قضايا وآراء

عن «الخلاف الروسي – السوري» و«أوهام الحالمين»: ماذا طلب «حجاب» من «الإسرائيليين؟

| فرنسا – فراس عزيز ديب

هكذا أعلن المغرب إلغاء انعقاد القمة العربية على أراضيه بسبب ما أسماه عدمَ توفرِ فرص النجاح والتوافق: صدمةٌ كبيرةٌ عاشها المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، كيف لا وهو سيفتقد وجبةً كوميديةً اعتاد تقديمها له معظم المشاركين في هذهِ القمم منذ انهيار مفهوم الأمن القومي العربي مع دخول صدام مشيخة الكويت.
إعلان المغرب هذا رافقه نوعٌ من تملصٍ لـ«دي مستورا» من تأكيد يوم 25 الشهر الجاري كموعدٍ لاستئناف حلقات مسلسل جنيف، «دي مستورا» لم يكتفِ بالتملص فحسب، لكنه لم يستطع أن يعطي موعداً مبدئياً لاستكمال المحادثات، فالمستجدات أكبرَ منه، والأمور لم تعد لنقطة الصفر فحسب، لكنها انحدرت سلباً، فلا إرادةٌ واعيةٌ، ولا رغبةٌ جديةٌ لدى الممتعضين من انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه.
بين هذا وذاك، وجد أصحاب نظرية «أن الأسد يقيم على متن باخرةٍ روسية» ضالَّتهم في الترويج لخلافٍ (روسي – سوري)، مبنيٍّ على انزعاجٍ روسي من تصريحات الأسد الأخيرة. ترويجٌ يبدو أنه استند إلى أوهامٍ وأحلامٍ بعيدةٍ عنهم، أنهاها «دميتري بيسكوف» الناطق باسم الرئيس الروسي والذي ذكَّر بما قاله الرئيس بوتين بأن التسوية السياسية تتطلب أولاً إلحاق الهزيمة بالإرهاب، وهذا يتوافق ضمنياً مع ماقاله الرئيس الأسد بأن الهدف هو استعادة الأراضي السورية، وهل يمكن استعادة الأراضي السورية من دون إلحاق الهزيمة بالإرهاب!؟ حتى ماحُكي عن تصريحاتٍ للمندوب الروسي الدائم في مجلس الأمن اعتبرها «بيسكوف» نوعاً من «الاجتزاء». بالتالي، كما روجوا يوماً لمقتل 300 عسكري روسي في انفجارٍ بـ«قاعدة حميميم»، ثم ظهر كذبَهم، روجوا اليوم لهذا الخلاف، لكن مشكلتهم الدائمة أنهم لايُروجون للكذبة فحسب، بل يبنون عليها كمن يبني قصوراً من الرمال، فما الجديد؟
لم تكن الزيارة التي قام بها المعارض السوري ـ المعتدل جداً ـ «كمال اللبواني» للكيان الصهيوني بالجديدة، لأنها لم تكن زيارته المُعلنة الأولى، الجديد هذه المرة هو إصرار «اللبواني» ومن منبرٍ «إسرائيلي» على الحديث عن فرضية «المناطق العازلة» بدعمٍ من الكيان الصهيوني، فـ”اللبواني» حاول من خلال بعض المصطلحات الإيحاء وكأنه يسيطر على ثمانين بالمئة من «المسلحين» على الأرض، وأن همّه الوحيد ليس حماية «المقاتلين»، وإنما تأمين المدنيين. حديث «اللبواني» لايمكن أن يكون من بناتِ أفكاره، هذا الحديث ترافق مع معلوماتٍ أكدتها أوساط أمنية أوروبيةٌ عن حدوثِ اجتماعٍ ضم كلاً من منسق معارضة الرياض «رياض حجاب» ووزير الحرب الصهيوني «موشيه يعلون»، وذلك على هامش «قمة ميونخ»، هذا الاجتماع تم بطلبٍ من المعارضة السورية ذاتها عبر وسيطٍ هو وزير خارجية إحدى الدول الأوروبية، والعنوان العريض هو التحضير لإمكانية إخفاق الأتراك ومعهم «آل سعود» باقتطاع المنطقة الممتدة من «اعزاز» حتى «جرابلس» شمالاً كمنطقةٍ عازلة، على أن يُستعاض عنها بمنطقةٍ بديلةٍ في الجنوب الشرقي، يضمن الكيان الصهيوني منع تحليق الطيران فوقها، فيما يؤمِّن كل من «آل سعود» وملك شرقي نهر الأردن العدة والعَتاد، تحديداً أن المنطقة في هذه الحالة ستكون أقرب لقلب العاصمة دمشق، كما أن طرقات إمدادها عبر مملكة القهر ستكون أسهل.
في الشكل العام لا يبدو الكيان الصهيوني بوارد الدخول في هذه المعمعة والتي بالتأكيد سيكون فيها نوعٌ من الصدام مع روسيا، مادفع المؤسسة الأمنية الصهيونية لتسريبِ معلوماتٍ عبر الإعلام قبل أمس بأن الكيان ليس بوارد ارتكاب الخطأ الذي ارتكبته تركيا بإسقاط الطائرة الروسية، بل ذهبوا أبعد من ذلك بأن الطائرات الروسية لن يتم استهدافها حتى لو حلقت فوق «تل أبيب». هم يرون أن الأمور تسير في صالحهم دون أن يقحموا أنفسهم بمغامرات الآخرين، فتعويم فكرة الصراع «السني ـ الشيعي» في المنطقة بدلاً من «العربي ـ الإسرائيلي» يتقدم بجهود مستعربي النفط، وفي الشأن السوري فإن «سقط النظام» كما يتمنون جاءتهم المعارضة مستسلمة، وإن «لم يسقط النظام» كما يتوقعون، فهم حكماً يعرفون مدى الضرر الذي لحق بعوامل القوة السورية. هذا الرفض كان قد تبلغه «رياض حجاب» في اجتماعه مع وزير الحرب الصهيوني، الأمر الذي دفع الأوروبيين أنفسهم لحملِ رايةِ المطالبة بمناطقَ عازلةٍ، لكن بزخمٍ أقوى.
لايبدو أن الأوروبيين بوارد الاتعاظ من دروسهم السابقة، بل إن «أردوغان» وإن أخفق في أخذهم نحو حماقة التورط العسكري للناتو في مناطق قد تؤدي لصدامٍ مع روسيا، فإنه لازال يتقن وبنجاحٍ التلاعب بورقة اللاجئين، ليس انطلاقاً من ذكائه، ولكن من درجة الغباء السياسي التي بات عليها قطبا السياسة الأوروبية الأساسيان: فرنسا وألمانيا.
اقتنع الأوروبيون فيما يبدو بفكرة المناطق العازلة، ميركل كادت تكتب شعراً بأهميتها، لكن لايزال رئيس الديبلوماسية الفرنسية الجديد مُقِلاً في تصريحاته. الفرنسيون لايبدو أنهم بوارد تبديل سياساتهم، فكانوا رأس حربةٍ في رفض المشروع الروسي في مجلس الأمن، الهادف للجم الانتهاكات التركية للسيادة السورية.
في مقاربةٍ منطقيةٍ، يبدو توقيت المشروع الروسي غريباً، هم أصابوا في استغرابهم لرفض الغرب للمشروع تحديداً أنه يتضمن بنوداً سبق الاتفاق عليها، لكن ماذا لو طرحنا السؤال بطريقةٍ مختلفة: إذا كنتم أساساً متفقين على بنود مشروع القرار في عدة قراراتٍ سابقة ولم تُنفذ، فلماذا القرار الجديد؟
تُعلِّمُنا التجربة، أن أي قرارٍ دولي أول مايحتاجه هو توفر الإرادة الدولية لتنفيذه، جميعنا يتذكر كيف بدأ تنفيذ القرار المتعلق بليبيا بعد ساعاتٍ من اعتماده، لكن في الحالة السورية إذا كانوا يمنعون تنفيذ القرارات السابقة، فكيف سيقبلون باعتماد قراراتٍ جديدة؟ السعي الأوروبي لرفض اعتماد آليةٍ شرعيةٍ للجم الانتهاكات التركية، وبذات الوقت التغاضي عن التورط (التركي ـ السعودي) بتسليح ودعم المجموعات الإرهابية والربط التجاري مع داعش، يحمل في طيَّاته أموراً كثيرةً، لندقق بما قاله المندوب التركي في مجلس الأمن قبل أمس بأن عصابته الحاكمة لن تتدخل في سورية إلا بوجود قرارٍ من مجلس الأمن، أو بالتعاون مع دولٍ عدة. إذا افترضنا جدلاً أن قراراً من مجلس الأمن هو أمرٌ أبعد حتى من إمكانية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، نظراً لوجود الفيتو الروسي، فإن فرضية التدخل(التركي ـ السعودي) من خارج مجلس الأمن لا يعارضها الأوروبيون، بل إنهم قد يهلِّلون لها، لأن الصدام (الروسي ـ التركي) متعدد المزايا بالنسبة لهم، فهل حقاً باتوا يدفعون تجاه هذا الصدام؟
إذا كان الأوروبيون مستعجلين فعلياً لإيجاد حلٍ لمشكلة اللاجئين، فمن قال لهم إن تدخلاً برياً يُفضي لإقامة منطقةٍ عازلةٍ ستفي بالغرض! إن هكذا حربٍ إن اندلعت ستعني أن عليهم استقبال اللاجئين الهاربين من جنوب تركيا أيضاً، وليس من شمال سورية فحسب. أما النقطة الثانية: فإن اضطرار الأوروبيين للصمت على كل مايتعلق بآلية تسليح الإرهابيين، آخرها حديث «عادل الجبير» عن إيصال مضادٍ للطيران، هو بالنهاية دفعٌ نحو هذا الصدام، فكيف سيميز هذا الإرهابي الطائرة السورية من الروسية، أو ماذا عن وصول هكذا سلاحٍ للعمق التركي وإمكانية استهداف الطيران المدني؟ ألم يعدوهم يوماً أن السلاح سيصل لـ«المعارضة المعتدلة» لتخرج بعدها تقارير غربية تتحدث عن قيام هؤلاء الإرهابيين ببيع السلاح لـ«داعش» و«النصرة».
الجنون التركي واضحٌ أنه وصل ذروته، هذا الأمر لم يعد من باب الأحاديث الإعلامية فقط، هذا الأمر أثبتته الوقائع، قد يكون الأميركيون ممسكين بملفاتٍ كثيرة، لكن لنعترف أن الأميركيين حالياً يعيشون حالة فراغٍ لأسباب كثيرةٍ، ربما يحاول ملأها الأوروبي الذي لم يعد يطيق تركيا ككتلةٍ واحدة على حدوده، فلماذا لا يحاول استثمار هذا الجنون؟
ليس صحيحاً أن سبب هذا الجنون هو فقط تقدم الجيش السوري وحلفائه، بل الأدق أن هناك سبباً لا يقل أهمية وهو «خذلان» الجميع له، فالناتو وعبر رسالةٍ مبطنة لوزير خارجية لوكسمبورغ «جان أسيلبورن» عبر الـ«ديرشبيغل» الألمانية أكد أن الحلف لن يدخل بمواجهةٍ مع روسيا فيما لو اختارت تركيا ذلك، النقطة الثانية هو أن ماسعى للهروب منه وهو تشكيل مناطق نفوذٍ كردية تربط شمال سورية بجنوب تركيا بات أمراً واقعاً وبغطاءٍ أميركي، أما النقطة الأخيرة فهي انحسار الخيارات لمواجهة كل ذلك. يستطيع «أردوغان» أن يتلهى الآن كما «آل سعود» في اليمن بقصفٍ مدفعي هنا وهناك، كما يستطيع أن يمارس «ساديته» بالطلب من طلاب المدارس المجيء بمسيرةٍ أمام قصره للاحتفال بعيد ميلاده، لكن ماذا بعد؟
غالباً مايُحكى عن فرضية أن إصرار أعداء سورية على رحيل الأسد هو من منطلق ثأرٍ شخصي؛ هذا التحليل للاستهلاك الإعلامي لا أكثر، مشكلة أعداء سورية هي مع الشعب والجيش السوريين. في النهاية ليس الرئيس وحيداً من أذلَّ هؤلاء المتآمرين، من أذلَّهم هو الشعب السوري بصموده، ففي حلب والتي منذ سنواتٍ ترزح تحت نيران القذائف التي تطال المدنيين، تم الرد على تقدم الجيش العربي السوري عبر تسليم الإرهابيين صواريخ «غراد»، وهل هذه الصواريخ هي لاستهداف الجيش أم المدنيين؟ المشكلة هي مشكلة شعبٍ، تحديداً ذاك الشعب الذي صمد وتمسك بأرضه، ولم يقبل أن يكون ورقةً يستعملها أعداء الوطن في اللجوء وغير اللجوء، فمن يضع نصب عينيه «العداء لشعبٍ» وعليه أن يتوقع المزيد من الانتكاسات، بل إن عليه أن يتوقع المزيد من التورط، لكن إلى أي مدى؟ هل للمدى الذي ينفجر فيه الوضع في تركيا، ويصبح حلم «الدولة الكردية» تحصيل حاصل، أم للمدى الذي سيتدخل فيه الناتو؟ تعالوا لنتخيل مثلاً «سيناريو» ثالثاً: ماذا لو اقتنع «أردوغان» بفرضيةٍ حاول يوماً ما أحد أصدقاء سورية تمريرها إليه:
لماذا لا تعتبر أنك والأسد ضد عدوٍ واحد؟ ربما فات الأوان، ولا مجال لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إنها حرب وجود، وليست حرب توسع، ومن لايصدق فعليه أن يُمعن كثيراً في أسباب إلغاء «آل سعود» الهبة العسكرية الممنوحة للجيش اللبناني، وكل من يصدق رواية «آل سعود» عن سبب الإلغاء ربما يحتاج لإعادة تأهيلٍ نفسي وصحي، تخيلوا أن من باتت «ثلاثة ملياراتٍ» تضرب ميزانيته، قادمٌ ليحرر الشعب السوري… نحن بالانتظار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن