اقتصاد

«مؤونتنا» لن تكفي!

| علي هاشم 

أخذت قضية «مؤونة الاستيراد» مأخذها من النقاش في الأوساط الاقتصادية، وتوزعت الآراء على طيف من وجهات النظر، عبر كل منها عن «مظلوميته» والتضرر المحتمل لمصالحه.
البعض رأى في إجبار المستوردين على ترصيد كتلة من الليرات السورية توازي قيمة التسهيلات الممنوحة لهم بالعملات الأجنبية، ضربا من تحفيز التضخم الذي سيدفع المستهلك كلفته في نهاية المطاف، بينما ذهب آخرون إلى اعتبار الأمر «غربلة للتجار» ستفضي إلى طرد صغارهم من جنة التمويل الحكومي.. وبين كلا الرأيين، تناهت وجهات نظر خافتة دعت لانتظار التجربة «علها تفلح في ضبط التضخم» الذي أعلنته السلطات النقدية هدفا من وراء قرار «المؤونة».
إجرائيا، للقرار عدة انتقادات، فعلى الصعيد النقدي؛ لا يجدر بأي كان المجادلة حول أثره الإيجابي في الأسواق «على المدى القصير» باعتباره تكتيكا سيسهم في امتصاص بعض مما يمكن تسميته «الكتلة السائبة» من الليرات السورية بما يضغط قدرة المضاربين على التحرك براحتهم في سوق النقد، كما يضفي قدرا ما من التوازن على تناسبية الكتلتين السلعية والنقدية ويقلص من نسب التضخم، أو في أضعف الإيمان، يثبط -مرحليا- مسار صعوده النشط.
ولأن حل «المؤونة» هذا ينتمي إلى صف المعالجة النقدية، فهو -في المقابل- سيكون عرضة للتأثر المستمر بالتبدلات الموضوعية التي تكتنف الكتلة النقدية، ما يطرح التساؤل البدهي حول المدة المتوقعة لأثره الإيجابي؟!
فمع استقرار كتلة «المؤونة» في خزائن التجار أو حساباتهم المصرفية كرصيد مخصص لتحقيق شرط تمويل مستورداتهم، ستبدأ «كتلة الليرات السائبة» بترميم نفسها من خلال الضخ الاعتيادي لليرات السورية في الأسواق، إذ مثلا، تتلقى الأسواق يوميا ما يقارب 2.5 مليار ليرة سورية بشكل وسطي عبر كتلة الرواتب والأجور، ومثلها أو أكثر قليلا يتم دفقها من خلال شراء الحوالات الخارجية، مضافا لكليهما كتل أخرى تطرح عبر «قروض، معونات نقدية، تعويضات، بدلات أخرى..»!..
والحال كذلك، يتجلى حل «المؤونة» كقيام المصرف المركزي بغرف كأس ماء من برميل ممتلئ متطلعا إلى وقف تدفق الكميات الزائدة عبر حوافه، إلا أن التأثير الفعلي لهذا الكأس لن يكون ملحوظا ما لم يتم ضبط الصنابير المفتوحة بغزارة فوق البرميل، أو إيجاد قنوات أخرى لتصريف الفائض منه!!
في حالة «المؤونة» وأثرها المتوقع، ثمة بالفعل صنابير عدة مفتوحة تتغذى منها «الكتلة النقدية السائبة» مسببة التضخم، ومع الجمود المستمر في الناتج المحلي الإجمالي وفشل الحكومة في تنشيط أي من القطاعات الإنتاجية أو الخدمية التي تمثل بمجملها قنوات التصريف اللازمة «لمنع امتلاء البرميل»، فلن يتأخر «تدفق الماء» بالعودة إلى سابق عهده جارا وراءه خللاً متجددا في المعادلة النقدية، وليسدل الستار مبكرا عن الفصل الأخير من مسرحية «المؤونة» القصيرة!!..
في أحسن أحوالها، يمكن وصف (المؤونة) بعتبة ضيقة قد تتيح لليرة التقاط أنفاسها في مسيرة هبوطها المجهدة، وما لم تسفر الشعارات الحكومية الخاصة ذات العلاقة باستنهاض الانتاج عن نتائج حقيقية، فلن تلبث أن تكمل تهاويها، وليبدأ لهاثها -والمستهلكين- مجددا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن