ثقافة وفن

صوت الموسيقا

| د. اسكندر لوقا

من الطبيعي أن يكون لكل منا عالمه الخاص. وقد يكون هذا العالم من الخصوصية حيث لا يستدعي جعله مرئيا من غيرنا ومن الطبيعي عندئذ أن يحيا أحدنا عالمه بالأسلوب الذي يختاره، على غرار الجلوس منفردا في مكان منعزل عن الناس لزمن يقرره نزوعه للتأمل أو الحلم، أو ترديد نغمة بصوت مسموع سبق أن أحبها، أو قراءة كتاب يستمتع بإعادة قراءته بين وقت وآخر، وما شابه ذلك من أنواع ممارسة الهوايات الخاصة التي تتصل بنزوع الإنسان إلى ذاته من دون مؤثرات يتلقاها من خارج هذه الذات، أو يكون بعيداً عن الأعراف والتقاليد المتبعة في بيئته على سبيل المثال. كذلك من الطبيعي أن يكون فرحه أكثر عمقا عندما يكون مفهوما من غيره، وإلا فسيجد نفسه غريبا عنهم رغم شعوره بأناه من دون حرج أو إحراج.
إن شعور المرء بحرية الذات لا يضاهيه شعور آخر من حيث أهميته ووقعه على نفسه، وذلك لاستقلاليته في اختيار نمط الحياة التي يراها جديرة بأن يتفاعل معها. وكثيرا ما يدفع الإنسان ثمنا لمثل هذا الخيار لكونه، أحياناً، لن يكون مفهوما تماما من الآخر، وقد يستدعي ذلك الحكم عليه من هذا الآخر أو ذاك قاسيا، بسبب من اتساع رقعة النظر إلى عوالم خاصة بينه وبين من لا تتطابق نظرته إلى الحياة مع نظرته هو. وفي عالمنا هذا ثمة كثيرون ممن يجدون راحتهم النفسية فيما عنيته بالاستقلالية والنزوع إلى التأمل والحلم بين وقت وآخر بحثا عن الراحة وبالتالي هربا من تداعيات الظروف التي يعاني منها، وقد لا يكون سببها مبررا بالواقع.
مهما يكن من أمر، تبقى نزعة الهروب إلى الوراء، أحياناً، مطلبا ممن تكبل أعباء المعيشة اليومية خطاه إلى الأمام، فيرضى، إلى حين، بما حصل عليه ولو كان قليلا نسبيا.
في هذا السياق أتذكر قولا للكاتب والروائي والشاعر والفيلسوف الفرنسي أندريه بريتون «1896-1966»: إن كلا منا يمتلك موسيقا مرافقة داخلية، وإذا ما كان الآخرون يسمعونها أيضا، فإن ذلك سيكون مدعاة لفرحنا.
ترى كم من رجالات السياسة في هذا الزمن تحديدا، يمتلكون موسيقاهم في داخلهم ويسمعها الآخرون بارتياح المتأمل والحالم بغد أفضل، لتكون حقا مدعاة لفرحهم؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن