قضايا وآراء

روسيا تُسقِط الضغوط الاقتصادية الأميركية

| د. قحطان السيوفي

الاقتصاد هو المحرك الرئيسي للسياسة سواء في الحروب، أم الأزمات… ويثير انخفاض سعر النفط تساؤلات؛ حول دور السياسة في التأثير على مسارات الاقتصاد. والمؤكد أن هبوط أسعار النفط حالياً يرتبط بالصراع بين واشنطن وموسكو.
تاريخياً أسُتخدم النفط كسلاح ضغط لتحقيق أهداف سياسية، ومؤخراً كان النفط أهم بنود حزم العقوبات الاقتصادية المفروضة من الولايات المتحدة وحلفائها على روسيا بحجة الأزمة الأوكرانية، وهناك حرب تجارية أخرى بموازاة الحرب بالوكالة في سورية، وتستخدم فيها وسائل أخرى منها النفط.
نشرت صحيفة «برافدا» الروسية في إبريل 2015 عشية زيارة الرئيس أوباما إلى الرياض، أن «أوباما أقنع ملك السعودية بتنسيق الإجراءات في سوق النفط لخفض أسعاره العالمية بهدف معاقبة روسيا بسبب أزمة أوكرانيا…».
وتحاول واشنطن، واهمة ، تكرار سابقة تخفيض أسعار النفط عام 1985 كأحد أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي… و(تكشر) الإدارة الأميركية اليوم عن أنيابها الاقتصادية وتوجهها بشكل مباشر إلى روسيا، لكن روسيا وحلفاءها اتخذوا إجراءات مضادة، ليس فقط في مجال العقوبات الاقتصادية والنفطية ولكن أيضاً في ساحات وبأدوات أخرى. وقعت شركة «غازبروم» الروسية وهي أكبر شركة منتجة للغاز في العالم، مع شركة «رويال دوتش شِل»، اتفاقاً ضخماً لبناء خطيْن جديديْن من خطوط أنابيب نقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا ما سيطور التعاون الاقتصادي بين روسيا وشركات الطاقة الأوروبية إضافة إلى توقيع اتفاقات ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية، في وقت يسعى فيه الغرب إلى عزل روسيا اقتصادياً.
وتعمل الولايات المتحدة على دقّ إسفين بين روسيا وأوروبا من خلال محاولة قطع أي تعاون بين موسكو وشركائها الأوروبيين وإذكاء نار الحرب في أوكرانيا، وتحريض على العقوبات، وبالتالي ستحاول واشنطن فصل روسيا عن شراكاتها السياسية والاقتصادية في أوروبا، لكن هذا سوف يعزل الزعماء السياسيين الأوروبيين الملتزمين بإطاعة الإملاءات الأميركية، عن الزعماء الاقتصاديين الأوروبيين، الساعين لتحقيق أرباح من التجارة مع روسيا، وبالتالي ليس من مصلحة الساسة الأوروبيين أن يمضوا قُدُماً في خطوات ضدّ روسيا، لأن ذلك سيضعهم في صراع مع نخب رجال الأعمال الأوروبيين.
بالمقابل تمضي روسيا في تطبيق تحوُّلها الخاص بها نحو آسيا… بتوسيع علاقاتها الاقتصادية وخاصة مع الصين في العديد من المجالات بما في ذلك النفط والغاز (اتفاق ضخ 38 مليار متر مكعب من الغاز).
وعلى هذا النحو، تكون الحرب الاقتصادية التي بدأتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، ردت عليها روسيا بحرب اقتصادية قوية معاكسة احتمال وصول موجة من إمدادات الغاز الطبيعي المُسال من الولايات المتحدة إلى السوق هذا العام، سيقابله تخفيض الشركة الروسية العملاقة (غازبروم) الأسعار في حرب أسعار يقول عنها محللون «إن لها هدفين: الأول، إخراج شحنات الغاز الطبيعي المسال الأميركي من السوق الأوروبية من خلال تخفيض الأسعار، والآخر تثبيط الاستثمارات في مشاريع الغاز الطبيعي المسال على المدى الطويل.
من جهة أخرى اتخذت الحكومة الروسية إجراءات فعالة كاللجوء إلى احتياطى العملة الأجنبية، ووضع الذهب في لب الحرب النقدية من أجل مجابهة الدولار الأميركي، حيث قام البنك المركزي الروسي، خلال عامي 2014، 2015، بشراء كميات كبيرة من الذهب وبيع السندات الحكومية الأميركية… وروعي في ميزانية روسيا لعام 2016 ألا يتجاوز العجز العام 3% من إجمالي الناتج المحلي. يرى المحللون أن الموقف الاقتصادي لروسيا في عام 2016 سوف يتحسن بفضل الصناعات الغذائية والكيميائية وصناعة الأدوية… علماً أن البنك المركزي الروسي لديه احتياطي من العملة الأجنبية يقدر بنحو 400 مليار دولار، وحسب (ياكيمكين) أستاذ العلوم المصرفية والمالية بالأكاديمية الروسية للاقتصاد، فإن إجمالي الناتج المحلي سيبدأ في الصعود بعد الربع الأول من عام 2016، وإن الزيادة ستصل إلى 1% مع حلول نصف العام.
هناك قطاعات يتعين وضعها في الاعتبار وهي:
– قطاع الصناعات الغذائية؛ لأن روسيا تقترب من الاكتفاء الذاتي في القمح والبطاطس والسكر والزيت، واستمرار زيادة صادراتها من الحبوب.
– صناعة الأدوية؛ يُتوقع زيادتها بنحو 17% في هذا القطاع.
– صناعة الأسمدة؛ زيادة صادرات الأسمدة خلال عام 2016.
تعمل روسيا منذ شهر يونيو عام 2015 مع دول مجموعة «بريكس» من أجل خلق مقياس موحد لنظام مدفوعات متعدد الأطراف، يعطي (بريكس) استقلالاً تاماً عن الأنظمة الحالية.
في أيلول عام 2015 تحدث الرئيس بوتين عن برنامج ضخم للتنمية الاقتصادية خاص بالشرق الأقصى ومنطقة «بايكال» يشمل: بناء خط أنابيب في سيبيريا، ومحطة فضائية في «فوستوكيجي»، ومشروعات تتعلق بالغاز الطبيعي.
وحاليًا تقوم روسيا، من أجل تحفيز الاستثمارات الأجنبية، بدراسة ميزات ضريبية وتسهيل الإجراءات للمستثمرين ؛ وتسهيلات لمنح القروض، وتوسيع شبكات البنى التحتية… وبالفعل تقدمت مجموعة من الشركات الكبرى للاستثمار في روسيا، وعلى رأسها الشركات الصينية التي أبدت استعدادها للاستثمار بأكثر من مئة مليار روبل لبناء مشاريع إنتاجية.
باختصار نجحت روسيا في إسقاط الضغوط الاقتصادية الأميركية… ومستمرة في الدفاع عن مصالحها، ومكافحة الإرهاب. ما انعكس إيجاباً وقوة على مواقفها وحضورها على الساحة السياسية الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن