ثقافة وفن

المُلْك لا يأتي بالرسالة وإنما الرسالة تأتي بالمُلْك … سماحة المفتي العام لـ«الوطن»: ليست مهمة الإسلام الاستيلاء على السلطة وإنما مهمته إصلاح السلطة … فشل من استعان بالحاكم لفرض رأي ديني عبر تاريخ الإسلام

| حوار : إسماعيل مروة

الإسلام، الإسلام السياسي، الإسلام العصري، الإسلام السلفي، وغير هذه المصطلحات تعج بها الساحة السياسية والدينية والفكرية والإعلامية اليوم، وبدل أن نكون مع إسلام واحد نجد أنفسنا أمام عدد من التيارات، وكل تيار منها يرى نفسه صواباً!
الإسلام واحد، فكيف صارت لدينا الأحزاب عديدة؟ وكيف أتيح لأصحاب هذه الأحزاب أن يتمددوا وأن يتحددوا؟ وما الفرق بين الإخوان والسلفية والنور وغيرها من الأحزاب التي دعت إلى دول إسلامية؟
هل هناك إسلام سياسي؟ مهما أنكر المنكرون أو هاجم المهاجمون، فإن ما يسمى الإسلام السياسي موجود ومنتشر، وكتب حوله الكثير الكثير من المقالات والدراسات التي يعجز المرء عن متابعتها، ولكن الطريف أن بعض الكتاب العلمانيين يكتبون بعلمية، لكنهم يستثنون بلدانهم وحكامهم من تهمة الإسلام السياسي! فغيرهم هو من يتبع الإسلام السياسي، أما هم فما شاء الله لا شائبة تشوبهم!
في كل جلسة مع صديقي وأستاذي سماحة المفتي العام للجمهورية الأستاذ الدكتور أحمد بدر الدين حسون يدور حديث صادق حول قضايا الإسلام والإسلام السياسي، وغالباً ما أستعير منه كتاباً حول الموضوع، لا يلبث أن يهتف طالباً إعادته، وهذا يعني أن هذه الأحاديث تدور بين سماحته وضيوفه بتعدد أطيافهم ومذاهبهم وشرائعهم.
ماذا عن حقيقة الإسلام والإسلام السياسي؟
هل يمكن الفصل بين الإسلام والسياسة؟
ما العلاقة التي تجمع بين المؤسستين السياسية والدينية؟
هل مفهوم الإسلام السياسي جديد على إسلامنا؟
هل نحن في رحلة نحو المستقبل أم إننا في رحلة إلى عمق تاريخنا؟
أسئلة كثيرة دارت بيني وبين سماحته دوماً، لكنني آثرت اليوم أن أسجلها ودون علم تام منه بأنني سأنشرها، لأنني أردت حديثاً طازجاً بعيداً عن السياسة لصيقاً بها، وأزعم أن ما سمعته وما سجلته فيه الكثير من الإدهاش لكنه لا يخرج عن المسلمات التي ينطلق منها سماحته في رسالته الدينية.

• هناك تركيز على الإسلام السياسي بالكتب والمؤلفات لم يكن الإسلام سياسياً وغير سياسي، بل الإسلام هو روح كل عمل من الأعمال، هو روح التجارة وروح الثقافة وروح الفكر وروح العمل، فإن تقسيم الإسلام اليوم إلى إسلام سياسي، وإسلام متوسط، وإسلام متطرف، وإسلام متساهل، هذا كله نوعٌ من التضليل والتغرير بالمسلمين فما قولك في هذا التقسيم اليوم؟
الإسلام لم يتدخل يوماً في العمل السياسي إلا من الزاوية التربوية والأخلاقية، فالأنبياء أصحاب رسالة لا أصحاب حكم، ولذلك عندما وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم في بداية البعثة يوم جاء الوليد بن المغيرة ليعرض على النبي زواجاً من أجمل بنات مكة، أو مالاً ليكون أغنى أغنياء مكة أو ملكاً ليكون ملك العرب، فقال: لا لأنه صاحب رسالة فهو لا يريد ملكاً، لذلك أصحاب الإسلام السياسي اليوم يقولون لو ملكنا وأخذنا الملك لطبقنا الرسالة، نقول لا الملك لا يأتي بالرسالة، إنما الرسالة تأتي بالملك.
ولذلك في آخر سنة من عمره صلى الله عليه وسلم رددت الكلمة نفسها حينما قال أبو سفيان للعباس والنبي على أبواب مكة، فقال يا عباس لقد أصبح ملك ابن أخيك كبيراً أو عظيماً، قال يومها العباس إنها النبوة، فالنبوة رسالة وليست ملكاً ولو كان النبي ملكاً، لما تجرأ أن يكتب لكسرى وقيصر أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، نعم ما كان تجرأ على ذلك، ولكن الرسول يفعل ذلك، وهذا هو الذي ترك سيدنا موسى عليه السلام يذهب إلى الفرعون لا ليزيله من ملكه، إنما ليهديه إلى الطريق المستقيم وكان منهجاً إلهياً، «فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى».

• هل من باب المجاملة، ما تقول أم الحقيقة؟ «الإسلام والسياسة، هناك الكثير من الناس من المفكرين والمسلمين يقولون إن الإسلام هو في صلب العمل السياسي؟
يوم أراد عمر رضي الله عنه أن يصدر حكماً شرعياً من باب السلطة السياسية وقال لا أسمح لامرأة أن تأخذ مهراً أكثر من مهر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قامت امرأة لتقول له: الله الله أوحي بعد رسول الله يا عمر! لماذا؟ لأنه استعمل قراراً سياسياً في قضية شرعية، فردت عليه امرأة وقالت: الشريعة تؤخذ بالشريعة لا بالملك، فقال: لم يا امرأة؟ قالت: لأن الله تعالى قال: «لو أتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً»، لماذا تعطينا مهراً قليلاً، أعطي لمهر نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله أعطانا بالقنطار، هنا ما ردت عليه كمشرع، ردت عليه كحاكم، أما كمشرع فإنها جاءت للقرآن، قالت القرآن هو المشرع، ولست أنت يا عمر، فمن هنا نجد أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، كان منهم الإمام ومنهم الخليفة، والخليفة عمل سياسي، والإمامة عمل رسالي، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غادر المدينة وضع عليها من يحرسها، ووضع إماماً لمن يؤم الناس، فالإمام غير الحاكم، ولذلك نرى الشافعية والإمام جعفر والإمام أبا حنيفة والإمام مالك ما طلبوا الملك إنما طلبوا الإصلاح في الملك، فليست مهمة الإسلام الاستيلاء على السلطة، إنما مهمة الإسلام إصلاح السلطة إصلاح التاجر، وهذا ما نادت به العلمانية الحقيقية، لكن هناك من يقول إنك لا تستطيع أن تصلح وأن تقدم إن لم تكن أنت تملك الزمام؟

• هل سيدنا عيسى حكم، وهل سيدنا محمد حكم كملك؟
إنما جاءا برسالة، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً وليس ملكاً، ولذلك رد العباس على ابي سفيان حينما قال له لقد أصبح ملك ابن أخيك كبيراً قال: ويحك أبا سفيان إنها النبوة، فعلى الدعاة أن يحسنوا الدعوة للحكام وللملوك وللأمة، فإذا بهم يسكنون في قلوبهم، ولذلك حينما أراد الملك العباسي أو الخليفة العباسي أن يجبر الناس على الموطأ في زمن مالك فقال: لا يا أمير المؤمنين لا يحمل الناس إلا على كتاب الله، فمن منا إلا من رد ورد عليه إلا صاحب ذلك القبر الشريف، لذلك أرى كل من استعان بالحاكم ليجبر الناس على رأي ديني، فشل هذا الذي استعان بالحاكم، فانظر إلى ابن ابي داؤد، وانظر إلى أمثاله من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم الذين استعانوا بالحاكم ليفرضوا رأياً دينياً فشل الحاكم وفشلوا هم، بينما الأئمة رضي الله عنهم ما استعانوا يوماً بحاكم لفرض أفكارهم، وليس مذاهبهم، لأنهم لم يكونوا أصحاب مذاهب، كانوا أصحاب فكر، ونحن الذين حولناه إلى مذاهب تبنته دول، فالمذهب الحنفي حين تتبناه الأحناف تحول من مذهب فقهي إلى مذهب سياسي.
• إذا كان الموضوع بهذه الرؤية سماحتك كيف نفسر عدم انسجام الفكر الديني مع المجتمعي المدني أو العلماني؟
اليوم الفكر الديني يستطيع أن ينسجم مع كل العالم، ولكن الذي لا ينسجم هو فكر رجال العلم الإسلام، الذين تفرقوا أحزاباً وشيعاً فكان منهم السني والشيعي والمعتزلي والشافعي والسلفي. هم يفرضون مذاهبهم وطوائفهم وليس الإسلام، أكثرنا اليوم لا يدعو للإسلام، إنما يدعو للآراء الشخصية.
فانظر إلى مدارسنا العلمية اليوم في العالم الإسلامي، هل تلتقي مدرستان مع بعضهما بعضاً؟

• حتى ضمن المذهب السني أو الشيعي؟
حتى ضمن المذهب الواحد ترى كل مجموعة تعتقد نفسها أنها على صواب وغيرها على الخطأ، بينما الإمام الشافعي رحمه الله من اللحظة الأولى قال: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ونحن مشكلتنا اليوم وصلنا إلى حد في قتل بعضنا بعضاً مقابل آرائنا لا مقابل التشريع. قد خرجنا من مظلة التشريع إلى مظلة الأهواء، وقد جاء في قوله تعالى (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) ثم قال (وأضله الله على علم) لذلك حينما أجد هذا التصارع بين أبناء المدرسة الواحدة في الإسلام هذا ليس الإسلام، هذا هم المسلمون، وهذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: «لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» فليس الضرب بالسيف، إنما الضرب بالحكم الذي يوصل للسيف، بحكم شرعي فحينما أجد أناساً يصعدون إلى المنابر، ومن باب التبرير أو من باب التمرير يكفرون بعضهم بعضاً، فإذا تحدث أحدنا بتطوير قانون الأحوال الشخصية مثلاً فأجدادنا كانوا يقولون كما يقولون في المذاهب، إن الولد ينسب إلى أمه إذا أقسمت يميناً بالعظيم وهذا يكفيك، واليوم جاء الدين ليكشف أن هذا الولد أبوه فلان وجدّه فلان وجد جده علمياً وبدقة، نأتي بالمرأة لنقول لها أقسمي يميناً ولتأخذ أنت هذا الولد رغماً من أنفك، إذاً عليك أن تأخذ بالعلم فالنبي صلى الله عليه وسلم سُرّ عندما مرّ واحد من العيّافين الذين يعرفون بالأنساب فرأى أسامة وزيداً نائمين وقد ظهر باطن رجليهما، قال: فإن لم يخب ظني فهذا ابن هذا.
وكان أحدهما أبيض والثاني أسمر غامقاً، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا فرح؟ فرح بعلم هذا العيّاف فإذا جئنا اليوم إلى قانون الأحوال الشخصية الذي وضع على مذهب أبي حنيفة بقرار سياسي من الدولة العثمانية التي لم تكن تعترف بقرار آخر أو بمذهب آخر، ثم نأتي بعد عام 2015 لنقول طوروا هذا الفكر على المذاهب الإسلامية بأجمعها واستعينوا بعلماء الطب وعلماء النفس وعلماء الفكر في خدمة إسلامكم وخدمة منهجكم، فنقول لا ما هذا قاله أبو حنيفة ولا هذا ما قاله الشافعي إلى متى نبقى في هذه الحالة التي نخلط فيها بين الإسلام السياسي والإسلام السني والإسلام الشيعي والإسلام المعتزلي والإسلام الأشعري، يا ناس عودوا إلى الإسلام الحقيقي.

• أليس هذا من باب الجهل بالدين؟
حينما تجد في الأمة الإسلامية وعلى أبواب مساجدها علامات الانتماء تجد أنها ابتعدت كثيراً عن الإسلام الحقيقي، حينما آتي إلى مسجد على أنه مسجد ابن تيمية والآخر مسجد الشافعي والآخر مسجد فلان من علمائنا المعاصرين، والمسجد الفلاني مسجد التاجر الفلاني ومنذ 1400 سنة قال الله تعالى «إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً» فقد جعلنا حتى المساجد مذهبية وطائفية فتعالوا نعد إلى إسلام الإسلام لا الإسلام للمعتدل ولا الإسلام الوسطي والإسلام المتطرف عيب أن نقول عن الإسلام هذا، قال الله تعالى «إن الدين عند الله الإسلام» منذ نوح حتى يومنا هذا، هو إسلام واحد تعددت شرائعه ولم تتعدد عقيدته، فالذي جاء بالإسلام وصاغه للكون هو رب الإنسان فلذلك حينما نعطي الإسلام ألقاباً متطرفة، ونقول إسلام سياسي، وإسلام فكري وبنك إسلامي، وبنك ربوي، وبنك تجاري، يا ناس، أبعدوا الإسلام عن ألاعيبكم وعودوا إلى إسلام النبي صلى الله عليه وسلم وإسلام عيسى وموسى وإبراهيم ونوح، فالله تعالى حين قال لكم شرع لكم من الدين ولم يقل من الأديان ما وصى به إبراهيم وموسى وعيسى ثم قال «أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا» ولم يقل الأديان، ثم قال «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً» والله لو لم يقل الله «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» لعبثنا حتى في النص القرآني ولكن من فضل الله تعالى أن القرآن الذي يقرأ في طهران وفي مكة وفي ماليزيا وفي جاكرتا وفي دمشق قرآن واحد ولكن الذي عبث به فهمنا للقرآن ففرضنا فهمنا على القرآن ولم نفرض القرآن على فهمنا.

• هل كان عمر رضي الله عنه وأبو بكر سنيين، اليوم حين نقول لن نسمي المساجد بأسماء لماذا أحمله ولم يكن ذلك الرجل؟
لو جاء ذلك الصديق وعليّ رضي الله عنهما وسألانا، من أنتم؟ فابتسمنا وقلنا نحن سنة وشيعة نحن سنة الخلفاء الراشدين، وقال الآخرون نحن شيعة علي لتبرأ علي وعمر منا، لأنهم يقولون تركنا رسول الله مسلمين وما كنا متقاتلين، كان الخليفة خليفة، والإمام إماماً فحينما يقول عمر لولا علي لهلك عمر، وحينما يقف علي على قبر عثمان ويبكي ويقول «عرفتك يا عثمان محبوباً لرسول الله، محباً لله، ما زلت أذكر يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك وأنت تجهز جيش العُسرى ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم» ثم نقول تقاتل عثمان وعلي، تقاتل عمر وعلي هذه لعبنا بالتاريخ لنستحي من الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر خطبة له بعد الفجر من يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وقد بلغ الثالثة والستين من العمر «تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها ثم قال لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»، ألا من استحل اليوم دماء المسلمين باسم الشيعة والسنة باسم الإسلام السياسي، باسم الإسلام السلفي والصوفي؟ من استحل دماء المسلمين؟ أحيل إلى قول رسول الله، لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ألا هل بلغت اللهم اشهد، ثم استدار إلى الصحابة فقال إن الله سائلكم عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة فأشار إلى السماء وقال اللهم اشهد، نعم على هذا تركنا رسول الله يحب بعضنا بعضاً، يؤاخي بعضكم بعضاً، فينا سعد بن عبادة الذي يرفض أن يبايع أبا بكر وعمر فما ضربت رقبة سعد بن عبادة، وفينا علي الذي كان إماماً عند أبي بكر وعمر وعثمان، وفينا أيضاً عمر بن الخطاب الذي يصادر مال ولده لأنه استغل منصب الخلافة باسم الخلافة، تعالوا لنعود إلى الإسلام ولا نستغله لنصل إلى السلطة والحكم، ولا نجعل من المساجد دوائر مذهبية ومشيخية تهتف بأسمائنا لا بأسماء الإسلام وتدعو لنا لا إلى الإسلام وتدعو لمذاهبنا وجماعتنا لا إلى الإسلام.
هذا ذنب سورية اليوم أنها أرادت إسلاماً لا وصاية عليه من سنة ولا من شيعة ولا من وهابية ولا صوفية، لماذا أرادت سورية ذلك؟ لأن رسول الله قال عمود الإسلام في الشام إلى يوم القيامة فمن استظل بهذا العمود أظله، ومن عبث بهذا العمود ضربه وأبعده.

• هناك مشكلة في فكرنا الإسلامي سماحة المفتي؟ عندما أقول اليوم نفعل اليوم كذا أعود إلى كتب التراث لأجد العلماء القدامى كانوا يفعلون ما نفعل اليوم! مثل هذه الصبغة المتشددة في التراث تعني أن المشكلة متأصلة، ما قولك؟
أولاً: عودوا إلى قداسة النص، هل هناك نص مقدس غير لفظ القرآن الكريم، طبعاً لا، أما ما بقي، فنحن حتى أحاديث النبي (ص) وقد ولدنا في بيئة تقول لنا إن كل ما في البخاري ومسلم صحيح لا زيغ فيه ومن شك في البخاري ومسلم شك في القرآن، هكذا علمونا في المدارس الشرعية، لكن بعد أربعين سنة أو خمسين سنة من هذه الدراسة خرج من علماء الصوفية وعلماء السلفية من يضعف بعض أحاديث البخاري ومسلم، ويكتب في ذلك كتباً، ولكن المشكلة فينا أننا حجبنا عن عقولنا المعارف ورضينا أن نكون وراء كل تالف فحينما تقول لي إن هناك من كان يعتبر أنه تاب من الشافعية وعاد إلى الحنابلة فأقول لك: حتى في يومنا هذا ما زال هناك في بعض البلاد الإسلامية بل بعض الفكر الإسلامي ما يرى أنك لو انتقلت من شيخ إلى شيخ لفقدت روحك ودينك.

• اليوم المشكلة مرتبطة بالسياسة، لكن في الماضي ما الذي كان سبباً وراءها؟
إذاً هذه من تراث الماضي الذي ورثناه بلا وعي ولا عقل، فالإمام أبو حنيفة والإمام أحمد والإمام مالك والإمام جعفر والشافعي كلهم ما أنشؤوا مذهباً، ما كتبوا مذهباً كتبوا فكرهم، وقالوا هذا ما فهمناه، إنما من جاء بعدهم تبناه وجعله مذهباً ليظهر به، لأنه ليس لديه القدرة ليظهر بنفسه.
لذلك لو رجعت إلى الإمام النووي في كتبه لرأيته يأخذ من كل المذاهب ولا يأخذ من مذهب واحد، وهو قريب منا وليس ببعيد، فلماذا نحن اليوم نعود إلى الخلف ولا نتقدم إلى الأمام؟ في زمنهم ما كان يصلهم سوى كتاب واحد لأنه مخطوط واليوم على جهاز صغير في جيبي أجمع مكتبة عالمية أستطيع أن أرى بها فكر العالم كله. أنا أتساءل غداً إذا اكتشفنا ما هو موجود في مكتبة الفاتيكان من المؤلفات العربية التي تتجاوز الخمسين ألف مؤلف، وفي مكتبات أوروبا ما سرق من مكتبات سورية ومكتبات مصر الذي يتجاوز 120 ألف مخطوط فوجدنا هناك من تلاميذ أبي حنيفة من رد على أبي حنيفة، ومن تلاميذ الشافعي من صحح أقوال الشافعي ومن تلاميذ مالك من رد على مالك.
ماذا نقول في مؤلفات معاصريهم سنقع في حيص بيص لأننا قدسنا ما ليس مقدساً لأنهم هم لم يقولوا قولنا مقدس، قالوا قولنا صواب يحتمل الخطأ.

• والشافعي عدّل فقهه بين مرة وأخرى؟
نعم إذاً على علمائنا اليوم وعلى ساستنا أن يبتعدوا عن فرض الرأي الشخصي بصورة مقدسة، فليس رأيي مقدساً، وليس رأيك مقدساً إن كان في الدين أو في السياسة، إنما رأينا صواب يحتمل الخطأ، ولهذا كفانا ضياعاً في عالمنا الذي يقتتل اليوم ويهزأ العالم به، فما يحدث باليمن اليوم أقسم بالله ليس قتالاً مذهبياً ولا طائفياً، وما يحدث في سورية ليس قتالاً دينياً ولا طائفياً ولا مذهبياً ولا سياسياً إنه قتال استعماري لتدمير الأمة بأجمعها ولكن بيدها لا بيد غيرها فمتى يصحو علماء الدين، ومتى يصحو أرباب السياسة ألا يخلطون بين السياسة والدين، فالسياسة قرارات نصوغها لتكون في خدمة الإنسان في ماله وجسمه وعقله وعقيدته ووطنه هذه مهمة السياسة في كل الدساتير.

• كيف من يرى أن مهمة السياسة هي خدمة العقيدة؟
أنا بالنسبة لي لا أجد أن هناك كلمة سياسة تنجح إلا إذا خدمت الإنسان، فالإنسان يجب أن يكون حراً في معتقده حراً في تصرفه محفوظاً في عرضه وماله ونفسه، هذه لابد منها في حياة كل الأمم وكل دساتير العالم تقول بذلك، لأن الله هو الذي بدأ هذا القانون فقال: «لا إكراه في الدين» فإذاً كيف تفرض في سياستك ما تقرؤهُ على دين أو مبدأ أو عقيدة إذا كان الله خالق الإنسان لم يكره أحداً على الدين؟! لذلك نجد في الصحابة رضي الله عليهم وفي أتباعهم وتابع التابعين من خالف والده ومن خالفه والده حتى في المذاهب حتى في الحوارات، فابن أحمد ابن حنبل خالف والده في كثير من الأشياء، لذلك علينا أن نوسع أفقنا في مساحات العولمة المعاصرة اليوم، وأقولها بكل صدق، لكل علماء الإسلام إن لم تستعملوا العولمة الثقافية والفكرية في بناء الجيل الجديد فسينساكم هذا الجيل، ويقول لكم أتشدوننا إلى الخلف والخلف ما شدنا لنفسه؟ إنما علمونا كيف نصنع المستقبل، تريدون منا أن نتبحر مع الفكر القديم والفكر القديم ما طلبنا أنت نتبحر، إنما طلب منا أن نتألق، فأين إنتاجكم، فما أنتم إلا عالة على كتب المتأخرين والمتقدمين أرونا ما تصنعون لمستقبلكم ولمستقبل أمتنا فإن العالم وصل إلى القمر علماً وكنائسه ومساجده ما زال الناس يصلون فيها وأنتم لم تصنعوا سيارة حتى الآن، بنيتم مساجد ونسيتم الساجد، بنيتهم معابد ونسيتم العابد، ونسيتم أن بنيان الله الأقدس هو الإنسان فمن خدم الإنسان بنَي أعظم مسجد، وهذا الذي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يطوف بالكعبة «ما أطيبكِ وما أطيب ريحك وما أعظمك وما أعظم حقك عند الله، ولكن المؤمن أعظم حرمة منكِ دمه وعرضه وماله وأن يظن به خيراً» وأؤكد هذه الجملة فهل نحن نظن ببعضنا خيراً، فأنا أتهمك بمجرد سماع فكرك بأنك كافر من دون أن أسمعك مباشرة، أين قول النبي أن يظن به خيراً، لماذا نظن ببعضنا السوء؟ تعالوا نظن ببعضنا أننا جميعاً نريد بناء سورية الحبيبة وعالمنا الإنساني وعالمنا الإسلامي على أسس الأخوة والمحبة والمساواة بين المسلمين والمسلمات وبين المسلمين وغير المسلمين، فإن كنا بين المسلمين والمسلمين نقل لبعضنا إنما المؤمنون إخوة، وإذا كنا بيننا وبين غير المسلمين تعالوا إلى «كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله» نكن أحراراً من عبوديتنا للمذهب والطائفةِ والعنصرية والسياسةِ وللعرق ونكن أحراراً يوم لا نعبد إلا الله ويومها نبني وطناً على الحب والإخاء وتكن الشرائع خادمةً لها وليست مفرقةً كما يفعل اليوم من لا يفقهون الشريعة والدين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن