سورية

على مدى ثلاثة أيام.. المؤتمر الدولي للتأريخ الشفوي يبدأ فعالياته في مسقط بمشاركة سوريّة … شعبان: قصص الحرب علمتنا أن سورية صمدت لأن أبناءها بذلوا أقصى ما لديهم لحمايتها

| مسقط- سيلفا رزوق

أكدت مؤسس ورئيس مجلس أمناء مؤسسة «وثيقة وطن» بثينة شعبان أن ما شهده العقد الأخير من استهداف ممنهج للهوية والتاريخ الوطني في كثير من البلدان العربية يستلزم منا دعوة عاجلة لتأكيد حرص هذه البلدان على حفظ وتدقيق وحماية تراثها وهويتها وذاكرتها الوطنية، مبينة أنه ومن قلب هذا الحرص ولدت فكرة «وثيقة وطن» في الجمهورية العربية السورية بدعم وتوجيه من الرئيس بشار الأسد.

وفي كلمة لها خلال افتتاح المؤتمر الدولي للتأريخ الشفوي في مسقط أمس لفتت شعبان إلى أن «وثيقة وطن» بدأت بمسابقة الزمن لتسجيل روايات السوريين الذين عاشوا فصول حرب إرهابية على سورية استهدفت المؤسسات والذاكرة والهوية الوطنية والعيش المشترك.

وقالت: «المشروع الذي أدهشني هو مشروع «هذي حكايتي»، كي يكتب كل سوري عاش قصة خاصة في زمن الحرب قصته، ولكن المفاجأة كانت أهم وأكبر من هذا بكثير، فقد اكتشفنا من خلال هذه القصص أبطالاً مجهولين وضعوا أرواحهم على أكفهم من أجل حماية مؤسسة أو إنقاذ سجلات مهمة للوطن أو حماية معمل حيوي بعد أن اخترعوا طرقاً غير مسبوقة لإخفائه عن الأنظار، هؤلاء لم يكونوا من الجيش ولا من الدفاع الوطني ولم يكلفهم أحد بالاضطلاع بهذه المهام المستحيلة والتي قد تودي بحياتهم في أي لحظة، ولم يأملوا أن يسمع بهم أحد أو يشكرهم أحد، ولكن منطلقهم كان الوطنية الصافية والانتماء وقداسة الواجب الوطني».

وأضافت: «لقد كانت قصص هؤلاء مؤشراً أكيداً على قدرة سورية على الصمود في وجه أخطر وأكبر مؤامرة إرهابية تعرض لها أي بلد في العالم، لقد علمتنا قصصهم أن سورية صمدت وانتصرت لأن أبناء شعبها بذلوا أقصى ما لديهم من جهد وتعب وذكاء لحمايتها، وتخلّل ذلك تعاون جميل بين كلّ أطياف الشعب السوري وفي كلّ المناطق».

ولفتت شعبان إلى أنه يلوح أمامنا اليوم ما تشهده المنطقة العربية وما يشهده العالم من صراعات مباشرة وغير مباشرة ومحاولات إذابة ومحو للهوية والثقافة والتراث، وهذا يضعنا أمام مسؤولياتنا الوطنية الملحة في صون وحفظ وتوثيق تاريخنا بأيدينا وأدواتنا ومن منظور هويتنا وتراثنا وثقافتنا.

وقالت «نعلم جميعاً أن التقصير في تحمل هذه المسؤوليات الوطنية سيبقي الباب مفتوحا أمام المساعي الاستعمارية وأدواتها الاستشراقية في تزييف وتحريف واستغلال تواريخ الشعوب من أجل إضعافها والسيطرة عليها، ولنا فيما يحدث اليوم في فلسطين المثال والعبرة».

وقالت شعبان: «منذ تأسيس «وثيقة وطن»، أدركنا في سورية جملة المسؤوليات المجتمعية، المعرفية والثقافية التي يفرضها ميدان عمل في التأريخ الشفوي، فالتأريخ الشفوي، الذي يناقش السرديات التاريخية السائدة والمهيمنة ويؤسس لسرديات مغايرة حيناً ومنافسة في بعض الأحيان، يحظى بمكان محوري في شبكة علاقات القوة الكامنة في إنتاج وإعادة إنتاج المعرفة وسد الثغرات المعرفية بخصوص الماضي وعلاقته بالحاضر والمستقبل».

وتابعت: «وفي ضوء ذلك كان العمل على نشر ثقافة التأريخ الشفوي وتمكينها مجتمعياً وثقافياً أحد أهم أولوياتنا وقد قاربنا هذا العمل على عدة مسارات: أحد تلك المسارات كان في العناية الفائقة التي أولتها المؤسسة بعلمية ومنهجية التأهيل والتدريب وبناء القدرات والمهارات اللازمة للباحثين والمهتمين بالعمل في مجال التأريخ الشفوي بغية إعداد وتكوين فرق عمل بحثية مدربة بالمعنى الاحترافي بما يناسب حجم مشاريع المؤسسة وأنواعها، وتفعيل دور المؤسسة المجتمعي في تنمية وتأهيل الموارد البشرية المحلية وإثراء رأس المال الفكري كمساهمة تتطلع إليها المؤسسة في رفد العملية التنموية».

وانطلقت أمس أعمال المؤتمر الدولي للتأريخ الشفوي «المفهوم والتجربة عربياً» الذي تنظّمه مؤسسة «وثيقة وطن» إلى جانب هيئةُ الوثائق والمحفوظات الوطنية العُمانية وبمشاركة نخبة من الباحثين والدارسين في مجال التوثيق.

وقال رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية العُمانية حمد بن محمد الضوياني في كلمته إن الهيئة دأبت على التعريف بالجوانب الحضارية والتاريخية والثقافية والفكريةِ لسلطنة عُمان وتاريخها الذي أنجزه العُماني على مر العصور.

وأضاف: «إن إدراك هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية لأهمية الوثائق بكل أنواعها تؤول في حفظ ذاكرة الوطن والدفاع عن حقوقه وإبراز إنتاج وإبداع المواطنين في ضمان استمرارية مؤسسات المجتمع، وتمكين أفراده من الوقوف والتعرف إلى كيانات ومقدرات الوطن من خلال ما تقدمه الوثائق من معلومات ومعارف متعددة حول الأنماط المعيشية والأوضاع الاجتماعية والإنجازات الاقتصادية والسياسية وغيرها».

المؤتمر الذي رعاه محافظ مسقط سعود بن هلال البوسعيدي وحضره ممثلون عن المؤسسات الحكومة العُمانية وأعضاء مجلسي الشورى والدولة العُمانية، شهد اليوم الأول من أعماله جلسة واحدة تمت خلالها مناقشة المحور النظري الذي جاء بعنوان «مفهوم التأريخ الشفوي عربياً» من خلال خمس أوراق عمل.

وفي تصريح لـ«الوطن» قال رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية العماني: «نحن سعداء بهذا التعاون الذي أثمر في تبنينا هذا المؤتمر والذي حضرته مختلف وزارات وهيئات الدولة ومستوى عالٍ من القيادات الثقافية والفكرية العمانية إضافة للوفد السوري الكبير من الباحثين والمختصين».

وأشار إلى أن المؤتمر يبحث على مدار ثلاثة أيام جلسات العمل مفاهيم التأريخ الشفوي والتحديات التي تواجه هذا الجانب والتجارب الدولية في هذا الإطار، وتقديم أوراق عمل من قبل الدول المشاركة ممن أشرفوا على إثبات الحقوق وجمع الشهادات وإجراء المقابلات ورسم كل المعلومات حول التأريخ الشفوي.

وأضاف: «نحن نؤمن بأهمية الوثائق والمحافظة عليها وبناء ذاكرة وطنية ممتدة عبر العصور، ولدينا وثائق سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى العلاقات الخارجية، وهذه الوثائق ركيزة أساسية وحضارية، حيث أصبحت الهيئة هي الجهة التي تسهم في إتاحة البحث العلمي وتقديم الوثائق المطلوبة للباحثين وإمكانية الاطلاع عليها للاستفادة منها، فنحن نؤمن بأهمية الوثيقة في حياة الوطن».

وبيّن الضوياني أن المؤتمر يعتبر أنموذج للتعاون بين بلدين شقيقين تربطهما صلات علاقة قوية ومتينة وتربطهم علاقات قوية أيضاً من الجوانب الحضارية ومن الناحية الفكرية والثقافية فهناك مقاربات كثيرة في العادات والتقاليد والفكر وقال: «أعتقد أن لدينا مجالات أوسع من التعاون ومن خلال هذا المؤتمر نتطلع لتوسيع هذا التعاون ونتطلع أيضاً أن يشمل هذا المسار كل الدول العربية».

سفير سورية في عمان إدريس ميا أكد في تصريح لـ«الوطن» أن انعقاد المؤتمر والتنسيق بين مؤسسة «وثيقة وطن» وهيئة الوثائق والمحفوظات العُمانية يؤكد مرة أخرى خصوصية العلاقات والتعاون القائم بين البلدين في كل المجالات، ومنها في مجال التوثيق والتأريخ الشفوي وأضاف: «هذا الحدث مهم وهو الأول من نوعه في المنطقة ومن شأنه أن يعطي دفعة قوية ويشكل نقطة انطلاق لتعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين هذا المجال المهم».

ممثلة الجانب الروسي المشارك في المؤتمر رئيسة قسم التأريخ الشفوي في جامعة موسكو تتيانا مدفيدفا اعتبرت في تصريح لـ«الوطن»، أن تجربة المؤتمر مهمة، وقالت: «تفاجأت برؤية الكثير من الباحثين من عدة دول حول العالم، وأعتقد أن هذا أمر مذهل، وأود أن أشارك تجربتي في قسم التأريخ الشفوي في جامعة موسكو، نحن ندرس كل جوانب تاريخنا منذ ما يقرب من 50 سنة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن