الأولى

عمليات نفسية وتلاعب بالناخبين

| تيري ميسان 

عام 2000، اعترض آل غور على نتيجة انتخاب جورج والتر بوش، وأكد أنه نجح في ولاية فلوريدا، وأنهم بالتالي لو أخذوا وقتهم بإعادة فرز الأوراق الانتخابية، لثبت لهم نجاحه.
مع ذلك، رأت المحكمة العليا في الولايات المتحدة أن معرفة ما يفكر به سكان ولاية فلوريدا أمر لا يعنيها، لأن الولايات المتحدة، بمقتضى الدستور ليست دولة ديمقراطية، وشعبها لا ينتخب الرئيس المعين من قبل الحكام، وهؤلاء أيضاً غير مجبرين على الأخذ بالرأي الاستشاري لسكان ولاياتهم.
إلا أن ذاكرة العالم على ما يبدو أقصر مما نتصور، لأن واشنطن تعيد لنا كل أربع سنوات الاستعراض نفسه لانتخاباتها التمهيدية، والانتخابات الرئاسية المزعومة.
علينا أن نتذكر من كل هذا أن الحكام، وهو تعبير خاص بالطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، يتمنون وضع شخصية توافقية في البيت الأبيض، وليس بالضرورة كما رأينا مع بوش الابن.
انطلقت لتوها الانتخابات التمهيدية في ولاية ايوا، وتكللت بفوز تيد كروز لدى الجمهوريين، في حين أعلنت الصحف احتمال فوز دونالد ترامب.
كروز، مرشح يدعمه فصيل من مجمع الصناعات العسكرية.
مدعوم، أو بالأحرى، مصنّع. إنه كذاب، وجذاب جماهيريا، يحيط به فريق من علماء النفس العسكري من شركة كامبريدج أناليتيكا. هذه الشركة للعمليات النفسية، كما بلاك ووتر للقوات الخاصة.
في بداية الحرب على سورية، وفي الربع الأول من عام 2011، انتشرت هذه الشركة في لبنان لدراسة ردود الفعل النفسية لدى كل طائفة. كان الهدف منها معرفة ردود فعل اللبنانيين إزاء اضطرابات قادمة في سورية، ودور تيار المستقبل.
عام 2012، تورطت الشركة نفسها في مشروع استبدال قنوات البث التلفزيوني السورية بقنوات مزيفة تابعة لـ(سي. آي. إيه) بما يمكن الأخيرة من إعلان «سقوط النظام» وردع السوريين عن إبداء أي مقاومة.
ترى شركة كامبريدج أناليتيكا أن الفائز في الانتخابات عادة، هو المرشح الذي ينجح في تجنيد أكبر عدد من الناشطين الذين يقنعون أقاربهم في التصويت له.
تمكنت الشركة من الوصول إلى ملف الزبائن لدى أمازون، العملاق الأميركي في البيع بالمراسلة، وأرسلت لكل زبون في الولايات المتحدة استبيانا الكترونيا زاعمة أنه من مصدر مجهول. كل الذين ردوا على الاستبيان تم التعرف إلى هوياتهم عن طريق الفيسبوك، وسمحوا بالتالي بالوصول إلى بيانات شخصية جديدة عنهم.
هكذا تمكنت كامبريدج أناليتيكا من معالجة تفصيلية لأكثر من أربعين مليون ناخب أميركي، حددت من خلالها نقاط الضعف النفسي، واهتمامات كل فرد على حد سواء.
على هذا الأساس، تمكنت الشركة من تجنيد عشرات الألوف من الأشخاص الذين تمكنت من إقناعهم، عبر رسائل مصممة خصيصا لكل واحد منهم، بالترويج لتيد كروز. وبغضون بضعة أسابيع أصبح كروز المرشح الرئيسي للحزب الجمهوري.
قد تتوقف التجربة عند هذا المستوى، لكن فيما لو استمرت، وأصبح تيد كروز رئيسا، فسيكون قد أثبت علميا أنه يمكن التلاعب بالناخبين، ما يجعل المثل الديمقراطية بعيدة المنال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن