: قد يكون ممراً للفساد حالياً والمطلوب إصلاح الإدارة

| علي محمود سليمان

صدر القانون رقم 5 حول التشاركية بين القطاعين العام والخاص منذ أسبوعين تقريباً، بعد جدل امتد سبع سنوات، بين مؤيد ومعارض، منذ أن أصدرت الحكومة القرار رقم 477 بتاريخ 28 كانون الثاني عام 2009 القاضي بتشكيل لجنة خاصة مهمتها إعداد الإطار التشريعي والتنظيمي والمؤسساتي للشراكة في سورية، والتي بينت: أن القانون الذي يتم إعداده بالتعاون بين مجموعة من الخبراء المحليين والأجانب وبدعم من بعض الجهات الدولية، سيتناول الأحكام القانونية الأساسية الضرورية اللازمة لإنجاح تطبيق الشراكة، وسيوفر الشفافية في مختلف مراحل وإجراءات الشراكة وسيضمن الحماية القانونية لجميع الأطراف والجهات ذات العلاقة في عملية الشراكة، وهي الخاص والمستفيدون من الخدمات والحكومة.
بعد يومين من صدور القرار، أعلنت الحكومة عن إستراتيجية الشراكة، للمرة الأولى، وذلك خلال مؤتمر شراكة القطاعين العام والخاص، الذي أقامته الجمعية البريطانية السورية في 30 كانون الثاني عام 2009، وبعد عام و4 أشهر طرحت وزارة الصناعة (15) شركة صناعية عامة للاستثمار، ضمن فعاليات مؤتمر الاستثمار السوري السعودي (أوائل نيسان 2010). كما تم طرح مشروعات أخرى في قطاعات النقل والنفط والكهرباء.
وكانت الحكومة تعتزم من خلال هذه الشراكات تنفيذ (10%) على الأقل من الاستثمارات الإجمالية المطلوبة لتمويل تطوير البنية التحتية (إنشاء وصيانة) حتى عام (2015) التي قدرت بنحو 50 مليار دولار (أكثر من 3 أضعاف موازنة الدولة عام 2009 وقد كانت نحو 14 مليار دولار).
اليوم، وبعد صدور القانون المنتظر في العام الخامس من الحرب على سورية، تبرز التساؤلات التالية، هل هناك بيئة اقتصادية مستقرة تساعد على تطبيق هذا القانون، وتشجع رأس المال الخاص للدخول في شراكات فعالة مع الحكومة؟ ومن الشركاء المتوقعون في هذه الظروف؟ أليس الخوف مشروعاً هذه اللحظة من أن يشكل القانون ممراً آمناً لتبييض أموال أمراء الحرب وتجار الأزمة؟ وعملياً، هل هناك بنية تحتية قادرة على استيعاب هكذا قانون يعول عليه تصحيح الخلل التاريخي في علاقة القطاع الخاص مع الدولة؟
كل ذلك غاب عن التصريحات الرسمية وقت إصدار القانون، والتي جاءت على لسان وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية همام الجزائري الذي أوضح أن القانون رقم 5 يشكل إطارا تشريعيا ينظم العلاقة بين القطاعين العام والخاص ويلبي الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية المتنامية التي تشهدها سورية وخاصة في ترميم وإعادة تأهيل وتطوير وتوسيع البنى التحتية والمشاريع الحيوية.
وبيّن أن القانون يتيح الفرصة للقطاع الخاص بالإسهام في عملية التنمية الاقتصادية كشريك أساسي وفاعل في عملية الإعمار والتنمية كما يهدف إلى تعزيز تطوير القطاع العام من خلال التشاركية مع القطاع الخاص التي ستأخذ شكل علاقة تعاقدية لمدة زمنية محددة ومتفق عليها بين الجهتين.
موضحاً أنه بموجب الاتفاق يقوم الشريك الخاص وبعد تحقيق متطلبات الوثوقية والمصداقية بالاستثمار المشترك مع الجهة العامة في تصميم أو إنشاء أو تشغيل أو تنفيذ مشروع أو مرفق لصالح الجهة العامة بهدف المساهمة بتقديم الخدمة العامة أو أي خدمة تتوخى المصلحة العامة.

محاذير التشاركية
أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية لـ«الوطن» أن التشاركية طرحت من قبل الأزمة، ولكن الآن في ظل الأزمة أصبح لها نظرة مختلفة، وذلك بوجود شريحة اغتنت من الأزمة وظروفها بشكل شرعي أو غير شرعي، مثل أصحاب الأصول والمكتنزات من القطع الأجنبي وتجار السوق السوداء وتجار السلع الغذائية.. فهؤلاء تكونت لديهم رؤوس أموال ضخمة، وهم أنفسهم قبل الأزمة لم يكونوا بهذه القوة، وقد تفتح التشاركية الباب لهؤلاء ولأموالهم الشرعية أو الغير شرعية، ولكن لا يمكن تسمية دخولهم في مشاريع التشاركية بأنه تبيض أموال بشكل مباشر، حيث إن تبييض الأموال يكون من أنشطة غير شرعية، ولكن في حالة تجار الأزمة فهم يقومون بنشاطات شرعية ولكنهم يحققون أرباحاً غير عادية نتيجة فروق سعر الصرف وظروف الأزمة، لافتاً إلى أن هناك تخوفاً من أن يندس بين المستثمرين الحقيقيين من يسعى لتبيض أموال من أنشطة غير شرعية كالاتجار بالقطع الأجنبي أو غيره.
وحول حاجة القطاع الخاص إلى استقرار اقتصادي وخاصة من ناحية سعر الصرف ليدخل ضمن مشاريع تشاركية مع القطاع العام في ظل هذه الأوضاع، فقد رأى فضلية أن القطاع الخاص لا يحتاج إلى استقرار فوري، حيث يوجد من القطاع الخاص من له صلات بالحكومة وموجود في السوق واستمروا خلال الأزمة ويعملون مع الجهات الحكومية وغير الحكومة ويشتغلون ضمن الأزمة وخارجها، ولكنهم لن يباشروا بالاستثمارات الجدية قبل لحظ إشارة أولية لقرب انتهاء الأزمة وخاصة لمشاريع البنى التحتية أما العمل التجاري فهو آني ويومي ولم يتوقف، بالإضافة إلى أن أحداً ما لم يدع بأن مشروعات التشاركية ستبدأ فوراً وإنما القانون بحد ذاته هو تحضير لمرحلة إعادة الإعمار.
وبينّ فضلية أن لا تعارض أو صلة بين الهيئات الجديدة التي أحدثت فكرة وقانون التشاركية ولكن وجود هذه الهيئات قد يساعد المناخ الاقتصادي العام وبالتالي يحسن مناخ عقد الشراكات بالشكل المباشر وغير المباشر وينعكس إيجاباً على الاقتصاد ولذلك بدأت هذه الهيئات بعملها والنجاح بتحقيق أهدافها يتفاعل بالشكل الإيجابي مع المناخ الاقتصادي العام ويشجع بشكل غير مباشر أنشطة استثمارية جديدة، مع التأكيد على شرط لحظ إشارة انتهاء الأزمة، لافتاً إلى أن المشاريع التي ستتم تحت سقف التشاركية ستكون ذات رؤوس أموال ضخمة، ولن تلحظ المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وحذر فضلية من حالتين خطرتين يمكن أن تقعا في إطار تطبيق التشاركية، الأولى هي التراخي في حقوق العام تجاه الخاص، أي التقليل من قيمة وحصة أصول القطاع العام عند التشاركية مع الخاص، والتساهل في شروط العقد لصالح الخاص سواء التساهل المقصود أو غير المقصود والتي ستكون من السلبيات وكأنك تهدي جزءاً من مال الشعب إلى فعالية خاصة، والحالة الثانية هي التشدد والمبالغة في وضع الشروط لصالح العام تهربا من المسؤولية أو جهلا وهو ما يفشل التعاون مع الخاص، وهي حالات حصلت سابقاً وهو ما يعرقل توقيع العقود وإنجازها، إضافة إلى انجاز عقود غير مكتملة وواضحة وشفافة وتتطلب تفسيرات وتأويلات مختلفة ومتباينة وشروطاً تعجيزية تربك المشاركة خلال فترة الإنجاز ويوقع الجهتين والمشروع في إرباكات كثيرة.
إشارات استفهام

بيّن الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش لـ«الوطن» أن ما تريده الحكومة من التشاركية يبدو غير واضح المعالم حالياً، فإما هي تريد من القطاع الخاص أن يتولى إدارة القطاع العام بطريقة، أو تحاول إيجاد شكل من أشكال الخصخصة، وحتى الآن لا يوجد جواب واضح لهذه التساؤلات.
لافتاً إلى أن القطاع الخاص لدينا بأغلبه هو قطاع عائلي، والقطاع العام لديه مشكلة رئيسية هي بحجم العمالة الأكبر من احتياجاته، ومعظم آلات القطاع العام تقادمت وثمن قيمتها الدفترية أصبحت أصفاراً، وفي هكذا ظروف يصبح صعباً التكهن بمن لديه الاستعداد للمغامرة برأس المال والإدارة مع القطاع العام الذي سيشاركه في الأرباح، ولذلك لا أعتقد أن قانون التشاركية سيتجاوز مرحلة الورق في هذه المرحلة والظروف.
وأشار عربش إلى وجود تجارب سابقة تشابه التشاركية ولم تكن ناجحة ومنها حالة الشركة الماليزية التي استثمرت الرصيف رقم سبعة في ميناء طرطوس، ثم صفت حساباتها واختفت في ليلة وضحاها بعد أن تراجعت إيراداتها، ولذلك فالمشكلة الرئيسية ليست بإيجاد القوانين وإنما في العقلية البيروقراطية على الاقتصاد السوري التي تؤدي إلى تأخر وتدهور في حالة الاقتصاد السوري، وبالتالي فلن تنفع التشاركية ولا الاشتراكية ولا اقتصاد سوق اجتماعي في تحسين الاقتصاد، إذا لم نصلح الإدارة وندر القطاع العام بعقلية اقتصادية ويحاسب مدير أي مؤسسة وشركة اقتصادية على إنتاجيته، فإذا نظرنا الآن إلى المؤسسات والشركات العامة نجدها كلها خاسرة بسبب الأزمة وقبل الأزمة كلها خاسرة بحجج متنوعة ومختلفة.
وذكر عربش على سبيل المثال معمل الرصاص المتوقف عن الإنتاج منذ سنوات طويلة ومع ذلك حتى الآن عماله تقبض رواتبها، ومعمل الورق في دير الزور تم تسليمه إلى أحد رجال الأعمال وطلب منه تطويره ولم يحدث أي تغير في أداء وإنتاج المعمل، وحدث أن توجهت إحدى البعثات الأجنبية إلى أحد معامل القطاع العام الذي لديه 2400 عامل وخلال المباحثات تم الاتفاق مع البعثة الأجنبية لتستثمر المعمل ولكنها طلبت أن يبقى لديها فقط 150 عاملاً لتستلم تعهد استثمار المعمل، ولذلك من غير المقنع أن يكون هم الحكومة تشغيل العمالة الاجتماعية بإنتاج السلع البسيطة كالمحارم وغيرها، وهنا الخطأ الكبير من وجهة نظر عربش في أن تشغل الناس باسم العمالة الاجتماعية والتي تعتبر بطالة مقنعة لمجرد تغطية الفشل في خلق فرص العمل، ولذلك فإن من المهم لتطبيق التشاركية حل مشكلة البطالة المقنعة التي استنزفت القطاع العام، والواقع أننا أوجدنا القطاع العام وأدرناه بطريقة أوصلتنا إلى هذه الحالة من الفساد، وقد يكون القانون ممراً سهلاً للفساد بالذات في ظل الظروف الحالية.
وحذر عربش من أن يكون قانون التشاركية ممراً لتجار الأزمة لتبييض أموالهم، معتبراً أن تجار الأزمة هم أمراء حرب بدرجة امتياز ومنتفعون من الأزمة، وقاموا بجمع أموالهم غير المشروعة من استغلال الأزمة، ولذلك يجب الحرص على عدم دخولهم في المشاريع التي ستتم في حال تطبيق التشاركية. وقال عربش: إن هناك الكثير من إشارات الاستفهام تدور حول الاستعجال والتسرع من مجلس الشعب لإقرار قانون التشاركية بدلاً من طرحه للمناقشة على الرأي العام للأخذ بالملاحظات ودراستها وخصوصاً أنه قانون مهم جداً وسيكون له دور كبير في تغير الاقتصاد السوري عندما يتم استثماره.

الحق يقال
إذاً في النتيجة، لا خلاف حول أهمية قانون التشاركية، ودوره الإيجابي في تصحيح الخلل في الاقتصاد وفي العلاقة التاريخية مع القطاع الخاص وتعزيز بيئة الأعمال في سورية خلال مرحلة إعادة الإعمار، كما إنه إنجاز يسجل للمشرع السوري في هذا الوقت الاستثنائي، إلا أن تطبيقه يحتاج إلى توفير أدنى شروط الاستقرار في بيئة الاقتصاد الكلي مثل تثبيت سعر الصرف، كما يتطلب وجود رقابة دقيقة للتأكد من مصدر رؤوس الأموال وسمعة الشركاء، لقطع الطريق أمام تجار الحرب لاستغلال الظرف وتبييض أموالهم وصفحاتهم في عالم الأعمال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن