قضايا وآراء

حرب مؤجلة

| عبد المنعم علي عيسى 

لسنا هنا بحاجة إلى كثير عناء أو مزيد من الفراسة لكي نعرف ما الخطة (ب) التي أثار فضولنا بها الوزير السعودي من الرباط 10/2/2016 فهي أصلاً مكرورة عن تصريح لنظيره الأميركي مضى عليه بضعة أيام فقط وهي بالتأكيد لا تعني سوى شيء واحد هو العمل العسكري.
بشكل عام فإنه ينظر على الدوام بعين القلق إلى الحالة التي تصل فيها السياسات بجميع أزقتها وزواريبها إلى طرقات مسدودة، الأمر الذي يمثل دافعاً –في كثير من الأحيان- لكي يخلي الساسة الساحات أمام القوة العسكرية أملاً في أن تستطيع هذه الأخيرة تحقيق ما عجزت عنه القوة الناعمة.
وفي إسقاط الصورة السابقة على المشهد السوري يمكن القول إن السياسات السعودية والتركية قد استنفدت شحناتها حتى لم تعد تجدي شيئاً على حين أن الانتقال إلى النصف الثاني من اللوحة (استخدام القوة العسكرية) هو أمر دونه الكثير من الحسابات والعديد من المحاذير التي يمكن أن يقال بعضها وبعضها الآخر لا يقال بل يفهم بالإيماء والإشارة لأن من شأن خروجه إلى العلن أن يفقده جزءاً من أهميته نظراً لأنه غالباً ما يكون في مسائل حساسة من الصعب تحديد خيارات القائم بالفعل فيها.
وإذا ما أردنا معاينة حسابات الحقل قبل أن نصل إلى البيدر يمكن القول أو الجزم بعدم تطابق الأولى مع الأخيرة على الرغم من أن نوعاً كهذا من الحسابات (حسابات الحقل) لا يفيد كثيراً في رسم مشهد الأحداث الحاصل فيما بعد البيان رقم (1) الذي يعني عملياً الإعلان عن بدء الحرب، إذ إن من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تذهب الأمور مهما تكن الخطط العسكرية متقنة وفق ما تم التخطيط لها، فما إن تبدأ الحرب حتى تذهب الأحداث بفرض قانونها الخاص بها، ومع ذلك فإن حسابات الحقل النظرية يمكن أن تقدم مقاربة للمآلات المحتملة التي يمكن أن تعقب الإعلان عن البيان رقم (1)، وفي ظل المعطيات المتوافرة الآن يمكن النظر إلى عملية عسكرية برية تقدم عليها كل من الرياض وأنقرة في الشمال السوري على أنها أشبه بعملية انتحارية من الصعب التنبؤ بتداعياتها وخصوصاً في شقها السعودي الذي يعيش الآن تناقضاً صارخاً فيما بين ركائز الداخل وبين رياح الخارج المحيط والأبعد ولربما كان ذلك هو ما يبرر التصريح الذي ذهب إليه نائب رئيس الأركان الإيرانية (10/2/2016) حين قال: إن الحرب التي يمكن أن يشنها آل سعود في سورية ستكون نتيجتها نهاية حكمهم.
وما يزيد في تأكيد الصورة السابقة هو أن الروس وفي رد قوي على أي احتمالات من هذا النوع كانوا قد استثنوا الشمال السوري من أن وقفاً لإطلاق النار يمكن أن تحدده اللجان المنبثقة عن مؤتمر ميونيخ (10/2/2016) وقد أكدوا رسمياً هذا الموقف في اجتماع لجنة الخبراء الروس والأميركان (ودول مؤثرة أخرى) الذي انعقد الجمعة 12/2/2016، ما يؤكد أنهم ماضون في خيار عزل المؤثر التركي عن مسار العمليات العسكرية الجارية في الداخل السوري وعلى امتداد الحدود السورية التركية بدءاً من اللاذقية وصولاً إلى حلب التي قال عنها محلل روسي كانت قد نقلت عنه (روسيا اليوم 13/2/2016) إن معركتها ستكون «ستالينغراد سورية» وإنها (معركة حلب) ستكون معركة مصيرية وحاسمة وقد تغيّر الوضع الجيوسياسي في المنطقة… والعالم».
تستثمر واشنطن حالة الهلع المتزايد كما يبدو لدى حلفائها الإقليميين (تحديداً السعوديين والأتراك) فتذهب إلى نصحهم «بشكل مباشر بعدم إضاعة الوقت قبل أن يفوت الأوان كما تعمل على استفزازهم بشكل غير مباشر، وفي هذا الإطار يجب أن يفهم تصريح جون كيري في 7/2/2016 عندما هدد المعارضة السورية بأنها «ستسحق في الميدان خلال ثلاثة أشهر» كما نقل موقع الميدل إيست آي في أعقاب تعليق المفاوضات في جنيف 3/2/2016.
لم يساعد بيان حلف الناتو الصادر في أعقاب اجتماع بروكسل يومي 10-11/2/2016 في كشف ضبابية الموقف الأميركي تماماً وهو كان من الأهمية حيث من الممكن اعتباره على أنه الأهم منذ اجتماع آب 2008 الذي انعقد لمناقشة الحرب الروسية الجيورجية المحتدمة آنذاك سواء أكان في الشكل أم في الحجم (والحجم هنا عامل مهم) فقد سعت واشنطن لأن يكون (ذلك الاجتماع) موسعاً جداً فقامت بدعوة واحد وعشرين وزير دفاع لدول أخرى غير الأعضاء الـ(28) الأصليين في الحلف في مؤشر واضح لبث الروح في التحالف «الستيني» الذي تتزعمه (تأسس أيلول 2014) في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، انعقد اجتماع بروكسل الأخير تحت شعار «إيجاد الخطط البديلة الفعالة في الحرب ضد داعش» على حين أن الهدف الحقيقي لذلك الاجتماع هو وضع الآليات المناسبة (كما يراها الحلف) لمواجهة روسيا على الأراضي السورية، فذريعة الحرب على داعش باتت أكثر من مفضوحة سواء أكان بالنسبة للأميركان أم للأتراك أم السعوديين، وما قامت به السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة (2009-2013) في الكتاب الذي أصدرته مؤخراً وأطلقت عليه عنوان «الخيارات الصعبة» لم يكن أكثر من تأكيد للمؤكد على الرغم من أنها فجرت قنبلة مفاجئة (ليس بالنسبة لنا بل بالنسبة للداخل الأميركي) ومن العيار الثقيل كان يمكن لها أن تكون أكبر بكثير من فضيحة ووترغيت 1974 التي كان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ضحيتها فيما لو كان الصراع بين «الجمهوريين» و«الديمقراطيين» الأميركان يمر بمرحلة تتطلب ووترغيت أخرى، تقول كلينتون إن أوباما كان هو الراعي لتأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام وإن الإدارة الأميركية كانت تنتظر فعلياً يوم 5/7/2013 للإعلان عن ولادة الدولة الإسلامية لتقوم بالاعتراف فيها فوراً مع حلفائها الأوربيين (تذكر كلينتون أيضاً أنها قد زارت /112/ دولة في الأشهر الثلاثة التي تسبق هذه الحادثة وبأنها قد وعدت من أغلبية الدول التي زارتها بالتجاوب مع الطلب الأميركي بالاعتراف بالدولة الإسلامية المزعومة) قبل أن – تضيف كلينتون- يؤدي الحدث المصري (مظاهرات 30/6/2014 وسقوط حكم الإخوان المسلمين في القاهرة 3/7/2013 إلى قلب المشهد رأساً على عقب ويضيع ما جرى في ثلاثة أيام الجهود المبذولة خلال ثلاثة أشهر كما تقول وزيرة الخارجية الأميركية السابقة وهي (ذريعة الحرب على داعش) مفضوحة أيضاً بالنسبة للسعوديين، فلو كان هدف هؤلاء محاربة داعش فعلاً لوفروا على أنفسهم عناء السفر وتكاليف نقل القوات إلى الشمال السوري، فداعش ترابط على بعد أميال قليلة من القوات السعودية في اليمن وهي موجودة علناً في عدن وفي المكلا وأبين، أما بالنسبة للأتراك فالذريعة هنا نكتة سمجة إذ لطالما كانت داعش وعلى مر الأعوام الثلاثة الماضية تسيطر على جزء كبير من الحدود السورية- التركية (حتى الآن بطول 100 كم) ولم يظهر ما يشي بأن أنقرة قلقة بشأن هذا الأمر وهي لم تطلق طلقة واحدة ولو كان كما يقال: «وعلى عينك يا تاجر».
وفي قراءة الأحداث المستقبلية فإن من الصعب رؤية السعودية وتركيا تقدمان على مغامرة عسكرية في سورية من دون دعم أميركي مباشر (الغطاء الأميركي هنا لا يكفي) وهو ما يظهر أن الرياض تدركه جيداً في تصريحات أحمد العسيري 11/2/2016 التي ربط فيها إرسال قوات سعودية برية إلى سورية بقرار التحالف الدولي الذي تتزعمه واشنطن البدء بالحرب على داعش، أما واشنطن فإنها تدرك أن عملاً عسكرياً تتزعمه أو تشارك فيه على الأراضي السورية في ظل الوجود الروسي هو أمر من شأنه أن يفتح جميع الأبواب على مصاريعها بما فيها المواجهة مع الروس التي سيكون من الصعب معرفة (إذا ما بدأت) إلى أين يمكن أن تصل أو تتطور، صحيح أن حلف الناتو قد اتخذ مؤخراً قراراً بنشر طائرات الإنذار المبكر (أواكس) لمراقبة الحدود السورية- التركية 11/2/2016 ما يعني عملياً دخول الناتو كطرف أساسي في التحالف الدولي ضد داعش، إلا أن ذلك يعتبر مؤشراً «رديفاً» وليس أساسياً بمعنى أنه لا يقرأ على أن واشنطن عازمة على القيام بعمل عسكري، فمن المعروف عسكرياً أن نشر تقنيات (الإنذار المبكر) هو أمر يكون عادة الخطوة الأخيرة قبيل استكمال العمليات التحضيرية للحرب والتي يجب أن يسبقها الكثير من العمليات مما لا تتوافر مؤشراته حالياً، أما المناورات السعودية- التركية التي يفترض بدؤها (الثلاثاء 16/2/2016 فهي لا تعدو أن تكون محاولة في وقت ضائع تهدف إلى ممارسة أقسى أنواع الضغوط النفسية والعسكرية التي تهدف إلى إجبار موسكو على تغيير مواقفها من الأزمة السورية.
الأمر الثابت الآن هو أن لا حرب برية على سورية أقله حتى ربيع العام 2017 أو صيفه عندما يكون قد حلّ في البيت الأبيض رئيس جديد لا يمكن من الآن التنبؤ بأولوياته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن