قضايا وآراء

اتجاهات أموال النفط العربي الحروب والإرهاب

| د. قحطان السيوفي

وردني، بالبريد الإلكتروني، سؤال من قارئ عربي (في هذا الزمن العربي الرديء؛ لماذا تسير معظم أموال النفط العربي الخليجية في اتجاهات معاكسة..؟) غالباً ما كانت أسعار النفط مؤشراً على حالة الاقتصاد العالمي وأحياناً تأخذ طابعاً سياسياً… المواطن العربي يتساءل بمرارة، عن اتجاهات فوائض أموال النفط العربي الخليجية! وهل اسُتثمرت لمصلحة الأجيال المستقبلية؟ أو لدعم حركات التحرر العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية؟ أو إنها، وعلى امتداد ما يقارب ستة عقود، كانت في اتجاه معاكس؛ لمصلحة الاقتصادات الغربية، ولتمويل الحروب، والتنظيمات الإرهابية؟
تاريخياً الغرب الاستعماري، ينظر بعين الطامع بثروات العالم العربي السيادية، ومستعد عند الضرورة، لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق ذلك. في خمسينيات القرن الماضي، وفي ذروة النهوض القومي العربي، أمَّم الرئيس عبد الناصر قناة السويس، فرد الغرب الاستعماري التقليدي (فرنسا وبريطانيا) بالتحالف مع إسرائيل، بشن العدوان الثلاثي 1956 وصمدت مصر. وحقد الغرب وإسرائيل، إلى أن جاءت حرب 1967 وهُزِم العرب. وعلى أثر حرب تشرين بين العرب وإسرائيل عام 1973؛ ونتيجة لضغط الرأي العام العربي أوقفت بعض الدول العربية تصدير النفط إلى الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، ولم تدم المقاطعة سوى خمسة أشهر، ارتفعت بعدها أسعار النفط لتحقق الدول النفطية العربية فوائض مالية هائلة، على حساب دماء شهداء هذه الحرب. وبعد حرب تشرين بدأت الولايات المتحدة تعمل لتأمين مخزونات ضخمة من المشتقات النفطية تحسباً لإحداث سياسية كبيرة. في ثمانينيات القرن العشرين دعمت الولايات المتحدة الأميركية ودول نفطية عربية من أطلق عليهم اسم (الجهاديين) في أفغانستان بتمويل من فوائض أموال النفط السعودي لإسقاط حكومة أفغانستان الحليفة للاتحاد السوفييتي يومها.
وفي ثمانينيات القرن العشرين وعلى مدى سبع سنوات وأكثر من الحرب العبثية العراقية- الإيرانية تم تمويل معظم المجهود الحربي العراقي من عوائد أموال النفط لدول الخليج. في عام 1991؛ جاءت حرب الخليج الأولى، التي تبعت غزو صدام حسين للكويت ومُولت هذه الحرب من فوائض أموال النفط الخليجية، وكما أشرنا حظي تنظيم القاعدة الإرهابي منذ نشأته وانتشاره برعاية أميركية، ودعم وتمويل من دول نفطية خليجية معروفة، إلى أن ارتد هذا التنظيم الإرهابي على صانعيه، ونفذ أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، وتلى ذلك غزو أميركا للعراق وتدمير الدولة العراقية ومؤسساتها، وتم تمويل عملية الغزو الأميركي أيضاً بأموال من دول عربية نفطية خليجية.
في عام 2008 انطلقت الأزمة المالية العالمية وكانت آثارها كارثية على الاقتصاد الغربي، وجعلت الاقتصاد الأميركي يجثو على ركبته، وأحدثت الولايات المتحدة (مجموعة الدول العشرين) للمساعدة في إخراج الاقتصاد العالمي من أزمته، وكانت المملكة السعودية إحدى دول مجموعة العشرين ؛ ودفعت المملكة مليارات من أموال النفط العربي لتساهم في إخراج الاقتصادات الغربية من أزمتها في عام 2009 وبدأت أزمة الديون السيادية الأوروبية وأوشك الاقتصاد الأوروبي أن ينهار… وتحالفت بعض الدول الأوروبية مع دول عربية نفطية داعمة للإرهاب وكانت نتيجتها دفع المزيد من أموال النفط، وجاء «الربيع العربي»، تحت عباءة المطالبة بالحرية والديمقراطية، وانقلب هذا الربيع إلى خريف أسود، وذلك في سياق الكراهية والحقد على بقايا المشروع النهضوي العربي. وأدى ذلك إلى ضرب عدد من الدول العربية ذات الأنظمة الجمهورية ونشر الإرهاب فيها؛ ليبيا، اليمن، العراق، سورية، مصر. وكان التمويل أيضاً من أموال النفط القطري السعودي بشكل رئيسي. وتم تمزيق الدولة الليبية لمصلحة التنظيمات الإرهابية الممولة من أموال النفط الخليجي، كما غرقت المملكة السعودية في مستنقع حرب اليمن العبثية على الشعب اليمني؛ وأنفقت مليارات الدولارات لتدمير هذا البلد العربي الفقير. بالمقابل أنفقت قطر والسعودية أموالاً باهظة لدعم وتمويل التنظيمات المسلحة في سورية؛ وكان من نتائج ذلك ظهور تنظيم دولة داعش وجبهة النصرة الإرهابيين التكفيريين المدعومين والممولين بشكل رئيسي من هاتين الدولتين.
إن النفط ثروة وطنية باطنية ملك للأجيال القادمة، للأسف فإن بعض دول الخليج العربي وجهت الثروات النفطية، في مسارات واتجاهات معاكسة لحركة النهوض والتحرر العربي أو أنفقت أموال النفط لمصلحة دول غربية، أو لإخراج اقتصادات هذه الدول من (أزماتها)، أو للإنفاق على (حروب) عبثية لخدمة المشروع الغربي الذي يصب في مصلحة إسرائيل، وآخر وأخطر خطايا بعض هذه الدول النفطية الخليجية دعمها وتمويلها، المباشر وغير المباشر، للتنظيمات الإرهابية (داعش، والنصرة وأخواتهما…) في سورية والعراق، وامتدادات التطرف والإرهاب العالمي المتصاعد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن