ثقافة وفن

الشيخ تاج والثأر بإصدار الطوابع

| شمس الدين العجلاني

الطابع هو وثيقة مصوّرة، وحامل لذاكرة جماعية سياسية، وثقافية، واجتماعية.. فلكل طابع هدف وقصة وحكاية.. طوابع تكرم شخصيات، تدون قصصاً، تحتفل بذكريات، وتخلد مناسبات.. فالطابع يحمل صورة معينة ومجموعة رموز، لابد من قراءتها ودراستها على هذا الأساس؟
إنه قطعة ورق صغيرة «وريقة» ذات وجهين الأول يحمل صورة أو رسماً أو زخارف رمزية ورقماً يدل على ثمنه والخلفي عليه مادة لاصقة، يلصق على المراسلات البريدية دلالة على أنها «مدفوعة الأجرة » وجميع الطوابع الآن حوافها مسننة، بعد أن كانت في أول عهدها مستقيمة الحواف، وفي البداية كان ورق الطوابع يصنع من القطن أو الكتان، ومن ثم صُنع من لباب الشجر، أما الآن فتصنع الطوابع من أفخر أنواع الورق.

يحتوي كل طابع على اسم البلد الذي أصدره، وعلى قيمته، عدا انكلترا التي ترى نفسها غنية عن التعريف لأنها هي صاحبه اختراع الطابع فهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تدون اسمها على طوابعها، بل تكتفي فقط بوضع صورة لرأس الحاكم الحالي للبلاد في إحدى زوايا الطابع. يوضع الطابع على الطرود البريدية، إشعاراً بأن أجرة البريد مدفوعة مسبقاً. ويمكن أن يلصق الطابع على وثيقة ما تبين بأن الرسوم قد دفعت وأن الوثيقة أصولية ومعتمدة، كما أن هنالك طوابع تشعر بأن الرسوم أو الضرائب والمخالفات قد سددت، وبالتالي هنالك العديد من أنواع الطوابع منها المالية، والقنصلية، والبريدية.. منها ما يصدر لغاية تذكارية، أو لمناسبة معينة وطنية أو قومية، سياحية أو ثقافية… لم يتخل الإنسان عن الطابع منذ ظهوره أول مرة عام 1840 م إلى وقتنا الحالي. إنما تطورت مع الأيام مهمة الطابع وتقنية طباعته، وأصبح الطابع لوحة فنية رفيعة المستوى، وسفيراً لكل بلد يجوب الآفاق.. كما أن هنالك العديد من الطوابع التي تروي السيرة الذاتية لعظماء الوطن، أو تخلد حدثاً مهماً.. وهذا ما دعا الآلاف من الأشخاص على مختلف مشاربهم للاهتمام بجمع الطوابع.

حكاية طابع الشيخ تاج
عين الشيخ تاج الدين الحسني رئيساً لوزراء سورية ووزيراً للداخلية في 14 شباط 1928م بالقرار رقم 1812 تاريخ14/2/1928 الصادر عن المفوض السامي الفرنسي المسيو هنري بونسو، وفي 12 أيلول 1941م عُين من المحتل الفرنسي رئيساً للجمهورية السورية.
كان الشيخ تاج مولعاً بإصدار الطوابع التي تحمل رسمه، فصدرت خلال عهده مجموعة طوابع أغلبها يحمل رسماً أو صورة له، كطابع توليه الرئاسة، وطابع إعلان استقلال سورية.
صدر الطابع التذكاري لتوليه سدة الحكم بعدة ألوان ويحمل صورته وبقيم مادية مختلفة منها قرش ونصف وستة قروش وعشرة قروش، طبع عليه اسم الجمهورية السورية باللغتين العربية والفرنسية، وفي الزاوية اليمنى في الأعلى طبع كلمة بريد بالعربية وفي الجهة المقابلة بالفرنسية، ظهر هذا الطابع بصورتين مختلفتين للشيخ تاج ولكنهما متشابهتان، الصورة الأولى وهي نصفية يظهر فيها معتمراً الطربوش «الديني» ويضع على صدره الوشاح وقد وضع مجموعة أوسمة على طرف بزته الأيمن، أما المجموعة الأخرى من الطوابع فكانت جانبية يضع فيها الوشاح والأوسمة ولكنه لا يعتمر الطربوش.
أما مجموعة طوابع ذكرى إعلان استقلال سورية فصدرت أيضاً بألوان عديدة وقيم مادية مختلفة منها نصف قرش، قرش ونصف، ستة قروش، عشرة قروش، خمسون قرشاً، طبع عليها صورة نصفية للشيخ تاج بحيث يظهر رأسه وجزء من جسمه وخلفه مدينة دمشق، وأيضاً اختار القيمون على طباعة هذه المجموعة من الطوابع صورتين له الأولى يعتمر بها الطربوش الديني والأخرى من دونه والصورة التي من دون طربوش طبع عليها صورة طائرة «ويبدو ذلك بقصد الاستخدام الجوي». واللافت للنظر أن هذه الطوابع السورية استخدمت في سورية ولبنان.

طابع بالطول الكامل
ومن أطرف ما تداولته الصحافة وألسنه العامة في البلاد الشامية عن أسباب إصدار الشيخ تاج لطوابع تحمل رسماً له بالطول. أن الشيخ حين رفع سعر بعض المواد الغذائية وعلى رأسها ماده الخبز بمقدار نصف فرنك للكيلو الغرام الواحد، وقامت دمشق نساءً ورجالاً تحتج على هذه الإجراءات، وخرجت التظاهرات منددة بالشيخ تاج وسياسته، وتجمع في ذات يوم المتظاهرون أمام بناء السراي الحكومي «وزارة الداخلية الآن» في ساحة المرجة حيث كان مكتب الشيخ تاج الرسمي، وهم يهتفون ضد سلطات الانتداب الفرنسي وسياسة الشيخ تاج، وكانت الهتافات تطول بالسخرية والصفات السيئة الشيخ تاج؟ سمع الشيخ تاج هرجاً ومرجاً في الشارع، فاستدعى على عجل حاجبه سائلاً عن أسباب هذه الأصوات في الشارع؟ لم يتجرأ الحاجب بالإجابة على تساؤلات الشيخ تاج، ما حدا به للخروج إلى شرفة مكتبه واستطلاع الأمر بنفسه، فسمع أصوات المتظاهرين تهتف:
شيخ تاج يا بومة يا بو لفّة مبرومة
عطيني شعرة من ذقنك أخيّط فيها التاسومة

اغتاظ الشيخ تاج كثيراً ما رأى وسمع، وعاد إلى مكتبه مطرق الرأس مفكراً ماذا يفعل بهؤلاء المتظاهرين؟ وقال لنفسه «والله لأعاقبنّ هؤلاء المتظاهرين جميعاً، بل سأعاقب السوريين جميعاً، عقوبةً ما عاقبهم بها أحد، فهم يستحقّون ذلك، فبالأمس كانوا يهتفون لي، واليوم يصفونني بأبشع الصفات، وسأجعلهم يلحسون (….)».
استدعى الشيخ تاج على عجل مدير البرق والهاتف بدمشق، وطلب منه تصميم وطباعة طوابع بعده بألوان متعددة تحمل رسمه «رسم الشيخ تاج» بالطول الكامل وأمره بالإسراع بتنفيذ هذه الطوابع وتوزيعها على جميع مراكز ومديريات البرق والهاتف في سورية، ليستعمل الناس هذه الطوابع بشكل واسع حين يريدون إرسال رسائلهم؟
حاول مدير البرق والهاتف أن يثني الشيخ تاج عن طلبه هذا وأن العادة جرت أن تطبع الطوابع لرؤساء الجمهورية للوجه أو النصف العلوي فقط من الجسم، لكن الشيخ تاج أصرّ على طلبه وعلى تنفيذه بأسرع وقت وليوضع في التداول فوراً!؟
نفذ مدير البرق والهاتف أوامر الرئيس الشيخ تاج، وحين الانتهاء من الطباعة حمل مدير البرق والهاتف مجموعةً من الطوابع الجديدة لعرضها عليه، أعجب الشيخ تاج بهذه الطوابع وأثنى على جهود مدير البرق والهاتف لسرعة الإنجاز، والتفت إليه سائلاً: من أي مدينة أنت، فرد عليه، من دمشق يا سيدي، فقال له الرئيس الشيخ تاج، إذاً لنبدأ بك اللحس، فهيّا وأرني كيف ستستعمل الطابع فيما إذا أردت إرسال رسالة؟
وأخذ المدير مظروف رسالةٍ كان قد أحضره معه، وأمسك بالطابع الذي يحمل رسماً بالطول الكامل للرئيس (الشيخ تاج)، وبلّل مؤخرة الطابع التي هي مؤخرة الرئيس بلسانه، ثم ألصق الطابع على المظروف وقال: هكذا نستعمل الطابع إذا أردنا إرسال رسالةٍ ما يا سيّدي.
فقال له الرئيس «الشيخ تاج»، إذا لتبدؤوا باستعمال هذه الطوابع فوراً، خذه ووزّعه على دوائر البرق والهاتف في أنحاء البلاد كافة، وليستعمل منذ هذه اللحظة وبالطريقة نفسها!؟.

وفاته
في شهر كانون الثاني من عام 1943 م التزم الشيخ تاج منزله إثر مرض مفاجئ، واعتلت صحته بسرعة متناهية، وحار الأطباء في مرضه، وقيل إنه أصيب باحتقان في الرئة، وتسمم في الدم، فأعطي دواءً بمقدار أكبر مما وصف له!؟ ما تسبب في وفاته «مسموماً»، وقيل إنه توفي فجأة بنوبةٍ قلبيةٍ يوم 17 كانون الثاني عام 1943 م، أثارت الصحافة السورية الشكوك من حوله وأن الوفاة لم تكن طبيعية إنما كانت هنالك أيد تعبث بحياة الشيخ تاج إلى حد أن الشارع السوري آنذاك تناقل روايات عن سبب الوفاة وتارة ألصق التهمة بالاستعمار البريطاني وأخرى بالاستعمار الفرنسي، وأجمعت الشائعات آنذاك أن الوفاة كانت بفعل السم، ويشير نقيب الصحفيين وصاحب جريدة الأيام نصوح بابيل (1905 – 1986) أن وفاة الشيخ تاج كانت بفعل فاعل: ( ﻭﻟﻜﻥ ﻤﻥ ﺍﻟﺫﻱ ﺩﺱ ﻟﻪ ﺍلسم، ﻓﺎﷲ وحده يعلم).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن