قضايا وآراء

شركاء الإرهاب.. لفحص الرهانات أم لشحن الأدوار؟!

عبد السلام حجاب : 

 

يبدو أن ظهور صور وملصقات داعشية علنية في شوارع روما الإيطالية وعلى سيارات مسؤوليها الحكوميين، يأتي في أعقاب ظهور تنظيم داعش الإرهابي مسلحاً في شوارع باريس ومدن أوروبية أخرى، وهذا إنما يؤكد أن لا أحد بمقدوره الجزم بأن العقرب لن يلدغ صاحبه، بعد صناعته وتدريبه وتغذيته، وإطلاقه في ساحات محددة، تمثل سورية والعراق الهدف الرئيسي له، دونما إغفال لساحات أخرى في لبنان ومصر وليبيا واليمن وصولاً إلى طهران وأوكرانيا باعتبارها خاصرة روسية مؤثرة في خريطة الصراع الدولي البارد حيث تخطط أميركا لجعله أشد سخونة إن بواسطة الإرهاب أو إجراءات لأدوار وظيفية في داخل حلف أوباما، لتثبيت مواقع نفوذ ورسم خرائط جيو سياسية في المنطقة وخارجها..
إنه من الواضح، فيما عدا الانزلاق باتجاه حروب تشمل المنطقة وخارجها، حيث لا أحد بمعزل عن نتائجها الكارثية، فإن الرهانات التي توقفت عندها العقلية الفاشية الأميركية، وشكلت تحالفاً دولياً في خدمتها، كشفت عن سياسات انتهازية دامية وتعددت الأطراف والأهداف، أصبحت بحاجة إلى فحص وإعادة نظر لأسباب يمكن تلخيصها بالآتي:
1- إن واشنطن ليست في وارد الذهاب في حرب مفتوحة لحساب الغير يمكن أن تعرض مصالحها الإستراتيجية وعلاقاتها الدولية للخطر، وخاصة أن روسيا والصين أكدتا في بيان مشترك لهما في موسكو «ضرورة حل الأوضاع المتأزمة في المنطقة بالوسائل السياسية والدبلوماسية حصراً من خلال حوار وطني واسع مع احترام قواعد القانون الدولي».
2- فشل غارات تحالف واشنطن ضد «تنظيم داعش» الإرهابي في سورية والعراق، وهو ما لفت إليه الناطق باسم الخارجية الروسية لوكاشيفيش بقوله: «من اللافت أن ما يطلق عليه التحالف لمحاربة داعش في العراق وسورية، تقوده واشنطن، لم يؤثر حتى الآن على قدرات التنظيم الإرهابي في توسيع رقعة وجوده»، وما لم يقله صراحة الناطق الروسي هو أن ما يقوم به تحالف واشنطن يعكس تواطؤاً مفضوحاً مع الإرهاب والاستثمار فيه، ولاسيما أن موضوع الإرهاب وسبل مكافحته تحت مظلة دولية شغل حيزاً هاماً في المحادثة الهاتفية بين الوزيرين لافروف وكيري، وكان أحد الموضوعات المهمة التي بحثها الوزيران مباشرة في زوتشه وأعقبتها مشاورات تطرقت إلى عمق الأزمة في سورية بين وفدي الجانبين الروسي والأميركي خرج بعدها بوغدانوف رئيس الجانب الروسي للإعلان «بأن الأميركيين اقتنعوا أخيراً بأنه لا بديل من الرئيس الأسد وحكومته».
3- سعي الرئيس الفرنسي هولاند في لعبة توزيع الأدوار الانتهازية إلى تجنيب واشنطن الحرج مع روسيا والحد من احتمالية التصادم السياسي معها بعد التفاهمات الحاصلة بين الجانبين الروسي والأميركي مؤخراً ولاسيما في القضايا الساخنة مثل الأزمة في سورية والملف الأوكراني وتداعياته في أوروبا وخارجها، والعدوان السعودي على اليمن وذلك بدعوة الشركاء بالإرهاب في سورية والعراق والذين يشكلون حلف أوباما الحالي إلى اجتماع باريس في الثاني من حزيران المقبل بحضور الوزير الأميركي كيري وذلك بهدف تحقيق غرضين رئيسيين:
أ- إعادة شحن الأدوار الوظيفية بما يلزم لتأزيم الأوضاع في المنطقة، وتصعيد الأعمال الإرهابية على سورية والعراق تلبية لحاجة الأجندة الأميركية.
ب- البحث في سبل تفضي إلى طرح «جبهة النصرة» كورقة تفاوضية في مهمة المبعوث الدولي إلى سورية، دي ميستورا، وهو أمر ليس مستحيلاً وحسب وفقاً للقرارات الدولية والواقع الميداني بل طريق لانتحار مهمة دي ميستورا سياسياً وتعويم قرار الحرب بالإرهاب على سورية وما يحمله من مخاطر لا تحمد عقباها، قد لا يوقفها موعد الثلاثين من حزيران المقبل الافتراضي لتوقيع الاتفاق النووي الإيراني السلمي مع دول 5 + 1.
ما من شك أن سياسة الكيل بمكيالين والمعايير المزدوجة التي ينتهجها أوباما، لم يعد بمقدورها حسم التشابكات الساخنة في المشهد السياسي الدولي أو في المنطقة، على صفيح حرب باردة أو بقفازات ناعمة، فسياسات سد الذرائع واعتماد التجميل والترقيع والبروبغاندا الدعائية السوداء، قد سقطت منذ زمن، ولم تعد صالحة للاستخدام، وتوريث الحرب بالإرهاب إلى خلفه الرئاسي لن يورث سوى المزيد من العار والدمار، ولن يؤمن للأوروبيين غير أيام إضافية من الخوف والقلق، وعليه فإن في أطراف وبياذق تحالف الإرهاب الدولي في سورية مثل العثماني أردوغان السفاح وحكام السعودية وقطر والأردن، وتل أبيب، لن يحصدوا غير الكارثة، رغم الأسلحة الحديثة والمتطورة التي تقدم للكيان الصهيوني وتلك الصفقات من الأسلحة التي تورد إلى السعودية وقطر لتنفيذ المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة، ما يعني أن أوباما وفقاً لمحددات سياساته التي انتهجها ضد سورية وفي المنطقة، وفي الحرب على اليمن التي تنفذها السعودية وتحالفها المثقوب أصبح رهين حالة من الانفصال عن الواقع، فلا هو مدرك لأبعاد ومخاطر استراتيجيته المتآكلة والمعلقة بالإرهاب وبالتالي رهان الإصرار على احتكار محاربته وقد تبين كم هي سياسة حمقاء فاشلة، ولا هو قادر على دخول حرب ساخنة بالنيابة عن الوكلاء الذين يتولى صيانة عروشهم المهتزة.
وقد يكون تأكيد دول مجموعة بريكس على دعمها الثابت لسيادة سورية ووحدة أراضيها، وتجديد الدعوة إلى حل سلمي للأزمة من قبل السوريين أنفسهم، بمنزلة هزة سياسية إضافية تجعله أكثر اقتراباً من إعادة النظر بسياسات يأكلها الاعتماد على الإرهاب.
ولعل من يقرأ في حديث الرئيس بشار الأسد إلى قائد مجموعة من الجنود الذين أسقطوا حصار الإرهابيين في مشفى جسر الشغور الوطني، يتأكد له أن أبطال الجيش العربي السوري، لا يتركون جرحاهم ولا شهداءهم في ميدان معركة مهما كانت ظروفها ويؤكدون ثباتهم في خوض معاركهم ضد الإرهابيين والتكفيريين حتى دحرهم عن الأرض السورية، تملؤهم ثقة بالنصر القادم وعشق للوطن المحصن، بصمود السوريين من حولهم، وهي رسالة يجب أن يقرأها من يريد بسورية شراً من داعمي الإرهاب خارج الحدود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن