قضايا وآراء

مصر ودورها الإقليمي في ذكرى ثورة يناير

| القاهرة – فارس رياض الجيرودي

شكلت الذكرى الخامسة لما يعرف بثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر مناسبة لإعادة إحياء النقاش حول مدى التغير الحاصل في حياة المصريين سياسياً واقتصادياً بفعل هذه الثورة، والثورة التي تلتها في 30 يونيو حزيران 2013 والتي قدمها رجلها الأول الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي باعتبارها حركة تصحيح للانحراف الذي طرأ على مسار الثورة الأولى، ويتمحور النقاش المصري اليوم بين وجهتي نظر إحداهما تعتبر أن ثورة يناير أجهضت دون تحقيق أهدافها وأن التحالف بين الجيش وطبقة رجال الأعمال المصريين الذي شكل أساس بنية نظام مبارك استطاع احتواء الهبة الشعبية وتقليم أظفارها، ومن ثم أعاد إنتاج نفسه دون أي تغييرات جذرية لا في العلاقات الاقتصادية والإنتاجية في المجتمع المصري، ولا في ملف حقوق الإنسان والديمقراطية ولا في منظومة الفساد التي يعانيها المواطن، والتي سببت اختلالاً في توزيع الدخل القومي بين طبقات المجتمع، ويتبنى وجهة النظر هذه فئة من الشباب وهي الشريحة العمرية التي كانت المحرك الأساسي للثورة في وجه نظام مبارك، وكذلك معظم التيار الليبرالي الذي يستدل على وجهة النظر تلك بقانون الانتخاب الذي أجريت على أساسه الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ما أدى إلى إنتاج برلمان مكون بمعظمه من رجال الأعمال ومن الزعامات المحلية نفسها التي كانت متحالفة مع نظام مبارك.
كذلك يتبنى وجهة النظر تلك فلول التيار الإسلامي التي تلقي بلائمة الإخفاق الذريع الذي منيت به تجربة حكم الإخوان المسلمين لمصر على عاتق ما يسمونه الدولة العميقة في مصر، التي يدعي هؤلاء أن عناصرها موجودة في مختلف المؤسسات والمفاصل الأساسية للدولة المصرية، المدنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية، الأمر الذي يوفر لتلك العناصر فرصة توجيه أنشطة مؤسسات الدولة الرسمية والتأثير في القرار السياسي حسب ادعاء الإسلاميين.
ورغم دعم معظم النخب الناصرية للدولة المصرية بقيادتها الحالية عقب ثورة 30 يونيو إلا أن بعض شخصيات هذا التيار تبنت هي الأخرى وجهة نظر معارضة ومتشائمة إزاء المنحى الذي تأخذه البلاد تحت قيادة الرئيس السيسي، ويعتبر هؤلاء أن السيسي أتى من قلب النظام الذي وضع أسسه كل من السادات ومبارك، ويوضحون أن انفجار الشعب يوم 25 يناير في وجه مبارك كان في الواقع رداً من الطبقات الوسطى والكادحة في المجتمع المصري التي كانت تعيش على ما يقدمه القطاع العام مستفيدة من الإجراءات المجتمعية في عهد عبد الناصر في مجالي التأميم والتصنيع، تلك الإنجازات التي بددها كل من السادات ومبارك، فالانفجار يوم 25 يناير كان على نهج الاثنين معاً، دون أن يدري أطراف هذا الانفجار أبعاد هذه المهمة بالضرورة، ويردف هؤلاء أن الرئيس السيسي وباعتباره رجلاً عسكرياً لا يملك أي انحيازات سياسية لا يبدو مدركاً لتلك الحقيقة، فهو كما أثنى على عبد الناصر أثنى على السادات مردداً مقولة إنه صاحب (رؤية سابقة لعصره)، رغم أن السادات هو المؤسس الحقيقي للنظام الذي أسقطته ثورة يناير.
ومن ثم يرى هؤلاء أن الثقة الشعبية التي أعطيت للرئيس السيسي من أجل التخلص من حكم الإخوان المسلمين ليست شيكاً على بياض، لأن الشعب اختاره لتحقيق الاستقرار والازدهار والنهوض الاقتصادي بعد المعاناة التي كابدها خلال العقود الثلاثة الماضية، ومن ثم يمكن أن تتبدد هذه الشعبية في حال عدم تبني رؤية سياسية واقتصادية مختلفة عن النهج الذي تبناه النظام السابق ما قبل يناير.
على الضفة الأخرى تقف خلف الرئيس السيسي قطاعات واسعة من الرأي العام المصري، تتشكل من الفئات التي اعتادت أن تنحاز غريزياً للدولة المصرية ولمؤسسة الجيش المصري بغض النظر عمن يتولى مسؤولية إدارتها، وكذلك نخب ناصرية وتكنوقراطية تعمل في مؤسسات الدولة المختلفة من الإعلام للقضاء والشرطة والخارجية، وهؤلاء يردون على مروجي مقولة الدولة العميقة بأن ما يستهدفونه في الواقع هو مؤسسات الدولة الوطنية المصرية، التي تعتبر من أقدم الدول في المنطقة، فقد وضع أسسها محمد علي باشا باني مصر الحديثة، وهي دولة يفاخر المصريون بأنها ظلت راسخة وتعمل على حماية الأمن القومي المصري مع اختلاف وتتالي العهود، ويستدل هؤلاء بحالة الفوضى التي تجتاح أكثر من بلد عربي نتيجة استهداف بنى دولها الوطنية من الإرهاب الدولي المختبئ خلف شعارات إسلامية، ليستنتجوا أن ما قام به الرئيس السيسي من تخليص مصر من حكم الإخوان المسلمين هو وحده إنجاز ثوري، يستلزم الثقة فيه والوقوف خلفه من أجل إنجاز مهمة النهوض بمصر اقتصادياً وسياسياً ومؤسساتياً واجتماعياً وهو الهدف الذي قامت من أجله يناير.
ويرد هؤلاء على منتقدي توجهات السيسي السياسية بسرد ما قام به من إعادة تموضع مصر دوليا عبر بناء علاقات متوازنة مع دول العالم من الشرق للغرب، وذلك بعدما أهملت الدبلوماسية المصرية في زمن مبارك ولعقود طويلة علاقاتها بدول مثل روسيا والصين، وهي دول لم تمنح ثقتها لمصر في زمن حكم الرئيس الإخواني مرسي، لكن العلاقة معها توثقت في زمن السيسي ووصلت إلى مستوى التعاون العسكري، إضافة إلى الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية، وخصوصاً مع روسيا التي تطورت العلاقة بين رئيسها والرئيس السيسي إلى انسجام وقبول شخصي عميق يعكس ثقة بالقيادة المصرية الحالية.
بالمجمل يمكننا أن نقول إن الدور السياسي المصري في الإقليم سيتأثر بجملة عوامل ولن يتوقف عند الصفات والانحيازات الشخصية لدى القيادة المصرية الحالية، فالأخطار التي تهدد الأمن المصري بدءاً من الإرهاب المدعوم من كل من تركيا وقطر، والوضع الأمني المنفلت في ليبيا والمفتوح على كل الاحتمالات، إضافة إلى تغير موازين في الإقليم مع صعود التحالف الروسي الإيراني، وتراجع الوزن الإقليمي لحلفاء الولايات المتحدة الخليجيين والأتراك، إضافة إلى تفاقم المعاناة الاقتصادية الداخلية وعجز الحلفاء الخليجيين عن تقديم الدعم المالي بسبب الورطة في حرب اليمن وانخفاض أسعار النفط، كلها عوامل ستدفع صانع القرار المصري إدخال تغييرات دراماتيكية وثورية على السياسة المصرية وهو ما بدأت بوادره تظهر فعلاً مع تأييد مصر للتدخل الروسي دعماً للدولة السورية وجيشها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن