قضايا وآراء

انتكاسة للعالم..

باسمة حامد:

 

لا شك في أن الانتكاسة غير المتوقعة في تدمر أحدثت صدمة شعبية لأنها تزامنت مع سيطرة «داعش» على الرمادي العراقية ومعبر التنف (الوليد) الحدودي مع العراق.
فبعد اجتياح التنظيم الإرهابي للمدينة طُرحت علامات استفهام عديدة في الشارع السوري لم تجد لها جواباً شافياً وواضحاً من قبيل:
لماذا انسحب الجيش من هذه المنطقة الحيوية؟! وأين حلفاء سورية؟ وكيف وصلت أرتال «داعش» إليها دون أن تتعرض لقصف على امتداد مئات الكيلو مترات في الصحراء المكشوفة؟ ماذا عن المطار.. مصير المدنيين.. المباني التاريخية.. خطط تطويقها.. وهل يُحضر لهجوم معاكس لاستعادتها؟ وهل استعادتها تشكل أولوية؟!.. الخ.
والملاحظ أنه وسط شحّ المعلومات الواردة بهذا الخصوص، وجدت الشائعات صداها لدى الشارع السوري، وخصوصاً أن الإعلام المعادي ركز على تناول «غزوة تدمر» بتقارير وأخبار تشكك بقدرات الجيش العربي السوري، وتظهر أن دولة الخلافة المزعومة «باقية وتتمدد»، وفي هذا السياق، ثمة عنوانان بارزان جرى التركيز عليهما بشكل لافت خلال الأيام الماضية بهدف تثبيط العزائم والنيل من المعنويات وهما:
 إن «النظام السوري سمح لداعش بالدخول إلى تدمر وسرقة الآثار منه».
 وإن التنظيم باحتلاله لمدينة تبعد نحو 215 كيلو متراً عن العاصمة دمشق، وتعتبر عقدة وصل بين المحافظات السورية «بات يسيطر على نصف سورية» وأصبح قادراً على تأمين «عمقه الإستراتيجي» في الرقة ودير الزور والأنبار!!
لكن بصرف النظر عن مناقشة تلك العناوين لكون من يقف وراءها ماكينات التحالف التركي السعودي القطري، وبعيداً عن مقولة: «الحرب كرّ وفر والمعركة سجال»، لا بد من الإضاءة على الحدث من زاوية واسعة، فمن الواضح أن انسحاب القوات المسلحة كان قراراً مدروساً ومحضراً له ولم يحصل كما صورته الفضائيات النفطية بشكل عشوائي (استسلام وهروب من المواجهة)، وقد مُهد لهذا القرار بعد صد الهجمة الأولى «لداعش» على المدينة، واتُخذت إجراءات احترازية من بينها: إخلاء سجن تدمر وإفراغ مطارها العسكري من الطائرات، ونقل كميات كبيرة من الآثار إلى أماكن آمنة.
وتؤكد تلك الإجراءات الاستباقية أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان بشأن وضع المدينة رغم ما تمثله مملكة زنوبيا في الوجدان الوطني والعالمي، فالظروف الراهنة تشهد سخونة على جميع الجبهات المفتوحة على الأراضي السورية، وبناء على المعطيات المتوافرة لا شك في أن أولوية حماية أرواح الجنود السوريين تتقدم على أي أولوية أخرى، كما لا يمكن للجيش العربي السوري أن يسقط من حساباته أهمية خياره وهو يخوض معركة مصيرية في القلمون ويعرف سلفاً خريطة وجود التنظيمات الإرهابية في جرود المنطقة والطرق الواصلة بينها وبين البادية.
وبكل الأحول، إن حماية المدينة المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي وهي تواجه خطر التخريب والسرقة والدمار مسؤولية عالمية وليست سورية فقط، فتدميرها: «سيكون خسارة هائلة للبشرية» وفق تحذيرات مديرة اليونسكو (إيرينا بوكوفا)، ألم يقل أوباما أن احتلالها بمنزلة «انتكاسة للتحالف الدولي»؟! ألم يعتبرها هولاند «تراثاً للإنسانية» داعياً العالم للتحرك دفاعاً عنها؟! ألم يطالب أمين (الجامعة العربية) باتخاذ «ما يلزم» لإنقاذها؟!
إذاً، على «المجتمع الدولي» وجوقة «نحن العالم» الكف عن ذرف دموع التماسيح وتحمل المسؤولية ليس فقط حيال ما اعتبرته المفوضة الأوروبية العليا للسياسة الخارجية والأمن (فيديريكا موغيريني): «رمزاً للميراث الثقافي الغني لسورية ومفترقاً للحضارات»، بل أيضاً حيال الفشل باحتواء التنظيم الإرهابي رغم مرور تسعة أشهر على إنشاء «تحالف دولي» أُسس أصلاً بحجة محاربته والقضاء عليه!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن