ثقافة وفن

تعزز الاتصال المجتمعي وتسبب الإدمان والعزلة والانطوائية … مواقع التواصل الاجتماعي .. العيش في عالم الأحلام والرومانسية الزائدة

| وائل العدس

أدى تسارع التطور التكنولوجي في منتصف التسعينيات من القرن الماضي إلى حدوث طفرة على جميع المستويات العلمية، وانطلاق ثورة حقيقية في عالم الاتصال، حيث انتشرت شبكة الإنترنت في أرجاء العالم وربطته بأجزائه المترامية، ما جعله يشبه القرية الصغيرة، حيث أصبحت المجتمعات أكثر انفتاحاً وبات من السهل التعارف وتبادل الآراء والأفكار والخبرات.
وأتاحت مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدميها إنشاء مدونات إلكترونية، وإجراء المحادثات، وإرسال الرسائل، ومشاركة الصور ومقاطع الفيديو والملفات، وتيسر للمستخدمين نشر ملفات، والكتابة حول موضوعات محددة من الممكن أن تدخل ضمن دائرة اهتمام مشتركين آخرين، وتمكنهم من التعليق على تلك المواضيع وإبداء آرائهم فيها.
ووفق الإحصاءات فإن أعداد مستخدمي تلك المواقع تزداد زيادة مطردة في كل ثانية، وعلى سبيل المثال موقع «فيسبوك» يتراوح أعداد مستخدميه نحو المليار ومئتي مليون، منها ما يقارب الـ65 مليوناً في منطقة الشرق الأوسط وحدها، لذلك يعد أكبر موقع اجتماعي حول العالم، ويليه تويتر حيث يصل عدد مشتركيه إلى 350 مليون مشترك حول العالم منهم نحو 7 ملايين مشترك في العالم العربي، أما موقع مثل اليوتيوب فقد وصل عدد مرات المشاهدة في العالم العربي إلى 170 مليوناً في اليوم، وغوغل بلس والذي نشط مؤخراً حيث تشير الإحصاءات إلى أن عدد مستخدميه وصل إلى ما يقارب 340 مليون مستخدم، والجدير بالذكر أن تلك الإحصاءات قابلة للزيادة والتطور في كل ثانية.

تأثيرات سلبية
بعدما امتدت جذورها بشكل أكبر، بات لهذه المواقع تأثيرات سلبية، وعلى الرغم من أنها تعزز الاتصال المجتمعي، إلا أن استخدامها يؤدي إلى نوع من أنواع الإدمان الذي يقود إلى العزلة وتكسب مستخدميها نوعاً من الانطوائية وتعطيهم فرصة للهروب من مجتمعهم، حيث إنهم يتعاملون مع عالم افتراضي ومع أشخاص غير حقيقيين إن صح التعبير، أو على الأقل لا يدخلون في نطاق دائرة المعارف والأقارب ولا يستطيع أن يراهم أحد في نطاق مجتمعهم، فهم غرباء لا يستطيع أن يتعامل معهم أحد بشكل مباشر، وهو ما يسميه البعض العيش في عالم الأحلام والرومانسية الزائدة حيث إن تدني الأوضاع في أرض الواقع يجعل الشباب يخلقون عالماً خاصاً بهم يرتقي لتطلعاتهم وآمالهم.
ويرى «لاري روزين» أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا أن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي يؤدى إلى تزايد الشعور بالعدوانية والأنانية والاضطرابات النفسية والكآبة كما أنها تؤثر على التحصيل الدراسي.
يؤثر التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً على رؤية المستخدم لنفسه وليس فقط لمجتمعه، حيث تضع تلك المواقع مستخدميها تحت المجهر، وتجعلهم في محاولة دائمة للظهور بصورة مثالية وتقديم أنفسهم للعالم الافتراضي بصورة مغايرة للواقع، عن طريق نشر صورهم وأخبارهم وما يحدث في حياتهم من أحداث مهمة وينتظرون الحكم عليها من أصدقائهم على المواقع ما يؤدي إلى تزايد القلق والترقب الدائمين للحكم الذي يحكمه الأصدقاء على ما هو منشور على الصفحة الشخصية للمستخدم وهو ما يشعره بالأمان والأهمية الوهمية.
وتعرف عالمة نفس أميركية تدعى كيمرلي يونع الإدمان بأنه استخدام الشبكة العنكبوتية أكثر من 38 ساعة أسبوعياً.
وتتنوع الأسباب التي تقود بعض الشباب إلى قضاء معظم أوقاتهم في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فحرية التعبير والتنفيس عن المكنون الداخلي هو الدافع الأساسي للبعض، على حين تعتبر وسيلة فاعلة في الإعلان عن النشاطات الحراكية وإيصالها لأكبر عدد من الجمهور.
ويرى آخرون أن الحاجة أصبحت ملحة لاستخدام الفيسبوك وخصوصاً للبحث عن وظائف، حيث تعرض صفحاته بعض المواقع للإعلان عن الوظائف لتوفير الوقت والجهد للباحثين عن العمل.
كما أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت متهمة بتسببها في تدهور العلاقات الأسرية حيث فرضت على مستخدميها نوعاً من العزلة والانقطاع عن الحياة العامة والحياة الاجتماعية، فالوقت الذي يمضيه الشباب على تلك المواقع وقت مستقطع من علاقاتهم الاجتماعية.
كما أنها تساهم بشكل كبير في نشر الشائعات والأخبار الكاذبة، حيث لا توجد رقابة ولا ضوابط محددة لفلترة تلك الأخبار وهو الأمر المدمر لكل مؤسسات المجتمع حيث من الممكن أن تؤدي تلك الشائعات إلى خلق أزمات متعددة.
ومن أهم السلبيات أيضاً غياب الخصوصية حيث يستطيع أي إنسان نشر صور أو معلومات تخص شخصاً آخر من دون الرجوع إليه، كما يمكن اختراق الحسابات الشخصية للمستخدمين والتجسس عليهم، حيث إن المشتركين يقومون بنشر معلوماتهم الشخصية كما يمكن استغلال المنشورات القديمة للأفراد وابتزازهم بها أو التنكيل بهم إعلامياً، كما تحتفظ مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات القديمة وإن حاول بعض أصحاب تلك المواقع إضافة إعدادات تضفي نوعاً من الخصوصية على حسابات المستخدمين ومعلوماتهم الشخصية، ولكن تلك التطبيقات لم تمنع نشر محتويات قد تضر بمستخدمين آخرين، كما أن كثيراً من المستخدمين لا يهتمون بتلك الإعدادات.

نتائج إيجابية
أتاحت هذه المواقع سبل تطوير الذات وقدمتها للمشتركين بها على طبق من ذهب، لكن الكثيرين لا ينتهزون الفرصة ولا يرون الفائدة التي تعود عليهم من خلال متابعتهم واشتراكهم على اختلافاتها الكثيرة.
وإن تحدثنا عن النتائج الإيجابية التي تحققها هذه المواقع فإنها تسهم في تطوير الذات وتوسيع المفاهيم وتنمية الإدراك، ومن خلالها يتم اكتساب مهارات التواصل والحديث عبر تلك المواقع، وفهم طرق التعبير والكتابة الصحيحة، والتعرف إلى الآخرين من مختلف العادات والتقاليد والأجناس، وتوسع الإدراك المعرفي والثقافي، إضافة إلى الاشتراك في مجموعات هادفة كمجموعات تعليم اللغات أو الموسيقا وما إلى ذلك، وهي نوع من تطوير الذات لكن من المهم اختيار المجموعة حسب ميولنا وليس لأي اعتبارات أخرى حتى تكون الفائدة المرجوة حقيقية تسهم في تطوير الذات بشكل فعال، كما تمنح التواصل المباشر مع الاستشاريين والاختصاصيين في كل المجالات وبشكل مباشر وسهل في عملية تطوير الذات والحصول على المعلومة بشكل سريع ومختصر.
الاستخدام المفرط
يشتكي كثيرون من تأثير مواقع التواصل في ازدياد حالات الطلاق، ويعود السبب إلى الاستخدام المفرط لهذه المواقع من دون ترشيد أو توجيه، ومن دون أن تتأصل ثقافة مخططة لكيفية التعاطي مع هذا القادم، الذي أوجد صدمة حضارية، فيرى الشخص نفسه قادراً على التواصل والانفتاح على العالم بلمسة زر، كما تختلف استجابة الناس لهذا المتغير من شخص لآخر، ومن أسرة لأخرى، من حيث التقبل، والتكيُّف، وطريقة استخدامه.. لذا فإن ضريبة الخطأ في التعامل مع المواقع الاجتماعية كبيرة، منها ضعف العلاقة الأسرية، وتقصير وإهمال من الموظفين في أعمالهم.
عندما تتغير طرق التواصل بين البشر بصورة متسارعة، وتصبح إلكترونية، في مجتمع متخلف حضارياً مثل الوطن العربي، فمن الطبيعي أن نتعامل مع الجانب السلبي لهذه التقنية، لأن الوقت أكثر شيء مُهدر، وقيم الإنتاج غائبة، وبالتالي ستكون هذه المواقع الحل الأجمل لقتل ونسف الوقت.
إن تمضية الأزواج أوقاتاً طويلة في التحدث عبر هذه الوسائل، وإهمال واجباتهم الزوجية والمنزلية سبَّبت الكثير من المشاكل لدى عشرات، بل مئات الأزواج الذين وصلت بهم الحال إلى الطلاق.
عادة تبدأ المشكلة بانقطاع التواصل المباشر بين الزوجين، كلٌّ مشغول بجهازه واهتماماته عبر هذه المواقع، فيترتب على ذلك تقصير في الحقوق والواجبات من الطرفين، وضعف التفاهم والعلاقات العاطفية والرحمة بينهما.

اللغة العربية
امتد تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في طريقة استخدام الشباب العربي للغة العربية حيث وصلت تلك المواقع إلى جميع المؤسسات والهيئات وأصبحت شريحة كبيرة من الشباب العربي تتواصل من خلالها وتعبر عن آرائها وأفكارها المختلفة، ووسيلتها في ذلك مفردات اللغة، ما حتم على الشباب المستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي وطبيعة الإنترنت السرعة في الأداء وايجاد لغة خاصة بهم ومفردات غريبة إلى حد ما عن مجتمعاتهم متمثلة في مجموعة من المفردات أو الرموز المختصرة التي تستخدم في غرف الدردشة وغيرها، كما أدى ذلك إلى ضعف المستوى اللغوي لدى هؤلاء الشباب حيث ما عادوا يعتمدون في حواراتهم على اللغة العربية الرصينة بل ظهرت لغة أخرى ركيكة من حيث التعبير والمفردات وهو ما أثر سلباً على اللغة العربية، وما ظهر مؤخراً في شكل لغة جديدة وهي لغة «الفرانكو أراب» التي تعتبر مزيجاً بين المفردات العربية والأحرف الإنكليزية يعد تشويها صريحاً للغة العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن