قضايا وآراء

عن أي سورية جديدة يتحدث هؤلاء؟!

| د. بسام أبو عبد الله 

منذ مؤتمر جنيف (2)، وحتى تاريخ انعقاد جنيف (3) كثرت أحاديث، وتصريحات المعارضين السوريين، ومن يدعمهم عما يسمونه (سورية الجديدة) بشعارات براقة مثل (الديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان)، من دون أن يشرح أيٍ منهم كيف يمكن الوصول إلى ذلك من خلال القتل، والإرهاب والتدمير، واجتثاث الهوية، والإنسان، ولا كيف يمكن الوصول إلى هذه الأهداف عبر (داعش، والنصرة، وجيش الإسلام، وأشرار الشام) وغيرهم الكثير من التنظيمات الإرهابية… لم يشرح أي منهم لنا كيف يمكن الوصول إلى هذه الأهداف عبر دعم مملكة سعودية لا تتمتع بالحد الأدنى من مقومات الحكم الذي تطالب به الآخرين.
المشاريع التي أعدتها مطابخ الهيمنة العالمية لسورية الجديدة ركزت طوال خمس سنوات على نماذج طائفية مذهبية أقرب إلى النموذجين العراقي واللبناني، وكان الأخضر الإبراهيمي قد لمح لذلك حينما عمل كوسيط أممي، والغاية الأساسية هي شرعنة وجود دولة يهودية خالصة تستطيع أن تبرر عنصريتها، وبقاءها، واستمرارية مشروعها وهو أمر نكتشفه بوضوح من خلال العلاقات السرية والعلنية بين ما يسمى معارضة سورية، وأدواتها الإرهابية على الأرض، والكيان الصهيوني وبين ممارسات الإرهاب الممنهجة، والمدروسة التي تستهدف الجيش العربي السوري، ومؤسسات الدولة السورية، وشعور قادة الكيان الصهيوني بالسعادة لما يقوم به (الثورجيون) داخل سورية في كل يوم.
شعور الكيان الصهيوني بالخوف الذي عبر عنه قادته الأمنيون، والعسكريون من احتمالات هزيمة داعش يؤشر بوضوح إلى تلك العلاقة المريبة بين انتشار، وممارسات هذه التنظيمات (الإخوانية الوهابية) وبين أمن الكيان، وعمله الدائم على تفتيت محيطه على أسس إتنية وطائفية، فالفكر الطائفي المذهبي هو خلاص لمنظومتين في المنطقة: الأولى المنظومة الصهيونية، والثانية الوهابية الإخوانية.
من هنا نستطيع أن نرى أن ما حاولت السعودية وتركيا التركيز عليه في جولات التفاوض السابقة يقوم على محاولات إنتاج تقاسم للسلطة، ومحاصصة طائفية تسمح لهم، ومن خلفهم واشنطن بالتحكم ببنية النظام السياسي الجديد عبر واجهات تسمي نفسها ديمقراطية منتخبة، ولكنها تابعة، ومرتهنة للخارج أسوة بما نراه في لبنان، والعراق، وسوف نراه في ليبيا وغير مكان من العالم العربي الجديد.
من هنا فإن ما أنتجته تفاهمات فيينا من قواعد للحل السياسي في سورية تبدو مهمة، وخاصة ما يتعلق بعلمانية الدولة، والحديث عن إنتاج حكم ذي مصداقية وغير طائفي، وهو أمر يحاول معارضو (الرياض) الالتفاف عليه لأنه يضعهم في الزاوية، ويكشف حقيقة فكرهم، وممارساتهم على الأرض السورية، كما أنه يضع داعميهم في وضع صعب، فالسعودية نظام مذهبي طائفي متخلف، ورجب طيب أردوغان أقام سياسته الخارجية على أساس مذهبي بحكم خلفيته الإيديولوجية الإخوانية، واستجلب التنظيمات الإرهابية التي تقتل، وتحاصر السوريين، مع كل شذاذ الآفاق في العالم على أساس المذهب، ولغة الكراهية والقتل.
لذلك فإن سورية الجديدة التي يتحدثون عنها، ويبحثون عن تركيبها وفقاً لمصالحهم، وتفكيرهم، وإيديولوجياتهم هي سورية (طائفية- مذهبية- إخوانية- وهابية)، وليست سورية التي بناها الأجداد، والآباء القائمة على التسامح، وقبول الآخر، وحرية الدين والمعتقد..
شراسة الحرب سببها أن سورية أطاحت بمشروعهم التقسيمي وتقاتل الآن من أجل الإجهاز على مشروع المذهبة والتطييف من أجل بناء سورية الجديدة فعلاً أي العلمانية، والديمقراطية، ولكن أيضاً المقاومة، والمستقلة، وصاحبة الدور في الإقليم والمنطقة..
هم يتحدثون عن سورية الجديدة التابعة، الخانعة، الضعيفة، ونحن نتحدث عن سورية الجديدة المستقلة، القوية بأبنائها جميعاً.. هم يتحدثون عن سورية (محاكم النصرة، وداعش)، وفكر محمد بن عبد الوهاب، وابن تيمية، وحسن البنا، ونحن نتحدث عن سورية الثقافة، والفن، والموسيقا، والإبداع العلمي، والرياضة، والتقدم…
جوهر الصراع، يكمن هنا سواء في جنيف3، أم جنيف50 بين أن تكون سورية الجديدة الجميلة بكل تنوعها، وألوانها، وتنورها، وإرثها الحضاري قوة قادرة على أن تضيء دروب الآخرين، وبين أن تتحول إلى جمهورية (تورا- بورا) وفقاً لمقاييس آل سعود، وبني صهيون، وأتباعهم ممن يسمون سوريين.
إن طبيعة الصراع القائم حالياً معقدة للغاية تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية، ويجد البعض في الإمساك بأوراق على الساحة السورية حبل نجاة له من مصيره المحتوم، ولكن من الواضح تماماً أن لا إمكانية للوصول إلى نهايات سياسية معقولة إلا عبر الميدان ولهذا فإن صوت هدير الدبابات، وأزيز الرصاص هو الذي يقلق أولئك الذين يخططون لسورية الجديدة على مقاسهم، ومقاس أفكارهم، وإيديولوجياتهم المنبوذة، والمكشوفة، التي لا بد أن تسقط بداية من سورية، وحين تسقط هنا سيبدأ النور ينطلق إلى العالم ليعلن نهاية عصر الظلام والوهابية.
الروس يدركون ذلك، والأوروبيون بدؤوا يعون ذلك، وغيرهم الكثير ممن أغمض عينيه لسنوات، واعتقد أن بإمكانه تكرار نمط ونموذج السعودية في المشرق، بينما كان هذا المشرق عبر تاريخه منبراً للفكر، والتنور، والتنوع، وهزم دائماً مشاريع الظلامية، والسواد، والقتل، والتدمير.
انتظروا الميدان الذي سيرافق السياسة، ويفتح لها الأفق من أجل سورية الجديدة التي نحلم بها جميعاً، سورية القوية، المتنورة العلمانية، والديمقراطية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن