قضايا وآراء

إيران الثورة الإسلامية انتصرت فراجعوا حساباتكم وأصلحوا نياتكم

| هيثم الهبيشان

غير عاقل من لا يؤمن بأن إيران الثورة الإسلامية قد أصبحت قوة إقليمية ومحوراً دولياً مع توقيعها على الاتفاق النووي مع القوى العالمية الست، ومع ذلك فما زال بعض العرب يذهبون بعيداً في خطابهم العدائي تجاه إيران، وهم بخطابهم هذا يمارسون أدواراً مختلفة ويتبعون معايير ومعطيات تاريخية خاطئة.
ورغم كلّ هذه المعطيات والمعايير المزدوجة التي يمارسها بعض العرب والتي تحرف مسار البوصلة الحقيقي لطبيعة وأصل الصراع في المنطقة المتمثل بوجود سرطان خبيث يسمى «إسرائيل»، هناك جملة من الوقائع المحقة التي يتغاضى العرب عن التساؤل عنها، في إطار علاقتهم مع الإيرانيين ومناهج سلوكهم في التاريخ الحديث، فلماذا صمت العرب عقوداً من الزمن أمام أجندة ومشاريع شاه إيران محمد رضا بهلوي الذي كان يجسّد فعلياً الشرطي الإيراني في المنطقة؟ وماذا قدم العرب (إذا استثنينا الجمهورية العربية السورية قلب العروبة النابض) لإيران منذ 1979، أي منذ إعلان انتصار الثورة فيها؟ ألم يرسل العرب، منذ ذلك الحين وحتى اليوم، الكثير من الرسائل التي تظهر سوء نيّاتهم؟ ألم يشنّ العرب عشرات الحروب الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية على طهران، أسوؤها الحرب الإعلامية التي تحرّض علناً على إيران الشعب والدولة، فتكفِّر الإيرانيين وتشتمهم؟ ماذا يتوقع العرب من الإيرانيين أن يقدموا لهم بعد كلّ هذا؟
من حقّ كلّ عربي أن يسأل عمّا قدمه العرب للإيرانيين منذ انتصار الثورة، وهنا لن نفتح ملفات الماضي ولن نتحدث عن الحرب العراقية الإيرانية وعن الذي كان سبباً في إشعال فتيلها، سنتجاوز كلّ ذلك إلا أننا نلاحظ أن معظم الملفات العالقة بين العرب وإيران تعود إلى عهد الشاه، أي قبل الثورة الإيرانية، علماً أن معظم القادة العرب كانوا حينها حلفاء ذلك النظام البهلوي.
ويعلم جميع المؤرخين، وخصوصاً لفترة العقد السادس والسابع من القرن العشرين، أن نظام الشاه كان يؤدي فعلياً دور الشرطي في المنطقة والإقليم، برضى عربي وإقليمي، وسبق له أن خطط لبناء وتجهيز مفاعلات نووية سلمية ولم يثر ذلك حفيظة بعض العرب، كما هي حالهم اليوم.
وانطلاقاً من هذه الوقائع، نسأل: لماذا يفتح العرب اليوم ملفات الماضي مع إيران بعد الثورة، متناسين ما جرى في عهد الشاه؟ يرى البعض أن ذلك يعود إلى عوامل سياسية وأيديولوجية، ليس أولها ولا آخرها اتهام بعض الأنظمة العربية طهران بأنها تسعى إلى تصدير ثورتها إلى شعوب المنطقة.
نسأل أيضاً: ماذا نسمي اشتراك بعض العرب في الحصار المفروض على طهران منذ 36 عاماً؟ في أي خانة نضع دعم بعض دول الخليج للعراق في حربه على إيران؟ لماذا أيدت دول الخليج ودعمت سياسة تجويع الشعب الإيراني من خلال «حرب النفط» وتخفيض أسعاره في شكل متلاحق، والذي وصفه أحد المسؤولين الخليجيين «بالأداة الناجعة ليثور الشعب الإيراني على دولته؟».
إضافة إلى ذلك، وقف بعض العرب في خندق «إسرائيل الصهيونية» التي احتلت أراضي عربية وهجرت وقتلت شعوب المنطقة، وها هم يعارضون الاتفاق النووي مع إيران، ويدعون «إسرائيل» إلى ضرب مصالح إيران النووية، كما أنهم يمارسون التحريض الطائفي والمذهبي عبر وسائل إعلامهم المأجورة.
هل المطلوب من الإيرانيين أن يصفقوا للعرب وهم شركاء في حصارهم وتجويع أطفالهم؟ هل المطلوب أن يصمتوا وهم يرون بعض العرب في خندق واحد مع أعدائهم؟ هل يريد العرب من الإيرانيين أن يصمتوا وهم يسمعون ويشاهدون كيف يستخدم بعضهم منابر الدين والإعلام كحديقة خلفية للتحريض على الإيرانيين وتكفيرهم وشتمهم؟
لن يصمت الإيرانيون حيال كلّ ما يجري، ولن يسمحوا لبعض المتطرفين العرب بتمزيق المنطقة وتقسيمها وإدخالها في صراعات جاهلية «صراع فارسي عربي»، خدمة لمشاريع التفتيت والتقسيم التي ترسم لها.
ختاماً، فإن مجمل هذه الأسئلة في رسم بعض الأنظمة العربية، فهذه الأنظمة لها أجندة خاصة ترتبط بمشاريع صهيو أميركية تستهدف إشعال التناقضات المذهبية والدينية في المنطقة والإقليم، لإشاعة الفوضى وخلق صراع مذهبي وعرقي تستفيد منه بتقوية أعمدة حكمها، من خلال تخويف شعوبها من خطر يستهدفهم من الخارج، وهذا ما يتم بالفعل في هذه المرحلة، ومع ذلك فثورة إيران الإسلامية انتصرت، وتوجت إنجازاتها بالتوقيع على النووي الإيراني لتكون إحدى القوى الإقليمية والمحورية بالعالم كله، وهذا ما يستدعي من بعض العرب مراجعة حساباتهم ونيّاتهم تجاه إيران، «فالوقت يمضي سريعاً»، ويجب تصحيح أخطاء الماضي…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن