قضايا وآراء

بين الواقعية والرهانات… من يوقف الجنون..!؟

| عبد السلام حجاب 

لا يزال اليورانيوم، عالي أو منخفض التخصيب، من العناوين الأشد كارثية لنظرية «الصدمة والرعب» الأميركية في غزو العراق خارج الشرعية الدولية سؤالاً عالقاً من دون إجابات عدا آثاره البغيضة في أجساد أطفال العراق وحديثي الولادة.
فهل تكون الحرب التي تديرها واشنطن ضد سورية والعراق والمنطقة بأسلحة مخصبة بإرهاب بعضه حلال وبعضه الآخر حرام، فالتبس الأمر عند الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وراح يصنف الإرهاب والدول التي تموله وترعاه وفق مصطلحات خاصة به تفوح منها رائحة التسييس التي تساهم في تشويه الحقائق.
وبين الواقعية السياسية والرهانات سيوف خائبة، مخصبة بإرهاب العقل والأدوات تلوح بمغامرة حرب على سورية يتحالف من أجلها العثماني أردوغان وحكام آل سعود ومشيخة قطر من دون عقل أو حسابات لمتغيرات سياسية وعسكرية في المنطقة والإقليم وعلى الصعيد الدولي. فإن السؤال يبقى قائماً بشأن من يوقف تلك العقول والسيوف المخصبة بالإرهاب. رغم أن الإجابات صدرت والتوضيحات أعلنت وقال الرئيس الأسد في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية «إن مثل هذه العملية لن تكون سهلة بالنسبة لهم، وبكل تأكيد فإننا سنواجهها».
وكما يبدو فإن نقاطاً سياسية في هذا الاتجاه سجلها اجتماع ميونيخ الذي تجاوز الساعات الخمس لوزراء خارجية 17 دولة بحضور الوزير الروسي لافروف ونظيره الأميركي كيري والمبعوث الأممي دي ميستورا الذي خرج متفائلاً في مؤتمر صحفي مشترك عقب الاجتماع. وإذا كانت النقاط السياسية التي جرى اعتمادها ليست كافية بمفاعيلها الواقعية على الأرض، فإن تفاؤل دي ميستورا يظل محدوداً لسببين:
1- عدم تحديد قائمة موحدة بالتنظيمات الإرهابية. وتأجيلها إلى وقت لاحق.
2- تمسك أطراف مثلث الإرهاب بموافقة أميركية من تحت الطاولة بالحرب المخصبة بالإرهاب ضد سورية ليفتح الباب على مصراعيه أمام جنون إشعال المنطقة المشتعلة، لمصلحة المشروع الأميركي الإسرائيلي وإن كان لكل من أطراف مثلث الإرهاب أجندته الخاصة.
ولعل الفارق ليس كبيراً بين حرب أميركية استخدم فيها اليورانيوم المخصب وبين حرب تديرها أميركا ويسعى أطراف حلفها المأزومون داخلياً وخارجياً كي تصبح واقعاً على الأرض السورية عبر إرهاب مخصب بالأسلحة والمال والمرتزقة كوسيلة لتنفيذ أجندات أطماع تكسَّر طيف واسع منها بضربات الجيش العربي السوري المتصاعدة على امتداد الجغرافيا الوطنية السورية، بدعم شرعي من القوات الجو-فضائية الروسية وجهود كل من إيران والمقاومة اللبنانية سياسياً وميدانياً.
ومن يقرأ وقائع متغيرات الميدان السوري سياسياً وعسكرياً، يدرك أن النقاط التي أعلنها اجتماع ميونيخ رغم عدم كفايتها لضمان مآلاتها إلا أن المواقف السياسية الداعمة للرؤية السورية لمسار العملية السياسية لم تتوقف عند التعويل على جهود دي ميستورا وأهميتها في هذا الاتجاه وحسب. بل رسمت خطوطاً حمراء روسية، وأميركية بتحفظ، من أجل فتح الطريق مجدداً أمام استئناف جنيف3 أعماله على قاعدة بياني فيينا وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 وقد أعرب الوزير لافروف عن أمله بأن يمثل اتفاق أميركي روسي حول التنسيق العسكري خطوة نحو تشكيل جبهة موحدة ضد الإرهاب كأولوية تحت رعاية الأمم المتحدة. وهو ما يمكن اعتباره تعطيلاً واقعياً للمقامرة التي قد يقود إليها جنون مثلث الإرهاب التركي السعودي القطري.
واعتبر المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة تشوركين «أن إرسال أي قوات سعودية أو تركية إلى سورية بمنزلة عدوان» كما حذر رئيس الوزراء الروسي ميدفيدف من خطر نشوب حرب عالمية جديدة في حال حصل تدخل خارجي في سورية، مؤكداً أن الحرب على الإرهاب يجب أن تتم وفق القانون الدولي وعلى أساس قرارات مجلس الأمن مع ضرورة الاحترام الكامل لسيادة جميع الدول.
رغم ذلك، وبعيداً عن تفاؤل دي ميستورا ومحاولات بان كي مون تمييع الحدود الفاصلة لعناوين إرهابية مدرجة على لوائح الإرهاب الدولي عبر مصطلحات جديدة مطلوب الخضوع لشروطها من حين لآخر، فإنه من الثابت أن الجهود الدبلوماسية للقضاء على الإرهاب في سورية لن تكلل بالنجاح ما دامت هناك جهات إرهابية مسكوت عنها ودول تقوم بتوفير كل أشكال الدعم لكل التنظيمات الإرهابية في المنطقة. وهو ما يستنفر من أجله حكام أنظمة السعودية وتركيا وقطر وآخرون عندما يصاب الإرهاب في مقتل أمام انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه، بحيث يصبح دحر الإرهابيين هزيمة لمشروعهم التقسيمي الحاقد ومرتكزاته. فترتفع وتيرة عويلهم وتصريحاتهم حول المدنيين واللاجئين بحثاً عن مخارج لواقع هزيمتهم عبر منافذ بغطاء إنساني سعياً لتوفير مصالح لوجستية للتنظيمات الإرهابية. وقد أشار إلى ذلك الدكتور الجعفري مندوب سورية الدائم على المنصة الإعلامية للأمم المتحدة بقوله «إذا أرادت الأمم المتحدة مكافحة الإرهاب، فلا بد لها من الابتعاد عن المعايير المزدوجة وعدم التغاضي عن الحكومات التي تمد الإرهابيين بالسلاح والمرتزقة والرعاية السياسية. كذلك فقد أعلن غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسية «أن مجموعة دعم سورية المجتمعة في ميونيخ تمكنت من التوصل إلى اتفاقات بشأن تسوية الأزمة في سورية» لكن السؤال وما يتفرع عنه من احتمالات وتداعيات قريبة وبعيدة جغرافياً وسياسياً: هل تراجع مثلث الإرهاب السعودي التركي القطري ومن يلتحق به من إرهابيين ومرتزقة وعملاء عن الجنون وإطلاق شروط لا تقرها القرارات الدولية وآخرها اتفاقات ميونيخ، الأمر الذي يدفع بالمنطقة والعالم إلى حرب فرض أجندات من خارج العملية السياسية في سورية وانعقاد جنيف 3 من دون شروط مسبقة،
أم إن لأميركا حضوراً آخر تعمل عليه خلف ستار المعايير المزدوجة يفتح الطريق أمام الحل المخصب بالإرهاب وخاصة أن الوزير لافروف أكد في تصريحات له من ميونيخ على مسألتين:
1. إن جزءاً من المعارضة السورية ينتهك القرار الدولي 2254 ويتحدث عن شروط مسبقة لبدء الحوار ويحاول نسف جهود المجموعة الدولية لحل الأزمة في سورية.
2. لا يمكن تطبيق اتفاق ميونيخ من دون تنسيق عسكري بين موسكو وواشنطن.
ويمكن الاستنتاج بأن الرهانات التي علقت جنيف3 وساومت في ميونيخ وتحدث عنها أصحابها في اجتماع بروكسل لن تتوقف باعتبار أن أجنداتهم عالقة في محطة لا يملكون القدرة على تخطيها والذهاب وحيدين لتنفيذ أجندتهم الإرهابية كما أنهم لا يملكون جرأة التراجع عنها لأسباب ليس أمامها سوى الهروب إلى الأمام. ولكن بثمن مجنون حيث حسابات التردد الأميركي بين الخسارة على حساب الحلفاء أو الخسارة في حرب إلى جانب الحلفاء؟ فهل يحمل الإجابة التنسيق الأميركي مع روسيا في محاربة الإرهاب؟ ويدرك المأزومون أن السوريين يملكون وسائل إيقاف الجنون والدفاع عن الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن